حماسة ترامب المستجدة لإجراء اتصالات مع إيران تشعل ضوءاً أحمر في إسرائيل

حجم الخط

بقلم: أمير تيفون وعاموس هرئيل*


أعاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هذا الأسبوع، طرح مشكلة على جدول الأعمال اختفت تقريباً في الأشهر الأخيرة، على خلفية الأزمات السياسية المتقابلة في إسرائيل والولايات المتحدة: المفاوضات مع إيران. جرى هذا في أعقاب صفقة تبادل نادرة حدثت في نهاية الأسبوع الماضي بين واشنطن وطهران، أُطلق في إطارها سراح عالم أميركي كان محتجزاً في إيران منذ سنة 2016، في مقابل إطلاق سراح مواطن إيراني كان مسجوناً في أميركا، ومن المفترض أن يحاكَم لخرقه العقوبات الأميركية ضد إيران.
"شكراً جزيلاً لإيران على مفاوضات نزيهة جداً"، أعلن الرئيس ترامب على حسابه على تويتر. وأضاف بحماسة: "انظروا، نحن قادرون على التوصل إلى اتفاق معاً". كانت هذه أول مرة منذ نهاية أيلول يتطرق فيها ترامب، علناً، إلى رغبته في إجراء مفاوضات مع الإيرانيين بشأن اتفاق نووي جديد وشامل.
قبل أربعة أيام من ذلك، ذكرت صحيفة الـ"وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مصادر في الإدارة الأميركية، أن ترامب يفكر في إرسال نحو 14 ألف جندي أميركي إضافي إلى الشرق الأوسط، في إطار الإعداد لمواجهة عسكرية محتملة مع إيران. وزارة الدفاع الأميركية سارعت إلى تكذيب الخبر رسمياً، وترامب نفسه وصف الكلام بأنه "أخبار مفبركة". لكن مصادر في الكونغرس الأميركي زعمت أن الإدارة ندرس بجدية الاحتمالات في الأسابيع الأخيرة.
السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في فترة ترامب تواصل سيرها بصورة غير مستقرة ومن الصعب التنبؤ بها، وهي تتأرجح بين تلميحات إلى تهديدات بالحرب في يوم الأربعاء وبين تغريدات بشأن اتفاقات في يوم الأحد. التغيرات المفاجئة تطرح تحدياً معقداً بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط، وبينها إسرائيل، التي تحاول أن تفهم إلى أين تسعى الإدارة الأميركية. بدا أن الصعوبة ازدادت بعد المعركة الانتخابية الثانية للكنيست التي انتهت بتعادل إضافي بين الحزبين الكبيرين في أيلول. ترامب لم يتحدث هاتفياً مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد الانتخابات - وفسّر المعلقون ذلك بأنه تعبير عن إرادة الرئيس الأميركي الابتعاد عمّن يعتبره "خاسراً"، وعن ضعف العلاقة مع نتنياهو.
لكن في الأسابيع الأخيرة، تجددت الصلة المباشرة، وجرت على الأقل محادثتان هاتفيتان بين الزعيمين. كما التقى نتنياهو خلال زيارته البرتغال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو. مصدر مطّلع في الاتصالات بين الزعيمين ادّعى في حديث مع "هآرتس" أنه لم تكن هناك، فعلياً، برودة في العلاقات بينهما بعد الانتخابات، ومن جهة ثانية، الحديثان اللذان جريا مؤخراً لا يدلان على عودة الحرارة. بحسب هذا التفسير، يعتقد نتنياهو أن عليه المبادرة إلى الحديث مع ترامب فقط عندما يكون هناك سبب واضح لذلك، ومن الأفضل عدم ترتيب محادثة ليس لها هدف واضح. الرئيس الأميركي غارق في الأشهر الأخيرة في مشكلات داخلية، وفي طليعتها عملية تنحيته من جانب الكونغرس الأميركي، ويخصص جزءاً كبيراً وقته لمشاهدة التلفزيون وخوض مشاحنات صغيرة على تويتر.
