أسئلة صعبة على طاولة المحكمة الدولية في لاهاي

حجم الخط

بقلم: مردخاي كرمنتسار


يجب علينا عدم استباق الأحداث وتقديم رأينا بشأن مسألة صلاحية محكمة الجنايات الدولية في لاهاي حول الضفة الغربية وقطاع غزة، مثلما طلبت أول من أمس المدعية في المحكمة باتو بنسودا، بعد أن أعلنت أن هناك أساسا لإجراء التحقيق ضد إسرائيل في أعقاب نشاطاتها ضد الفلسطينيين.
ومن أجل إبداء الرأي في هذه القضية سيكون من الواجب التعمق في الادعاءات الفلسطينية التي ستقدم للمحكمة، وفي الرد الكامل لإسرائيل.  ولكن مع ذلك، لا يوجد شك بأنه عندما ستحسم في قضية حدود صلاحياتها سيكون أمام المحكمة بضع أسئلة ثقيلة يجب عليها الإجابة عنها.
السؤال الأول والأكثر أهمية هو: هل توجد دولة فلسطينية؟. وإذا كان الأمر هكذا فما هي المناطق التي هي مسؤولة عنها، لأنه توجد للمحكمة صلاحيات للبحث فقط في الجرائم التي تم تنفيذها على أراضي دولة عضو موقعة على ميثاق روما.
في هذا السياق المحكمة ستسأل نفسها هل مفهوم «دولة» – الذي استخدم لتأسيس صلاحياتها – يشبه مفهوم «دولة» في السياق الأوسع للقانون الدولي؟
وإذا تم تبني هذه المقاربة فإن يد إسرائيل ستكون العليا. لأن المعيار الأساسي لوجود دولة هو السيطرة الفعلية على مناطق كتعبير واضح للسيادة على الأرض.
وحسب هذا المعيار فإن الدولة الفلسطينية بالإجمال، لا تعتبر كيانا قانونيا قائما في الواقع. والدليل على ذلك هو حقيقة أن السلطة تدعي في نفس الوقت كونها دولة وكونها تقع تحت الاحتلال، أي تحت السيطرة الفعلية لإسرائيل – حسب رأي المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت.
من هذه الناحية فإن حكم قطاع غزة يمكن أن يكون مختلفا، لأن لإسرائيل أعلنت أنه لا توجد لها سيطرة فعلية على غزة، بل حماس هي المسيطرة.
مع ذلك، المحكمة يمكنها تبني مفهوم دولة له معنى مختلف وخاص في مسألة صلاحياتها.
أي أنه توجد لها صلاحيات ليس فقط على دول «كاملة»، بل مفهوم الدولة يشمل أيضا «دولا في الطريق»، مثل وضع الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل قبل إقامة الدولة.
في هذا السياق سيثور سؤال مهم وهو الأهمية والوزن الذي يجب منحه لمكانة السلطة الفلسطينية الدولية.
وضمن أمور أخرى سيتم فحص الاعتراف الدولي الذي أعطي لفلسطين كدولة من قبل دول غير قليلة؛ قبول فلسطين كدولة عضو في اليونسكو؛ قرار الجمعية العمومية في الأمم المتحدة 19/ 67 من العام 2012 الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة مراقبة غير عضو (بدلا من مكانتها السابقة ككيان مراقب فقط)؛ وأيضا انضمامها كعضو إلى ميثاق روما الذي أسس لنشاطات محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
سؤال آخر سيقف أمام المحكمة هو مصدر صلاحياتها الجوهرية. موقف إسرائيل هو أن الأمر يتعلق بصلاحية تأخذها المحكمة من الدول الأعضاء فيها، لا أكثر من ذلك.
ولكن، هذه ليست الصيغة المعقولة الوحيدة. ربما ليس أقل معقولية أن المحكمة سترى مصدر صلاحياتها في المقام الأول في المجتمع الدولي وفي مصلحته الواضحة لمنع الجرائم ضده – مثلما يظهر في مقدمة ميثاق روما، وأيضا من قدرة مجلس الأمن على توجيه التحقيقات للمحكمة.
في هذا الأمر، مندلبليت يحذر المحكمة من المس بمكانتها وشرعيتها، إذا استخدمت صلاحيات مقاضاة كاملة فإن الأمر سيكون بحاجة إلى تفسير ابداعي.
في المقابل، المحكمة يمكنها الخشية من أن امتناعها عن هذا التفسير سيشكل تأييداً لسلوك إجرامي لا تتم المعاقبة عليه.

