انطفاء اليسار

حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال


اليسار في معظم العالم الغربي الديمقراطي – في بريطانيا، في فرنسا حيث سارت اشتراكية جان جوريس وليئون بلوم في طريق متعرج، ألمانيا التي اختار فيها الحزب الاشتراكي الديمقراطي المنطفئ مؤخراً ثنائي قيادة من الجناح الأكثر يسارية، إيطاليا مثلما هي الهند وأميركا اللاتينية أيضاً – يوجد في هبوط حر. في إسبانيا والبرتغال فقط نجده يصمد كيفما اتفق، ربما بسبب الذاكرة الجماعية التي تعود إلى الديكتاتوريات اليمينية التي سيطرت فيها في الماضي.
في بريطانيا، تلقى حزب العمال برئاسة جيرمي كوربين الضربة الأشد منذ 1935. وبالنسبة للمحافظين بقيادة بوريس جونسون كان هذا هو الانتصار الأكثر إقناعاً منذ عهد السيدة تاتشر في الثمانينيات من القرن الماضي. صحيح أن الموضوع الرسمي في حملة الانتخابات كان البريكست، ولكن يتبين أنه حتى الكثيرين من معارضي الانفصال عن أوروبا صوتوا هذه المرة إلى جانب المحافظين – ليس فقط لأنه مثله مثل الاستقرار، بل وأيضاً لأنهم نفروا من الطابع شبه الشيوعي لحزب العمال وبرامجه الاقتصادية – الاجتماعية التي تضمنت ضمن أمور أخرى مصادرة جزئية للشركات الخاصة، تقصير أسبوع العمل إلى أربعة أيام دون تعويض العمال، فرض ضرائب على الابتكارات الطبية ورفع ساحق للضرائب بشكل عام وضرائب الشركات بشكل خاص. يتبين أن معظم سكان بريطانيا لم يكونوا مستعدين لشراء هذا، بمن فيهم مصوتو حزب العمال في مناطق «حمراء» تقليدية لم يتذكروا فقط إخفاقات حكومات اليسار في الماضي بل ورأوا أمام عيونهم أيضاً النماذج السيئة للكتلة الشيوعية في القرن العشرين وفنزويلا اليوم. لقد انكشف الوجه غير الديمقراطي الأساس لليسار في الاضطرابات العنيفة في شوارع لندن مع صدور نتائج الانتخابات.
في عصر العولمة اليوم يوجد قدر معين من التأثير المتبادل بين الساحات السياسية في الدول المختلفة، لا سيما عندما يدور الحديث عن الدولتين الأنجلوسكسونيتين الكبريين، الولايات المتحدة وبريطانيا – وبالفعل، خلفت هزيمة اليسار في بريطانيا علائمها على معركة الانتخابات للرئاسة في أميركا، لا سيما في الصراع الداخلي للحزب الديمقراطي بين مرشحي الوسط، مثل جو بايدن وبيت بوتيجيج – وبين حملة علم اليسار، بارلي ساندرز وإليزابيت وورن، اللذين شعاراتهما في مواضيع الاقتصاد والمجتمع تشبه تلك التي رفعها حزب العمال في بريطانيا. والعنوان الصحافي «الفروقات التي تكبدتها وورن وساندرز من الانتخابات في بريطانيا» يقول كل شيء. ولكن ليس فقط في المجال الاقتصادي يوجد وجه شبه بين اليسار الأميركي المتطرف وحزب العمال البريطاني، بل أيضاً النهج المعادي لإسرائيل، التماثل مع الـ بي دي أس واللاسامية، التي هي من النصيب المشترك للنازيين الجدد في أرجاء المعمورة، يشكل قاسماً مشتركاً (ومع اليسار المتطرف في فرنسا أيضاً). أما في إسرائيل فالوضع مختلف بعض الشيء: في الأحزاب التي تسمي نفسها «يساراً»، العمل – جيشر والمعسكر الديمقراطي (ميرتس سابقاً)، يتقاتلون على المكان في قوائم تنازع الحياة من شأنها أن تشطب في الانتخابات القريبة القادمة ومن الصعب أن نقرر إذا كنا سنسمي هذا مهزلة أم مأساة. صحيح أنه يوجد الحزب الشيوعي (الجبهة الديمقراطية في لباسها الحالي) ولكنه جزء من القائمة المشتركة (شريك محتمل لـ «أزرق أبيض»؟) والذي علمه الأساس ليس الاشتراكية بل الحرب ضد المشروع الصهيوني والدفع إلى الأمام بالأجندة الفلسطينية. يبقى، إذن، «أزرق أبيض»، التجمع الغريب لثلاثة أحزاب، أو ما تدعي أنها أحزاب، عديمة أي بوصلة أيديولوجية، سياسية أو اقتصادية، كل برنامجه هو الطمع في السلطة والرغبة المهووسة بإطاحة بنيامين نتنياهو.
لمفاهيم اليسار واليمين، بالتالي، ليس في إسرائيل اليوم سياق فكري اقتصادي أو اجتماعي حقيقي – وربما لم يكن في الماضي أيضاً، إذ إن «مباي» التاريخي ليس فقط في مواضيع الخارجية والأمن، على الأقل حتى أوسلو، كان وطنياً وأمنياً بقدر لا يقل عن خصمه في اليمين بل إنه في المواضيع الداخلية، وإن كان تحدث عن «الاشتراكية في عصرنا» أدار عملياً سياسة رأسمالية الدولة. وفي السنوات الأخيرة تتناول تعريفات «اليسار» و»اليمين» في إسرائيل أساساً مواضيع الفلسطينيين، الاستيطان في يهودا والسامرة، فكرة الدولتين وما شابه، وليس في الغالب المواضيع التي يتميز بها الخطاب السياسي في الدول الأخرى. ولكن طالما كان الإصرار من جانب الإعلام وبعض السياسيين على تسمية كل من يوجد قليلاً على يمين الوسط «يمين متطرف»، فإن الجمهور سيتعاطى مع «أزرق أبيض» كيسار. السؤال هو إذا كان مصيره في إسرائيل أيضاً سيكون الهبوط الحر.

عن «معاريف»