تداخل العسكري والسياسي في عمل الجبهة الشعبية

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


إعلان «الشاباك»، الأربعاء الماضي، حل لغز العملية التي قتلت فيها الفتاة رينا شنراف، قرب رام الله، في آب الماضي، أشعل نقاشا صاخبا بشأن إحدى المعتقلات في هذه القضية، خالدة جرار، ابنة الـ 56 سنة. خالدة جرار، من قيادات الجبهة الشعبية والتي كانت في السابق عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني، اعتقلت في الماضي لفترة طويلة من الاعتقالات الادارية. ولكنها قالت إن إسرائيل تنكل بها فقط بسبب نشاطها السياسي ضد الاحتلال.
في أعقاب قتل شنراف اعتقل اعضاء الخلية التي نفذت العملية، و50 نشيطاً من الجبهة الشعبية. في إعلان «الشاباك» قيل للمرة الاولى إن جرار تقف على رأس الجبهة في الضفة، وهي مسؤولة عن كل نشاطات المنظمة، بما في ذلك العملية. واعتبر مراسلون إسرائيليون ذلك دليلاً قاطعاً على أن جرار مشاركة في «الارهاب».
عمليا، في «الشاباك» قالوا إنهم يأملون أنه في هذه المرة سيمكن ترجمة البينات الى لائحة اتهام ضد جرار، التي ستقدم للمحكمة العسكرية في الضفة (الاعتقال الاداري ارتكز إلى شكوك نبعت من معلومات استخبارية أراد جهاز الأمن مواصلة ابقائها سرية. لذلك، لم يتم فحصها علنا في أي يوم في المحكمة). ولكن اعلان «الشاباك» لا يخبرنا ما الذي بالضبط كانت جرار تعرفه عن النشاطات «الارهابية» لاعضاء منظمتها وماذا كان دورها في اتخاذ القرارات بشأن العمليات. يبدو أنه يجب علينا انتظار البينات في حالة طرحها على المحكمة من أجل التوصل الى استنتاج واضح في هذا الشأن. احيانا يتبين أن هناك فجوة غير بسيطة بين البيان الصحافي وبين المعلومات التي تقدم في النهاية في لائحة الاتهام.
الحدود التي تم طمسها بين الذراع العسكرية والذراع السياسية للجبهة الشعبية غير جديدة. في آب 2001 تقريبا بعد سنة على الانتفاضة الثانية اغتالت إسرائيل في رام الله أمين عام الجبهة الشعبية في الضفة، أبو علي مصطفى، الذي كان في حينه في عمر 63 سنة. قال الفلسطينيون إنه لم يكن مشاركا أبدا في «الارهاب»، لكن معلومات استخبارية نقلها «الشاباك» لرئيس الحكومة في حينه، ارئيل شارون، عن المصادقة التي اعطاها مصطفى لاستخدام السيارات المفخخة، عندما كان يدقق في خرائط الاهداف التي أعدتها الخلايا، كانت تكفي من أجل تقرير مصيره. وبعد شهر ونصف ردت المنظمة باغتيال الوزير رحبعام زئيفي في فندق «حياة» في القدس.
الرجل، الذي أمر بتنفيذ عملية الثأر، كان وريث مصطفى، أحمد سعدات. كان مطلوبا لإسرائيل خلال اكثر من اربع سنوات. في العام 2016 اقتحمت قوة للجيش الإسرائيلي السجن في اريحا، حيث كان يحتجز سعدات من قبل السلطة الفلسطينية بمراقبة سجانين أوروبيين. رفضت إسرائيل اطلاق سراح سعدات حتى في صفقة شاليت، بعد خمس سنوات، رغم مطالبة «حماس» به. من بين الوسائل القتالية التي تم ضبطها في أيدي شبكة الجبهة الشعبية، مؤخراً، كان أيضا مسدسات كاتمة للصوت. لن تكون مفاجأة كبيرة إذا تبين أن اعضاء الشبكة خططوا لتنفيذ عمليات اختطاف ومساومة.

إشعال متأخر
أعضاء الشبكة متهمون بقتل الفتاة شنراف وبإصابة أبناء عائلتها بوساطة وضع عبوة ناسفة في موقع نبع عين بوبين غرب رام الله، وتنفيذ عمليات اطلاق نار لم تتسبب باصابات. في ايام الجمعة تقوم قوة من الجيش الإسرائيلي بدورية تمشيط في المكان قبل وصول المستجمين الإسرائيليين. في هذه المرة جاء المستجمون قبل الجنود.
من قاموا بوضع العبوة وتشغيلها راقبوا موقع النبع من مكان يبعد مئة متر تقريبا. وكان يمكنهم تشخيص بأنهم يصيبون مدنيين وليس جنودا بدون صعوبة. هذا كان قتلا بدم بارد. في «الشاباك» يعتقدون أن الخلية وثقت العملية ايضا، لكنها محت الفيلم الذي لم يتم العثور عليه بعد ذلك. الشخص الذي قام بتركيب العبوة، والذي ضغط على الزر، سامر العربيد، مكث قبل ذلك في تحقيق لدى «الشاباك»، وتم اطلاق سراحه دون وجود بينات ضده. بعد العملية اعتقل مرة اخرى وتم التحقيق معه باستخدام وسائل عنيفة (تحقيق «الضرورة»). انهار في التحقيق وتم علاجه بوضع حرج، لكن بعد ذلك تعافى. وسيتم تقديمه للمحاكمة هو واعضاء الخلية الآخرون.
الاعتقال الجماعي للنشطاء والاسلحة الكثيرة نسبياً، التي تم ضبطها، تثير سؤالاً حول كيف عملت الجبهة بدون ازعاج لفترة طويلة وبدون أن يعثر عليهم «الشاباك» والجيش؟ الجبهة معروفة كمنظمة أيديولوجية متشددة، تحرص على السرية الكاملة بين أعضائها. كثير من نشطاء المنظمة الكبار كانوا معتقلين سابقين، وتم التحقيق معهم في إسرائيل. وآخرون، ممن عملوا مدربين لـ «المخربين» الأصغر سنا، قاموا بتقديم دروس لأصدقائهم وهم ملثمون لإخفاء هويتهم.
ربما أن الكشف المتأخر، فقط بعد العملية في موقع النبع، مرتبط بصورة غير مباشرة بالحادثة. جهاز الأمن يعالج في السنوات الاخيرة توسع ظاهرة «عمليات الافراد»، وهم «مخربون» شباب يعملون على مسؤوليتهم، والمعلومات المسبقة الوحيدة التي ينشرونها عن نواياهم موجودة في الشبكات الاجتماعية. شبكة الجبهة الشعبية في رام الله تختلف تماما في خصائصها عن الموجة الجديدة المنتشرة لـ «المخربين» في الضفة. في «الشاباك» قالوا إن «الارهاب» الممأسس لا يزال موجوداً على رأس اولويات اهتمامات المعالجة من جانب قوات الأمن، وإن النضال ضد شبكات منظمة تابعة لـ «حماس» والجبهة الشعبية سيستمر، وأنه في القضية الحالية ما زال يتوقع اتضاح تفاصيل أخرى.

عن «هآرتس»