الفيل الموجود في الغرفة
حول حالة موقف المستشار القانوني للحكومة من الصعب عدم الانفعال من الطريقة التي يحاولون فيها إخفاء الفيل الذي يوجد في الغرفة: قرار إسرائيل الامتناع عن المصادقة على ميثاق روما بعد توقيعها عليه، رغم أنه كان لها التزام أخلاقي من الدرجة الأولى لتأييد إنشاء محكمة جنائية دولية، التي هي في المقام الأول عبرة ورد على الجرائم التي تم تنفيذها ضد الشعب اليهودي، وعلى رأسها إبادته في الكارثة.
في وثيقة الرأي القانوني للمستشار القانوني للحكومة ورد الخوف من تسييس المحكمة. ولكن لا يتم التطرق للمنع الذي يسري على دولة محتلة في توطين سكانها في المناطق التي احتلتها – الذي كان الاعتبار الأساسي لإسرائيل ضد مصادقتها على الميثاق.
الحديث يدور عن حظر مطلوب ومبرر. لأنه لو أن إسرائيل غير متورطة حتى عنقها في مشروع الاستيطان في المناطق، لكانت أيدته.
تدلل محاولة إسرائيل إلى أي درجة المبررات التي تقف في مركز هذا الرفض – وضع الصعوبات الكبيرة أمام إمكانية التوصل إلى تسوية، منع سرقة الممتلكات من السكان المحليين، عدم القدرة على تطبيق سلطة قانون مساواتية في الوقت الذي يعيش فيه على نفس الأرض مواطنو الدولة والذين يقعون تحت سيادتها – هي حاضرة وملزمة.
ولكن حتى أفضل الاستشارات القانونية لا يمكنها إصلاح ما فعله الزبون. محاولة الدفاع بأي ثمن عن دولة إسرائيل تمس بالموثوقية، وبالتالي بصلاحية الرأي القانوني.
هذا الرأي يصور إسرائيل وكأنها محقة تماما في تعاملها مع الفلسطينيين، في حين أنهم هم العقبة أمام التوصل إلى التسوية.
هم وليس أفعال الحكومة في مجال السيطرة على أراضي فلسطين، التي يتم عرضها من قبل السلطات كأراضي الوطن وليس كأراض تضع يدها عليها باحتلال عسكري.
بشكل عام، يتساوق الرأي القانوني للمستشار مع المقاربة المقبولة في العالم حول حل الدولتين. ولكن ليس دائما. هكذا، في البند 26 الوارد في رأي المستشار تظهر لدينا مقاربة مختلفة – التي فيها توضح إسرائيل بأن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم يجب ألا يتم التعبير عنه بدولة.
في ختام الرأي القانوني ورد بأن تدخل المحكمة سيضر بقيم حاسمة، مثل العدل والسلام، وسيضر بمصالح الطرفين.
للأسف الشديد، إزاء نوايا السلطات في إسرائيل فإن هذه الأقوال أصبحت فارغة تماما.
ويمكن القول تقريبا إن العكس هو الصحيح.
منذ سنوات والذيل اليميني المتطرف هو الذي يحرك جسم الحكومة في كل ما يتعلق بالمستوطنات والسلب. القانون الذي يقوم بشرعنة مصادرة الأراضي من الفلسطينيين في المناطق، «قانون السلب»، هو مثال جيد على ذلك. وخلافا للتحذيرات، حتى من قبل المستشار القانوني، تنازلت الكنيست عن ادعاء قديم وسائد يقول إن مشروع الاستيطان هو مشروع خاص لمستوطنين يعملون بصورة حزبية.  لقد كرس الكنيست للقانون نفسه قناع أفعال الدولة التي تحول الاستيطان إلى مشروع للدولة المستوطنة. وهذا عمل يمكنه أن يوفر الذخيرة للمحكمة الدولية.
