تفصلنا أيام قليلة على نهاية عام 2019، عرض تجاريًا حتى الآن (لمدة أسبوع على الأقل)، 33 فيلمًا، ويتبقى فيلم واحد تقريبًا هو ”الفلوس“ لم يعرض، ونقول تقريبًا لأن خريطة توزيع الأفلام في مصر كالعادة تتغير بين عشية وضحاها، فهذا الفيلم نفسه كان مقررًا له أن يعرض في أكتوبر الماضي قبل أن يؤجل لديسمبر.
الآن يمكننا النظر بشكل أشمل على خريطة السينما وإيراداتها لهذا العام وتحليل أهم الظواهر السينمائية سلبًا وإيجابًا.
1- إيرادات غير مسبوقة
كما هي العادة في كل مقال أكتبه وأتناول فيه الإيرادات، أوضح أن المقصود هو الإيرادات الإجمالية المعلنة في مصر، مع العلم الكامل بتغير أسعار التذاكر عدة مرات في السنوات الأخيرة وعدم الدخول في حسابات التضخم والتفاوت في أسعار التذاكر أو غير ذلك.
أصبح معتادًا في الأعوام الأخيرة قراءة ”الفيلم الأعلى في الإيرادات في تاريخ السينما المصرية“ في كل موسم جديد، نظرًا لارتفاع أسعار التذاكر كما ذكرنا، لكننا في هذا الموسم نلاحظ طفرة كبيرة في الإيرادات، كما سنذكر الآن.
أولًا، عكس المواسم السابقة، صار لدينا فيلمان ينافسان على الصدارة في الموسمين الرئيسيين، الأضحى والفطر، فعكس المواسم الماضية التي كان يغرد فيها أحد الأفلام منفردًا بالصدارة مثل ”حرب كرموز“ أو ”البدلة“ في 2018، نجد أن ”كازابلانكا“ و“الممر“ اللذان عرضا في عيد الفطر شهدا منافسة قوية وانتهت إيراداتهما إلى فارق حوالي 5 ملايين بينهما، وتكرر الأمر مع ”الفيل الأزرق 2“ و“ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض“ بفارق حوالي 3 ملايين، وقد عُرضا في عيد الأضحى، وإن كان ”الفيل الأزرق 2“ عرض قبل العيد بحوالي أسبوعين.
ثانيًا، تتجاوز السينما المصرية للمرة الأولى حاجز 100 مليون جنيه، ليس مرة واحدة بل اثنتين، مع فيلمي ”الفيل الأزرق 2“ و“ولاد رزق 2“.
ثالثًا، سنجد أن مجموع إيرادات الأفلام الخمسة الأولى في شباك التذاكر يقترب من ضعف إيرادات الخمسة الأولى في العام الماضي. الأفلام الخمسة الأولى لهذا العام هي على الترتيب: ”الفيل الأرزق 2“ ثم ”ولاد رزق 2“ ثم ”كازابلانكا“ ثم ”الممر“ وأخيرًا ”نادي الرجال السري“، ومجموعها معًا قرابة 415 مليونًا، بينما الأفلام الخمسة الأولى في العام الماضي هي: ”البدلة“ ثم ”حرب كرموز“ ثم ”ليلة هنا وسرور“ ثم ”تراب الماس“ وأخيرًا ”الديزل“ ومجموعها قرابة 214 مليونًا، علمًا بأن ”البدلة“ استمر عرضه خلال العام الحالي وجمع عدة ملايين، والرقم المذكور بحساب إيراداته النهائية.
مرة أخرى نؤكد أن هناك الكثير من المعلومات تنقصنا لتحديد القيمة الحقيقية والدقيقة لتفوق هذا العام مقارنة بالماضي، ولكن بالتأكيد الإيرادات الإجمالية هي أحد المؤشرات.
2- الأفلام الأمريكية تنافس بقوة
رغم القوانين المفروضة لتحديد عدد نسخ الأفلام الأمريكية في دور العرض، فإننا لا زلنا نشهد عدة أفلام أمريكية تحقق إيرادات قياسية مقارنة بالأفلام المصرية التي تشهد توزيعًا أكبر.
في العام الحالي أيضًا تنافست 3 أفلام على لقب ”أعلى فيلم أجنبي تحقيقًا للإيرادات“، البداية كانت مع ”Avengers: Endgame“ (المنتقمون: نهاية اللعبة) الذي حقق 29 مليونًا رغم عرضه في شهر رمضان الذي لا يُقبل فيه الجمهور على السينما بشكل قوي، ثم استمر في المنافسة مع أفلام عيد الفطر، وربما لو كان عرض في توقيت آخر لكان حقق المزيد من الإيرادات. كان هذا قبل أن يُعرض ””Aladdin (علاء الدين) الذي تفوق عليه بعدة ملايين محققًا 36 مليونًا، وأخيرًا جاء فيلم ”Joker“ الذي يقترب من 40 مليونًا.
تعكس هذه الإيرادات الإقبال العالمي على أفلام الكوميكس في السنوات الأخيرة، فهذه الأفلام الثلاثة يحتل كل منها مكانًا في قائمة أعلى الإيرادات حول العالم في العام الحالي.
