وبين كل صحفي وصحفي تجد صحفي متخفٍ بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ينشر خبرا ويصور حدثا وينقل شائعة ليست شائعة، لتصبح بين ليلة وضحاها حديث الساعة بين "السوشلجية" وناقلي الأحداث دون التحقق من صحته، فأنت الأن بخطوتين يمكنك أخذ لقب "صحفي"، فقط انسخ و الصق و احشد المتابعين.
أن تطور جمع ونقل الاخبار يمتد ليشمل نمو التكنولوجيا والتجارة، والذي يتسم بظهور تقنيات متخصصة لجمع المعلومات ونشرها على أساس منتظم، وهو الأمر الذي تسبب - كما يقول تاريخ الصحافة- في الزيادة المطردة لنطاق الأخبار المتاحة لنا، والسرعة التي تنقل بها الأخبار، وكانت الصحف دائمًا الوسيلة الرئيسية للصحفيين منذ عام 1700، ثم أضيفت المجلات في القرن الثامن عشر، والإذاعة والتلفزيون في القرن العشرين، والإنترنت في القرن الحادي والعشرين.
" شغلة اللي ما له شغلة"، عبارة تتردد على مسامعنا كثيرا في ظل ظهور عدد كبير من الصحفيين في الآونة الاخيرة و خاصة مع تطور التكنولوجيا و الانترنت، حيث لم يعد من الصعب كتابة الخبر و نشره دون عقد عمل مع وسيلة اعلامية محددة، فإن الفيسبوك حاليا أصبح يتيح للجميع فرصة نقل الوقائع بعين صاحبها، ونرى عدد كبير من الصحفيين المرموقين في الوطن العربي لا يملكون شهادة في الصحافة ولم يدرسوها كعلم، أي ان ممارستهم لمثل هذا العمل هو موهبة و اكتساب ولربما خبرات متتالية خلال سنوات عملهم في هذا المجال.
اختلفت الأراء حول رؤية الصحافة من مناحي مختلفة، وهل هي علم أم موهبة أم كلاهما، وما هي الأسس الواجب توافرها بالشخص كي يُلقّب بالصحفي؟
يجيب الاستاذ رومل السويطي مدير شبكة اخباريات ومدير مكتب جريدة الحياة الجديدة في نابلس على هذا السؤال بأن الصحافة تبدأ عند الشخص كرغبة في نقل الحقيقة للناس، واذا ما كانت هذه الرغبة، تتولد لدى هذا الشخص تلقائيا القدرة على الابداع في صناعة المادة الاعلامية، وحتى تكون هذه الرغبة في الاطار السليم يتم نصح الشخص بالقراءة المكثفة وخاصة القران الكريم الذي يصنع لديه القدرة على الابداع اللغوي، ثم قراءة الروايات الأدبية والاطلاع بتمعن على اكبر عدد من التقارير والتحقيقات الصحفية، أما اذا قام هذا الشخص بدراسة "الصحافة" أكاديميا فبكل تأكيد سيكون لديه قدرة أكبر على العمل الاعلامي. وينبغي أن لا ننسى أن الكثير من كبار الاعلاميين على المستوى العالمي والعربي وكذلك الفلسطيني لم يدرسوا الصحافة في الجامعات، بل أن بعضهم لا يحملون شهادات جامعية من الاصل ومنهم عباس العقاد ومحمد حسنين هيكل الذي يحمل شهادة دبلوم تجارة ودبلوم في القانون والاعلان بـ"المراسلة".