تقوم الحكومة الإسرائيلية منذ تولي ترامب للحكم في الولايات المتحدة بنثر تصريحات بغطرسة تناقض ادعاءها الرسمي – أمام المحكمة العليا وأمام العالم – بأن الاستيطان في المناطق هو مؤقت.  وبأفعالها هي توضح بشكل جيد أن الأمر يتعلق باستيطان أبدي، وأيضا عن نيتها أن تضم لإسرائيل جميع المستوطنات، القانونية وغير القانونية، ومناطق أخرى. أيضا على ذلك وجهت بنسودا الانتقاد.
مسألة صلاحية المحكمة هي في الحقيقة أمر أولي. ولكن يصعب القول إن المدعية التي قررت أنه يجب التحقيق في تنفيذ جرائم حرب وأن المحكمة ستحسم بشأن صلاحياتها، لا تتطرق لسلوك إسرائيل في المناطق التي تضع يدها عليها.
من هذه الناحية، الحكومة الإسرائيلية تفعل كل ما في استطاعتها تقريبا لطلب التدخل القضائي من قبل المحكمة.
وفي إطار التقدير الشامل لسلوك إسرائيل لا يمكن تجاهل السجل غير المرضي لإسرائيل في كل ما يتعلق بالمعالجة المستقلة، غير المتحيزة والسريعة والفعالة، للاشتباه بتنفيذ جرائم ضد الفلسطينيين.
وسيكون من الصعب نسيان السلوك المشين للمستوى السياسي في إسرائيل (باستثناء وزير الدفاع في حينه موشيه يعلون) في قضية اليئور أزاريا.
وأيضا سيكون من الصعب التغاضي عن الهجمات على جهاز إنفاذ القانون: إذا كان المستشار القانوني مستخذيا جدا إلى درجة أنه غير قادر على الصمود أمام ضغوط شاي نيتسان، الخاضع له، فكيف يمكن الاعتماد على قدرة صموده بالنسبة للاشتباهات في جرائم حرب المنسوبة لشخصيات رفيعة في الجهاز العسكري؟ إذا كان يمكن تصديق أقوال وزيرة العدل السابقة، اييلت شكيد، التي بحسبها نفذت ثورة في الهيئة القضائية وقامت بملئها بقضاة قوميين متطرفين مدينين لها بتعيينهم، فهل يمكن الاعتماد على استقلاليتهم في كل ما يتعلق بمعالجة جرائم الحرب؟.
إذا قررت المحكمة أنه ليس لديها صلاحية لمناقشة شكاوى الفلسطينيين، فهذا ينبع من حقيقة أن فلسطين ليست دولة، وهذا لن يكون بفضل سلوك حكومة إسرائيل – رغم أفعالها.
إن منظر شخصيات عامة حكومية تقف للمحاكمة أمام هيئة دولية هو صعب جداً وغير محتمل.  هو إهانة وطنية. تم تشكيك المحكمة كسيف مسلط على رؤوس الدول من أجل أن يفرض عليها التصرف بنفسها حسب قواعد القانون الدولي.  دولة سليمة ومسؤولة يمكنها الامتناع عن هذا الحلم المذكور. في المقام الأول عن طريق سلوك لا يخرق القانون الدولي، وعن طريق معالجة ذاتية جدية وموثوقة – بوساطة جهات إنفاذ قانون مستقلة وغير متحيزة – لشبهات ارتكاب جرائم.
إلى كل ذلك يجب أن نضيف أيضا سلوكا تمليه اعتبارات موضوعية، وليس اعتبارات حزبية وشخصية، وعن طريق العقل السوي والانضباط. وحكومة إسرائيل لا تتصرف هكذا.

عن «هآرتس»