إسرائيل تستسلم في معركة العجول

حجم الخط

بقلم: آريه الداد


لا. لا اعتزم الكتابة مرة اخرى عن السخافة والجريمة التي في حملة الانتخابات الاخرى التي تفرض علينا. لا أعتزم مرة اخرى أن أشير الى المذنب؛ لأن كل اللاعبين الاساسيين مذنبون. كل واحد منهم كان يمكنه أن يمنع هذا الاخفاق الوطني. ولكن لكل واحد منهم مبادئ سامية (أي مصالح) قيم (أي حسابات ملتوية) وادعاءات حق لا تنتهي، من النوع الذي كتب عنها الشاعر يهودا عميحاي: "من المكان الذي نحن فيه محقون/ لن تنبت أبدا/ زهور في الربيع/ المكان الذي نحن فيه محقون/ هو صعب وسحيق/.../ وهمسة تسمع في المكان/ حيث كان البيت/ الذي خرب".
نتنياهو واثق بأنه محق. انه ملاحق من جهاز انفاذ انتقائي للقانون وانه درايفوس. انه يستحق "حماية من العدل". ولكنه لو كان قلقا حقا على مصير الدولة وكتلة اليمين لكان ضحى بنفسه في صالح الدولة، واستقال بعد انتخاب خليفة في "الليكود". ومقابله غانتس وجوقته يقولون ان الدولة فوق كل شيء. فوق كل شيء باستثناء بضعة مبادئ، أهم من الدولة، مثل "لن نكون في حكومة تحت رئاسة من توجد ضده ثلاث لوائح اتهام على الفساد"، أو: "أنا الاول في التناوب". الدولة مهمة لهم، بالتأكيد، ولكن فقط إذا ما سارت كما يشاؤون. وليبرمان هو الأكثر تهكما من الجميع. احيانا العرب هم البرنامج، أحيانا الاصوليون. ولكن القوة الدافعة الاساس لديه، الآن، هي تصفية الحساب مع نتنياهو. وكل شيء باسم الوحدة ومن اجل الوحدة. إذ إن هذا هو المهم.
لا. لا اعتزم الكتابة عن هذا مرة اخرى. فلنتحدث، إذاً، عن العجول.
السلطة الفلسطينية، بقيادة ابو مازن، تفرض مقاطعة على بضائع إسرائيل. ولما كانوا لا يستطيعون مقاطعة كل شيء لأنهم متعلقون بنا في كل مجال فإنهم يختارون مقاطعة مجالات وبضائع وفقا لحسابهم من المجدي لهم مقاطعتها، وهم يفترضون ان إسرائيل لن تبدأ بالعربدة فتضربهم ضربة اقتصادية قاسية. بدأ هذا بمقاطعة علنية لبضائع المستوطنات. حين بنوا مدينة "روابي"، اعلنوا انهم لن يشتروا بضائع وخدمات من شركات إسرائيلية تعمل في "المناطق"، ولن يشغلوا خبراء يسكنون في هذه المناطق.
"قانون المقاطعة"، الذي كنت شاركت في سنّه في العام 2011، يسمح بتوجيه ضربات قاضية لهم اذا فرضوا مثل هذه المقاطعة. ولكن إسرائيل لم تفعل شيئا. ولهذا فهم يتقدمون. ومؤخرا نشرت السلطة الفلسطينية تعليمات للتجار والمستوردين في نطاقها تحظر عليهم استيراد العجول للذبح من إسرائيل. حتى وقت قريب استوردت السلطة الفلسطينية البقر للذبح من إسرائيل بنحو 700 مليون شيكل في السنة. ومع ان مثل هذه المقاطعة تتعارض مع اتفاقات باريس في 1994، الذي هو القسم الاقتصادي من اتفاقات اوسلو، إلا أن خرق الاتفاقات بقتل جماعي لليهود في الانتفاضة الثانية لن يعطي قلبه لمثل هذه الصغائر. إسرائيل تمثل دورها في هذه الاتفاقات الاقتصادية، تستورد منتجات زراعية من الضفة ومن غزة، وهذا يساعد على تصدير مثل هذه المنتجات الى الخارج. وعندها، من تضرر من هذه المقاطعة هم أساسا مربو البقر الصغار والمتوسطون، ولا سيما في الكيبوتسات. ولهذا فإن رجل "ميرتس" السابق أيضا، ابشالون فيلان، سكرتير عام اتحاد مزارعي إسرائيل، يقاتل ضد هذه المقاطعة العربية.
يقاتل ابو مازن ضد إسرائيل في كل ساحة يلاحظ فيها نقطة ضعف إسرائيلية. ظاهرا؛ لتنمية الاقتصاد العربي في نطاق السلطة. اما عمليا، فإن اختيار المس بمربي العجول في البلاد يأتي لتقديم الخدمة لبعض المقربين من بلاطه، وبينهم بعض المستوردين الذين قرروا السيطرة على سوق اللحوم.

