هل الحرم في يد إسرائيل، حقاً؟

حجم الخط

بقلم: عميحاي أتالي

 

على مدى السنين عانى اليهود، صُلبوا، طُعنوا، وخُنقوا بالغازات بينما كانت الكلمات الأخيرة على ألسنتهم "أسمع إسرائيل". أما اليوم، في دولة إسرائيل ابنة الـ 71 سنة، فإن اليهود الذين يتلون "أسمع إسرائيل" في "جبل البيت" (الحرم) يقدمون إلى المحاكمة. "السلوك من شأنه أن يخرق السلامة العامة"، هكذا يسمون هذا.
غير مرة يكون الإحساس أننا فقدنا البوصلة. فقد بنيت هنا دولة لا بأس بها. تغلبنا على بعوض المستنقعات، تغلبنا على الفدائيين، ونجحنا بجلب مياه دافقة إلى "العربا" الجرداء. ولكن بالذات عندما هدأ ضجيج الخلفية، بدا أننا عانينا من الضياع الجماهيري للشمال. وفي سطر واحد: شرطة إسرائيل قدمت إلى المحاكمة ثلاثة شبان بتهمة ارتكاب جريمة تلاوة "أسمع إسرائيل" في "جبل البيت".
إذاً، تعالوا نحاول تحليل ما الذي حصل هنا في واقع الأمر: أغلبية واسعة من الجمهور اليهودي في إسرائيل تعرّف نفسها بأنها "صهيونية". معنى هذا المصطلح هو بالطبع القاعدة، التي ليست إلا "صهيون"، أو بالطبع القدس. وما هي القدس؟ نادي هئومان، حديقة الحيوانات؟ الكبة في سوق محنيه يهودا؟ كله رائع. ولكن جذر كل شيء هو لب لباب المدينة، "جبل البيت". بعد ألفي سنة غياب عدنا إلى الجبل ووجدناه في أياد أخرى. لي شخصياً لا توجد أي نية لطردهم من هناك بالقوة، ولكن في السنوات الأخيرة، وبالذات تحت رئيس وزراء يدعي عرض نفسه كرجل يمين، تجري سياسة غير مفهومة في كل ما يتعلق بحجيج اليهود إلى "جبل البيت".
"جبل البيت" هو رمز. حتى من لم يرغب أبداً في أن يذبح فيه ذبائح يمكنه أن يفكر بأن هذا المكان هو رمز قومي. أبونا إبراهيم سار فيه، ولاحقاً اشتراه داود الملك، ووقف في قلب الحصار على القدس، ومنذ وقت غير بعيد فقط، قبل 52 سنة، سكب مظليو موتي غور دماً ودموعاً حين وصلوا إليه. صحيح أن معظم الحجاج إلى "الجبل" يفعلون هذا لاعتبارات دينية، ولكنكم ستفاجؤون حين تسمعون بأنه توجد حركة غير صغيرة من العلمانيين، معظمهم بالطبع ذوو فكر سياسي يميني، يحجون إلى "جبل البيت" لاعتبارات قومية.
كما أن الغالبية الساحقة ممن يستخدمون دعوة "أسمع إسرائيل"، يفعلون هذا على خلفية دينية. هذه خلاصة الإيمان اليهودي برب واحد، وصلاة يقولها حفظة الفرائض ثلاث مرات في اليوم. ولكن بشأنها أيضاً، وأساساً في الحالات المتطرفة، هي أيضاً أصبحت رمزاً قومياً وليس بالضرورة دينياً، ليهود أخذت حياتهم منهم فقط بسبب انتمائهم القومي.
لماذا تبذل الشعوب في كل العالم جهداً فائقاً وتدفع أثماناً من أجل رموز قومية؟ وبالعموم، لماذا أرادت دولة إسرائيل أن تعود إلى "جبل البيت" في حرب "الأيام الستة"؟ فهل كنا نبحث عن أرض أخرى لنبني عليها أبراجاً فاخرة؟ هل نحن، في واقع الأمر، أمّة، أم استحداث لا يوجد أي معنى للمكان الذي يقام فيه؟ إذ في وادي السيلكون يوجد حقاً تحديات أمنية أقل بكثير.
أولئك اليهود الذين أكلوا المر في المنفى كان يمكنهم فقط أن يحلموا بزيارة خاطفة إلى "بلاد إسرائيل". ما كانوا ليجرؤوا على تخيل الوصول إلى القدس وبالتأكيد ليس إلى "جبل البيت". ولكن ها نحن جسدنا ما لم يتجرؤوا على أن يحلموا به، وكل ذلك كي نتمكن من أن نقدم إلى المحاكمة يهوداً يقولون "أسمع إسرائيل" في "جبل البيت".
إن لائحة الاتهام التي رفعت ضد الشبان الثلاثة تثبت أننا لسنا في الاتجاه الصحيح. حكومة إسرائيل، وكذا الشرطة التي تعمل بقوة القوانين واللوائح التي تقررها لها الحكومة، فقدت البوصلة ونسيت كل هذا. من ناحيتهم اليهودي الذي يحج إلى "الجبل" – الرمز الأكبر للشعب اليهودي – ويتلو فيه التلاوة التي ترمز أكثر من أي شيء للتقاليد اليهودية، مثل هذا اليهودي يقدم إلى المحاكمة. "أسمع إسرائيل"، لا يمكن أن نقول: إن "جبل البيت" ليس في أيدينا.

عن "يديعوت"