بقلم: جدعون ليفي
أصبح الأمر الآن مزدوجاً. في تزامن غير صدفي تماماً للأحداث، دولة إسرائيل ورئيس الحكومة متهمان في نفس الوقت بارتكاب جرائم، وهما يحاولان الهرب من رعب الحكم بنفس طريقة تشويه جهاز القضاء الذي يحاكمهما. إن الاشتباه بشأن جرائم الدولة أخطر بدرجة لا تقدر من الاشتباه بجرائم رئيس حكومتها. لذلك، هربها من رعب الحكم أشد قسوة بكثير. يعتقد أغلبية الإسرائيليين تقريباً بشيء آخر. بالنسبة لهم الفساد الأكبر هو لنتنياهو، أما فساد الدولة فهو غير قائم في وعيهم. لم يخبرهم أي أحد عن الجرائم التي تنفذ كل يوم. فقط قالوا لهم: إن جيشهم هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، وهم قاموا ببلع ذلك بسعادة؛ من يتجرأ في إسرائيل على تسمية الأمور بأسمائها ويسمي الجريمة جريمة هو لاسامي. والآن جاءت المدعية الأولى في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، باتو بنسودا، وقالت: إن هناك أساساً للاعتقاد بأن إسرائيل نفذت جرائم حرب. ربما أيضاً في غامبيا، بلادها، انتشرت اللاسامية. ولكن المدعية بنسودا حذرة في لغتها، حذرة جداً.
هذا هو اليوم الذي انتظرناه، وكل من يحبون العدل انتظروه. من يعتقد أن هناك جرائم ترتكب، يأمل بأن يأتي اليوم الذي سيقدم فيه من ارتكبوها للمحاكمة، وهؤلاء سيكونون قتلة ومغتصبين وسارقين أو ضباطاً في الجيش ووزراء ومستوطنين مسؤولين عن جرائم حرب. ليست احتمالية أن تقوم إسرائيل بالتحقيق مع نفسها ضئيلة فقط – بل هي غير قائمة. لذلك، العيون تشخص نحو لاهاي، المكان الذي يناقشون فيه جرائم الحرب التي لا يخطر ببال دولهم مناقشتها. إسرائيل هي حالة واضحة مثل هذه. هل هناك أحد يعتقد بجدية أنه في عملية «الجرف الصامد» لم ترتكب جرائم حرب؟ وأيضاً لم ترتكب في يوم الجمعة الأسود في رفح؟ وأن نقل مئات آلاف المواطنين إلى المناطق المحتلة والسيطرة بالقوة على الأراضي هناك، بما في ذلك الخاصة، لا يشكل مخالفة صارخة للقانون الدولي؟ هل هناك رجل قانون منطقي يرى مئات المتظاهرين غير المسلحين يقتلون قرب الجدار الذي يحبس غزة، وهو جريمة حرب أخرى بحد ذاته، لا يريد أن يرى المسؤولين يعاقبون على ذلك؟
هذا اليوم هو يوم كبير لأن الأمر لا يتعلق فقط بجرائم الماضي، بل بجرائم مستمرة حتى هذا اليوم، كل يوم. تتواصل الجرائم أثناء كتابة هذه السطور، وهي تتواصل أثناء قراءتكم لها. لا توجد لحظة دون جريمة. الطريقة الوحيدة لوقفها هي تجريم المسؤولين عنها. إسرائيل لن تفعل ذلك بنفسها في أي يوم، فقط محكمة الجنايات الدولية في لاهاي يمكنها فعل ذلك. عندما يخاف الوزراء والضباط من الخروج إلى خارج الدولة فإن سلاح الجو سيفكر مرتين قبل أن يقصف أكواخاً من الصفيح في غزة ويقتل من يسكنون فيها.
ما زالت الطريق طويلة، والذعر الذي تلقيه إسرائيل على المجتمع الدولي ما زال كبيراً. ولكن، تم تسجيل إنجاز واحد، إسرائيل لم تقم بنفي الجرائم، بل أنكرت صلاحية المحكمة لمناقشتها. سيتم إصلاح هذه الهفوة للدعاية الإسرائيلية، لكن الادعاء بأن المحكمة في لاهاي لا توجد لديها صلاحية لمناقشة ما يحدث في أراضي الاحتلال الإسرائيلي يطرح بكل قوة سؤال: من الذي توجد له الصلاحية؟ النيابة العسكرية؟ محكمة العدل العليا؟ أنتم بالتأكيد لا تقصدون ذلك بجدية. «يوم أسود للحقيقة والعدل»، قال نتنياهو، في اليوم الذي لا مثيل له كي تكون فيه الحقيقة والعدالة ساطعة. «استسلام لدعاية الكذب والكراهية للإرهاب الفلسطيني»، ردد يائير لبيد، وهذا يثبت مرة أخرى أنه في المواضيع المهمة حقاً لا فرق بينه وبين نتنياهو.
فعلت إسرائيل كل ما في استطاعتها من أجل الوصول إلى لاهاي. حيث إن النيابة العسكرية هي مقبرة ملفات جرائم الحرب، تقوم المحكمة العليا بشرعنتها والإعلام يقوم بإخفائها والتغطية عليها. هذا ما حدث عندما استخفوا بالقانون الدولي واستهزؤوا به خلال عشرات السنين. مشكوك فيه أن تكون هناك دولة أخرى تستخف بالقانون الدولي بهذا الشكل، ولا تدفع أي ثمن لذلك. ربما الآن تقترب ساعة الحقيقة، وقت العقاب. وهذا سيفيد إسرائيل بشكل كبير. وهو يمكن أن ينظف إسطبلاتها الملوثة بالدم والأراضي المسلوبة. لذلك، يجب على كل وطني إسرائيلي وكل من يحب العدل، أن يوجه أنظاره إلى لاهاي متطلعاً إلى أمل كبير.
عن «هآرتس»