تحسين الوضع الاقتصادي.. رافعة «فاشلة» لتحقيق الهدوء بعيد المدى في غزة

حجم الخط

بقلم: دان شيفتن



يساعد تحسين الوضع الاقتصادي أحيانا كإحدى الأدوات في تهدئة الوضع وتلطيف حدة المواجهة.
من السهل أن يتشوش المرء بين المنفعة المركزة لهذه الأداة وبين الافتراض بأنه يمكن جعله، برفع مداه ليكون رافعة لتغيير في السلوك.
من يخطئ في التمييز بين الأمرين في العلاقات الإسرائيلية – العربية، لم يتعلم كثيراً من التاريخ.
في الضفة الغربية ينجح جمع من صدمة "السور الواقي"، السيطرة العسكرية الكاملة، الصيانة العنيفة لإنجازات هذه الحملة، والرفاه الاقتصادي نسبياً في أن يبقي منذ عقد ونصف العقد على هدوء نسبي. في ظروف القمع الشديد والمتواصل للعنف وللسكان الذين تعد قدرتهم على الاحتمال محدودة، يكون بالفعل للتحسن الاقتصادي مساهمة إيجابية ومهمة.
أما في غزة فلا تتوفر كل هذه الظروف: فليس لدينا (وخير أنه لا يوجد) سيطرة كاملة على الأرض، وليس فيها صيانة دائمة، تعاقب على الفور. يوجد فيها مجتمع آخر، لا يحاول على الإطلاق ضمان مستقبل أفضل لأبنائه، وزعامة أخرى، حقها في الوجود هو الكفاح العنيف والدائم لمجرد وجود إسرائيل.
هؤلاء ضيعوا الغالبية الساحقة من مليارات الدولارات التي دخلت إلى القطاع منذ فك الارتباط، استثمروها في الصواريخ، وفي الأنفاق وليس في تخفيف المعاناة وبناء المجتمع.
ومؤخراً عرض أبو مازن للخطر المساعدات الغربية الحيوية وتحويل ملايين عديدة من إسرائيل، وقلّص رواتب موظفي السلطة، كي يواظب على دفعات سخية لـ "الإرهابيين" وعائلاتهم.
إن ضبط النفس الإسرائيلي بشأن رد فعل واسع في غزة، جراء الحاجة (المحقة) للتركيز على التهديد الخطير بلا قياس من إيران في الساحة الشمالية، علّم الغزيين أنه يمكن الضرب الشديد جداً لسير الحياة الإسرائيلية دون دفع ثمن لا يطاق وفقاً لمقاييسهم.
كما تعلموا على مدى سنوات طويلة أنه في أوروبا وفي إسرائيل يخافون أكثر من مصيبة إنسانية تمس بأطفال غزة.
تبين لهم من تجربتهم أن إسرائيل والأسرة الدولية مستعدون ليوفروا لهم الغذاء، الدواء، العلاج الطبي وحتى ملايين الدولارات، الوقود والمواد التي يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية التي يمسون فيها بالسكان المدنيين في إسرائيل. باختصار – تعلموا أن المساعدة الاقتصادية ستبقى رغم العدوان المتواصل.
رغم كل هذه، من الجدير استخدام التسهيلات في غزة كأداة محدودة في محاولة موضعية لتبريد المواجهة، ولكن محاولة التعويل على تحسن اقتصادي دراماتيكي – ميناء، جزيرة مصطنعة، مطار، فتح حدود، وتصاريح عمل في إسرائيل، كرافعة استراتيجية لتحقيق هدوء بعيد المدى، نهايتها الفشل مثل كل المحاولات السابقة في السنوات المئة الماضية.
اعتقد أوائل الصهاينة في العشرينيات بأن تحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة للعرب ستقلل من معارضتهم للمشروع الصهيوني. بعد حرب "الأيام الستة"، توقع موشيه دايان ومؤيدوه بأن دفيئات التوت والجسور المفتوحة على نهر الأردن ستسمح بتعايش دائم من الهدوء في "يهودا" و"السامرة".
لقد اندلعت الانتفاضة الأولى بعد عقد نما فيه الاقتصاد الفلسطيني عشرات في المئة. حرب "الإرهاب" في "الانتفاضة الثانية" نشبت عندما كان الوضع الاقتصادي أفضل من أي وقت مضى. فقد سعت هذيانات شمعون بيريس عن الشرق الأوسط الجديد إلى تطبيق المنطق المغلوط ذاته على المنطقة كلها.
إن الغزيين سيحصلون على التحسن الاقتصادي وسيواصلون الإبقاء على الخاوة التي كانت في السنوات الأخيرة: العنف سرعان ما سيعود كوسيلة مساومة عندما لا يلبى هذا المطلب أو ذاك، أو عندما ستتضرر استعداداتهم لمواجهة واسعة.
في كل الأحوال ستكون هناك حاجة للعمل في غزة على نطاق واسع وبحجم كبير وأليم جدا، وهذا أيضا سيخفض مستوى العنف لفترة قصيرة فقط. ليس لغزة حل، كونه ليس لأبنائها أي رؤية بناءة تتجاوز المواجهة العنيفة، حتى وإن كان عديم الاحتمال، ويمنحهم فقط الرضى المرضي الذي يتمثل بإلحاق الألم وتشويش حياة الجار اليهودي الذي يزدهر رغم أنفهم.

عن "إسرائيل اليوم"