وماذا فعلت إسرائيل ردا على ذلك؟
لا شيء. لا شيء – في واقع الامر فعلنا شيئا. منحنا ابو مازن اعفاء من الضريبة على الوقود الذي يستورده. وهكذا تنازلنا عن احد المبادئ الاساسية لـ"اتفاقات باريس" وبالمقابل وافق ابو مازن على أن يحصل من إسرائيل على مليارين من اموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عنه، والتي اقتطعت إسرائيل منها رواتب "المخربين"... (عشية انتخابات نيسان استسلم نتنياهو لضغط عائلات مصابي "الارهاب" فنفذ قانون الاقتطاع). لماذا؟ كي "يحافظ على ابو مازن". وصمتا صمتا ايضا تنازلت إسرائيل عن بعض من الاقتطاع الشهير. إسرائيل، التي تقاتل باصوات عالية ضد "بي دي اس" الاوروبية تستسلم بصمت لـ"بي دي اس" الفلسطينية وتعزز قوتها. اكثر من 90 في المئة من الصادرات الفلسطينية هي لإسرائيل. في لحظة واحدة كان يمكننا أن نخنقهم. ولكن الاستسلام أسهل بكثير. ولا بد أنه وجد ايضا بضعة خبراء أمنيين كانت هذه توصيتهم لمنسق الاعمال في المناطق للادارة المدنية، لوزير الدفاع، وبالاساس لرئيس وزراء إسرائيل.
بقي مربو العجول في إسرائيل "عالقين" مع 30 رأس بقر كانت مخصصة للانتقال الى "المناطق". اكثر من 2000 عائلة من المربين، الناقلين، واولئك العاملين في الصناعات المرافقة تضرروا. ولكن الاساس ان يكون ابو مازن راضيا.
وبالمناسبة، قبل نحو سنة جرب العرب هذه المناورة، ولكن من كان في حينه وزير الزراعة، اوري ارئيل، عرقل المحاولة حين أعلن بأنه سيوقف استيراد المنتجات الزراعية من الضفة ومن غزة الى داخل الدولة. وعندها سارع ابو مازن الى التراجع. اما الآن فيوجد وزير زراعة جديد. اسمه نتنياهو. وهو منشغل على ما يبدو في امور مهمة اخرى. ومنسق الاعمال في "المناطق"، اللواء كاميل ابو الركن، الذي يتبع وزير الدفاع، انشغل في الموضوع وحاول اقناع رجال ابو مازن بأن يهدؤوا. هو الآخر هدد بوقف الاستيراد من مناطق السلطة. أما عمليا فقد عمل العكس.
نشر جلعاد سفيك، هذا الاسبوع، في "إسرائيل اليوم" وثيقة داخلية وسرية لمنسق الاعمال في "المناطق"، يظهر فيها تقدير واضح للمستوردين الفلسطينيين الذين يستوردون البقر من اوروبا على المربين الإسرائيليين. وعندما طلب من المنسق التعقيب على النبأ، افاد بأن هذه صورة جزئية لا تعكس كل الفترة، وذكر انه حسب اتفاق باريس مسموح للسلطة ان تستورد مباشرة، وأعرب عن أسفه لنشر الصحيفة وثيقة داخلية سرية لجهاز الامن. ولكن الاسف عليل ومزدوج الاخلاق، لأنه مفهوم من تلقاء نفسه أنه لا مس بأمن الدولة في الكشف عن حقيقة أن المنسق، مثل الادارة المدنية، يفضلون بشكل دائم، كنهج، مصلحة العرب على مصلحة الإسرائيليين. الخجل والخوف من النقد العام يدفعانهم الى الاسف على كشف الوثيقة، وليس الخوف من الضرر الامني.    زعامتنا منشغلة هذه الايام في الانتخابات، وقلبها لم تكن متفرغة للعجول أو لمربيها. فبعد كل شيء: إسرائيل فوق كل شيء، ونحن ملزمون بالوحدة، وملزمون بمنع حكم اليسار، لأنه إذا صعد اليسار الى الحكم، فإن من شأنه أن يستسلم للعرب.

عن "معاريف"