في حديث ترامب مع نتنياهو الذي جرى قبل ثلاثة أسابيع، شكر رئيس الحكومة الرئيس الأميركي على قراره عدم اعتبار المستوطنات غير قانونية. في حديث الأسبوع الماضي، ركز الاثنان على المسألة الإيرانية. طلب نتنياهو زيادة ضغط الولايات المتحدة على إيران، بعد موجة التظاهرات التي عمّت الدولة في تشرين الثاني. في القدس، راضون عن قوة العقوبات، لكنهم لا يزالون يتخوفون من تجدد الملاحقة الأميركية لطهران على أمل ترتيب اجتماع بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني. في الواقع، يدّعون في إسرائيل أنه توجد فجوة كبيرة بين مواقف الطرفين، وأيضاً يعتبرون أن هناك سبباً للتفاؤل، هو رغبة الرئيس الأميركي في عدم إغضاب قاعدة مؤيديه من المسيحيين - الإنجيليين (الذين يمقتون طهران)، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة في تشرين الثاني 2020.
لكن مسؤولين إسرائيليين كباراً نقلوا إلى الأميركيين رسالة تقول إن مجرد عقد اجتماع بين ترامب وروحاني سيؤدي إلى تخفيف الضغط على إيران. بحسب التغيرات الإسرائيلية، سياسة الضغط تنجح، ليس فقط بسبب تأثير العقوبات في اقتصاد إيران، بل لأن المجتمع الدولي بدأ يدرك أن ليس لدى إيران من طريق للهرب سوى الخضوع لمطالب الولايات المتحدة. قمة بين الزعيمين ستبثّ شيئاً آخر هو: الضغط الأميركي موقت ويمكن تخفيفه. بحسب مصدر إسرائيلي، "حالياً، يوجد شعور في العالم أن الأميركيين يضربون إيران كل أسبوع بمطرقة أُخرى".
في أيلول، عندما كان الاجتماع (بين ترامب وروحاني) مطروحاً على جدول الأعمال (انتشرت تقديرات أنه سيجري على هامش عقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة)، بدأت شركات أجنبية متعددة التفكير في إعادة نشاطها إلى إيران. وقال سفير إسرائيل في واشنطن، رون دريمر، لمسؤولين كبار في الإدارة أن الاجتماع سيقلل من التأثير السيكولوجي للعقوبات إحساس إيران بالعزلة، سيسمح للنظام في طهران بأن يقدم إلى جمهور بلاده أفقاً متفائلاً على الرغم من الوضع الاقتصادي الخطير في البلاد.
بومبيو ومسؤولون كبار آخرون في الإدارة الأميركية عبّروا عن تفهمهم الادعاءات الإسرائيلية، لكن الرئيس نفسه لم يتأثر. كان ترامب مستعداً للقاء روحاني أو التحدث معه هاتفياً، من دون شروط مسبقة، على الرغم من كل التحفظات التي أعربت عنها القدس. الاجتماع لم يحدث في النهاية، في الأساس بسبب رفض الإيرانيين إجراءه، من دون بادرات طيبة أميركية مسبقة.
في خلفية هذا كله، كان هناك أيضاً التوتر الذي نشأ في الصيف بين واشنطن والقدس بسبب سلسلة هجمات جوية نسبتها وسائل الإعلام الأجنبية إلى إسرائيل، ضد قوافل وقواعد تابعة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق. في الولايات المتحدة هناك تخوف من أن تؤدي هذه الهجمات إلى أعمال انتقامية ضد آلاف الجنود الأميركيين المنتشرين في الدولة. في نهاية آب نشر "البنتاغون" بياناً حاداً بصورة غير مسبوقة أعرب فيه عن دعمه لسيادة العراق، في الوقت الذي اتهمت حكومة بغداد إسرائيل بالهجمات.
المؤسسة الأمنية الأميركية أقلقها عدد من السيناريوهات - بدءاً من هجمات انتقامية ضد قوات أميركية في العراق، وصولاً إلى الطلب الرسمي لحكومة العراق بإخراج جنودها من هناك. إذا صحّت هذه التقارير، في نهاية الأمر، يبدو أن للموقف الأميركي أهمية حاسمة.

عن "هآرتس"
* مراسلان عسكريان.