إسرائيل... والتهديد من الداخل

حجم الخط

بقلم: الدكتور ناجي صادق شرّاب*

 

يكشف كتاب «كم سيكون بمقدور إسرائيل البقاء - التهديد من الداخل» للصحفي كريج كارلستورن، وهو مراسل للصحيفة الاقتصادية ولندن تايمز في إسرائيل،
 عن أن إسرائيل تواجه تهديداً وجودياً من الداخل نتيجة صراعات سياسية واجتماعية ودينية وإثنية، أكثر من التهديدات الخارجية.


يشير المؤلف إلى أن إسرائيل وبعد سبعين عاماً لم تكن أكثر ازدهاراً وأكثر أمناً وأكثر قبولاً مما هي عليه الآن. فهي دولة مسلحة نووياً، والأكثر قوة في المنطقة بمعايير القوة الكيفية، وتربطها معاهدات سلام مع أكثر دولتين مهمتين لها مصر والأردن بحكم الجوار الجغرافي، وقادرة بما تملك من قوة نووية على ردع إيران، ولا تواجه أي تهديد وجودي لها.


رغم هذه القوة يثير المؤلف تساؤلات حول إمكانية بقائها، ووجودها، وما تواجهه من تحديات وجودية، وهذه التهديدات مصدرها داخلي، وما تواجهه من تهديدات اقتصادية واجتماعية وسياسية تمس نسيجها الاجتماعي والسياسي. وهنا يلقي الضوء على العديد من النزاعات والانقسامات الداخلية التي تمزق نسيج المجتمع «الإسرائيلي». فاحتلال «إسرائيل» للضفة الغربية وغزة لأكثر من خمسين عاماً لم يؤد فقط إلى اختلافات داخل القيادة في «إسرائيل»، والرأي العام، ولكنه أيضاً أدى إلى تسميم العلاقة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وبين العرب في الداخل وبقية المجتمع، وإلى علاقات دموية بين المستوطنين والفلسطينيين، وعمقت من درجات الكراهية والحقد والثأر.

هذا إضافة إلى الاعتداءات على المساجد والكنائس ومنازل الفلسطينيين واقتلاع أشجارهم وحرق حقولهم. وفي غياب المفاوضات وفشلها وعدم جدواها، برزت الخلافات بين قادة الجيش ونتنياهو والناخبين. وهو الفريق الذي يرى السلام مستحيلاً مع الفلسطينيين.
ولا تتوقف التهديدات الداخلية على هذه القضايا، بل يشير المؤلف إلى التفاوتات وعدم المساواة الاقتصادية رغم تحسن اقتصادها ودخلها القومي، فالفجوة واضحة وفي تزايد بين 6 ملايين يهودي وبين مليوني عربي في الداخل وصلت معدلات البطالة بينهم إلى 25 في المئة وهي ضعف نسبة البطالة لدى الإسرائيليين، وأكثر من نصف الأسر العربية تعيش تحت خط الفقر. فمنذ عام 1948 بنت إسرائيل حوالي 600 مستوطنة للتجمعات اليهودية، فيما لم تبن أي مدينة بالمقابل لعرب 48 رغم أنهم يحملون جنسيتها ويشاركون في الانتخابات.

وفي الوقت ذاته تتمتع التجمعات اليهودية بالنصيب الأكبر في الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وتستحوذ على النصيب الأكبر من الموازنة العامة، 
أما التجمعات العربية فتعاني الحرمان. وتمتد هذه التباينات إلى داخل اليهود أنفسهم، والتمايزات الإثنية واضحة بين اليهود الشرقيين والغربيين، واليهود الحريديم، ويظهر هذا في مستويات الدخل.

فمعظم السجناء من الشرقيين، وأكثر من تسعين في المئة من سلك القضاة من الأشكناز الغربيين. ومن مظاهر الانقسامات الاجتماعية الخلافات بين الغالبية العلمانية والأقلية الأرثوذكسية الأكثر تزمتاً وتشدداً وتديناً، والذين يتمسكون بأيام العطل أيام السبت، ولهم مدارسهم الخاصة، ومطالبتهم بعدم الالتحاق بالجيش.

ويذهب المؤلف للقول إن هذه الخلافات والانقسامات تتضح بين إسرائيل واليهود الأمريكيين، ويهود الخارج. وتوضح استطلاعات الرأي أن غالبية اليهود الأمريكيين علمانيي النزعة، وإصلاحيين في ممارساتهم وطقوسهم الدينية، وليبراليين في رؤاهم السياسية، ولذلك تتباين وتتسع الأولويات بينهما.

ومن المشاكل التي يثيرها المؤلف وتهدد بقاء إسرائيل مستقبلاً تراجع الممارسة الديمقراطية والتخلي عن قيمها، ومنظومة الحقوق المدنية، واتساع فجوات الكراهية والحقد بسبب ظهور جماعات يهودية متطرفة في عهد نتنياهو. وتكشف العديد من استطلاعات الرأي أن طلاب المدارس العليا يعارضون حق العرب في التصويت، ويعارضون مشاركتهم في ائتلافات حكومية.

وينهي المؤلف تساؤلاته: هل يمكن لإسرائيل أن تعيش كدولة ديمقراطية ودولة يهودية؟

الإجابة محل شك.

*استاذ علوم سياسية - غزة