يأتي هذا في الوقت الذي لم تنجح فيه أفلام مصرية كبيرة الإنتاج في تخطي حاجز العشرين مليونًا مثل ”حملة فرعون“ أو الملايين العشرة مثل ”الكنز 2: الحب والمصير“، وهذا ينقلنا للنقطة التالية.
3- أفلام مخيبة للآمال
لن نتحدث عن أسوأ الأفلام في قائمتنا هذه، إذ أن العام ضم الكثير من الأفلام شديدة التواضع، لكننا سنتحدث عن الأفلام التي كان تراجعها في الإيرادات علامة لافتة يجب التوقف عندها.
أول هذه الأفلام ”خيال مآتة“ من بطولة أحمد حلمي، والذي حقق إيرادات 38 مليونًا، وهو رقم لا يعد قليلًا، لكن عندما ننظر إلى اسم أحمد حلمي أحد أكثر الممثلين جماهيرية، والذي يعود بهذا الفيلم بعد ابتعاد عن البطولة منذ عام 2016، فإن الرقم لا يليق به بالتأكيد، خاصة عندما نعرف أنه ليس في الأفلام الخمسة الأولى الأعلى تحقيقًا للإيرادات خلال العام. يأتي هذا متماشيًا مع المستوى الفني المتواضع للفيلم، والذي جاء بعد فيلم ضعيف آخر هو ”لف ودوران“.
الفيلم الثاني هو ”حملة فرعون“ الذي اعتمد في الدعاية على وجود فنانين أجانب، في محاولة لتحقيق نجاح ”حرب كرموز“ من العام الماضي، لكنه أخفق في تخطي عشرين مليونًا، وبحسابات المكسب والخسارة، ربما يصبح أحد أكبر خسائر العام، إذ أن إنتاج الفيلم بالتأكيد لا يقل عن 50 مليونًا.
الفيلم الثالث هو ”محمد حسين“ من بطولة محمد سعد، الذي تذيل إيرادات عيد الفطر الماضي بإيرادات أقل من 5 ملايين، وهو أمر ليس بجديد على أفلام الفنان محمد سعد، ولكننا ذكرناه هنا لأن الكثيرين توقعوا أن يستغل الممثل الإشادة التي نالها على دوره في الجزء الأول من فيلم ”الكنز: الحقيقة والخيال“ ليقدم فيلمًا جيدًا يعود به للمنافسة، لكنه قدم فيلمًا شديد التواضع على كافة المستويات.
4- إعادة إطلاق لموسم يناير
انحصرت المواسم السينمائية المصرية مؤخرًا في عيدي الفطر والأضحى، هما اللذان يستأثران بالأفلام كبيرة الإنتاج بينما تُعرض في بقية العام أفلام متوسطة أو قليلة الإنتاج، وبلا نجوم، مع محاولات متكررة للدفع بموسم يناير أو منتصف العام الدراسي، من خلال أفلام متوسطة الإنتاج لبعض النجوم، أو أفلام لممثلي الصف الثاني، أو أفلام ذات أنواع مختلفة عن السائد، لكن الأعمال المعروضة في هذا الموسم لم تنجح في تخطي حاجز العشرين مليونًا، إلى أن تغيرت الصورة في العام الحالي.
جاء فيلم ”نادي الرجال السري“ ليحقق إيرادات تقترب من 60 مليونًا في مفاجأة كبيرة بالنسبة لهذا الموسم، وحقق ”122“ إيرادات تقترب من 25 مليونًا في مفاجأة أخرى إذ لا ينتمي إلى الأنواع المفضلة للجمهور مثل الكوميديا أو الأكشن، بالإضافة إلى عدم اعتماده على نجوم ذوي جماهيرية سينمائية كبيرة.
هذه الإيرادات مهدت للإعلان عن أفلام أخرى لنجوم ستعرض في نفس الموسم، مثل ”الفلوس“ الذي سيعرض في نهاية العام الحالي، وإن كان سيحسب على موسم نصف العام الدراسي، و“لص بغداد“ الذي سيعرض في يناير.
5- لا زال البحث مستمرًا
رغم هذه الإيرادات الجيدة، ورغم وجود محاولات للخروج عن السائد، مثل وجود فيلم التشويق ”122“ أو الرعب ”الفيل الأزرق 2“، فإننا في النهاية لا يمكننا القول إن العام شهد تميزًا حقيقيًا على مستوى الجودة الفنية، بالتأكيد لدينا أفلام جيدة في نوعها مثل ”كازابلانكا“ و“ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض“ و“نادي الرجال السري“، لكن من الصعب القول أنها أفلام ستبقى لعدة سنوات وسنتذكر العام من خلالها لاحقًا، لا يمكن الوقوف على فيلم يمثل طفرة في نوعه، فحتى فيلم ”الممر“ الذي شهد عودة لأفلام الحرب بعد طول انقطاع جاء بسيناريو ضعيف ليضيع فرصة ذهبية.
بعيدًا عن السينما التجارية لا يشهد العام أيضًا تميزًا على مستوى الأفلام الفنية، عُرضت بعض الأفلام التي شاركت في مهرجانات، مثل ”لا أحد هناك“ و“بين بحرين“ و“الحلم البعيد“، ويعد الأخير أفضلها بالتأكيد، لكن من الصعب الوقوف عندها بشكل خاص، كما إنها لم تنجح في تحقيق أي إيرادت تذكر في شباك التذاكر.