ويشير أستاذ الاعلام في جامعة النجاح الوطنية الدكتور فريد ابو ضهير بأن الصحافة تحمل الجانبين بقوله " الصحافة علم وموهبة، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، حيث أن الذين لم يدرسوا الصحافة كعلم يبقى لديهم مشكلة في فهم فلسفة الاتصال، ولربما هم عندهم موهبة في صياغة الرسالة، لكن لم يدرسوا الابعاد النفسية والاجتماعية للاتصال، فلو كان الاعلام فقط كتابة خبر، أو مقال، أو صورة صحفية، لاغلقنا أقسام الاعلام، والصحفي الذي يملك الموهبة دون العلم سوف يشعر نفسه غير ملم بكثير من الأشياء حتى بعد خبرة عشرين عام، و أن الصحفي الذي تعلم الصحافة سيشعر دائما أن لديه الاسس العلمية في الاعلام، وأنه لا ينقصه شيء سوى المزيد من الخبرة والتجربة".
وفي اعتبار الصحافة السلطة الرابعة بعد التشريعية و القضائية و التنفيذية، فإن اهميتها لا تقل عن اهمية أي تخصص اخر، بل و نزيد عليه انه بوق المجتمع، و الوسيلة الوحيدة لنقل الحدث والمعلومات من مكان الى آخر.
يضيف ايضا محاضر الاعلام في جامعة النجاح الوطنية الاستاذ سعيد المصري " الصحافة تخصص يقوم على أساس علمي ولكن علم دون موهبة يصبح شيء عادي او تقليدي ، وأن الموهبة هي الأساس، والعلم مكمل لها" و يتابع" أن في الاعلام الفلسطيني الاولويه لصاحب التخصص اذا تم التعامل مع الحاله على أساس موضوعي بعيدا عن المحسوبيات ولكن لا يخلو الامر من ان بعض وسائل الاعلام التي تحترم نفسها تقوم على اختيار أشخاص على علم وموهبه، و كلمة العلم لا تصلح في كثير من الأحيان في مجال الاعلام وحدها، فإن موضوع الاعلام الفلسطيني يحتاج الى اعادة نظر والوقوف على مواطن الخطا الموجودة ،وفي غياب التخصص والموهبة سبب في تدني مستوى الاعلام والاعتماد على الممارسة العملية من قبل أشخاص بعيدين كل البعد عن الصحافة ، وسبب رئيسي في هذا الخلل الموجود مع الاحترام لكثيرمن الاعلاميين الذين لم يدرسوا الاعلام ولكن اثبتوا مقدرتهم وموهبتهم في مجال معين من مجالات الاعلام اضافة الى السبب الثاني المتمثل بالمحسوبية التي انهكت مجال الاعلام".
أما المصور الصحفي في وكالة رويترز الاستاذ عبد الرحيم القوصيني يعقّب بقوله " الصحافة موهبة وقدرات شخصية يصقلها العلم ويوجهها ويدعمها " ، و يؤيده الاستاذ علي دراغمة رئيس تحرير وكالة وطن للأنباء باعتبار الصحافة موهبة، واضاف "كم من استاذ اعلام في الجامعة لا يستطيع كتابة قصة صحفية محترفة ، واحيانا الطالب الموهوب يكتبها افضل من استاذه".
لم تكن الصحافة يوما كأي تخصص آخر يعتمد على الجانب النظري الاكاديمي فقط، بل أنه في السياق الأول ينحاز الى الجانب التطبيقي والعملي، لا يمكن فصل العلم و الموهبة عن هذا التخصص، فإنك دون علم لن تستطيع معرفة تاريخ الصحافة و التواصل و الاتصال، و لن تدرك اهمية المعايير الصحفية الناجحة في كتابة الخبر أو التقرير أو المقال، أو حتى في تحرير المواد الاعلامية، و التطرق إلى الاخلاقيات الاعلامية المهمة التي يمكن أن تخضع لمقاضاة القانون أن لم تكن على اتطلاع عليها، وايضا فأنت دون موهبة لن تصل بعلمك الى المجتمع، فإن قلمك هو النبراس لطريق النجاح، و شخصيتك الجذابة، و حضورك اللائق، وجرأتك في خوض المغامرات الصحفية لنقل الحقيقة على أكمل وجه، كما أن لقدرتك على التواصل اهمية ليست بقليلة لتنجح في المجالات الصحفية المتنوعة.