الظروف ناضجة للتسوية مع غزة لكنّ نتنياهو خائف

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


بدت أخبار يوم الأربعاء ليلاً كأنها معروفة. فقد وجد رجال رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، صعوبة في ضبط أنفسهم، ونشروا مسبقاً توقيت التجمع الانتخابي في الجنوب. أيضاً في «الجهاد الاسلامي» تابعوا المستجدات في الانترنت، واستبقوا رئيس الحكومة بإطلاق صاروخ من قطاع غزة. نتنياهو، محاطا برجال حماية وبجمهور متحمس، اضطر للنزول عن المنصة لدى سماع صفارة الإنذار.
هكذا حدث بالضبط أيضاً في أيلول الماضي، قبل حوالي أسبوع من الانتخابات الثانية للكنيست، عندما خطب نتنياهو أمام أعضاء «الليكود» في أسدود. يوم الأربعاء ضبطه الصاروخ في عسقلان، عشية الانتخابات التمهيدية على رئاسة «الليكود». بالموازنة ما بين الحاجة للانتحار على الصوت الأخير وبين اعتبارات أمن المعلومات تفوز في مقر حملة نتنياهو بدون صعوبة الضرورات السياسية. هذا كشف مدهش لانعدام المسؤولية، ولكنه لم يزعج نتنياهو في تحويل الموضوع إلى أمر شخصي. «ذلك الذي أطلق النار في المرة السابقة لم يعد موجوداً. ومن أطلق، الآن، عليه أن يحزم أغراضه» قال لمؤيديه.
عذراً، ليس هكذا يتحدث رئيس وزراء، فما بالك بحقيقة أنه ما بين إطلاق النار على نتنياهو في أسدود وبين إطلاق النار على التجمع في عسقلان أطلقت صواريخ على الجنوب أكثر من 10 مرات، بما في ذلك جولة عنيفة استمرت أكثر من يومين، فيها أُطلق من غزة ما يقارب الخمسين صاروخا في منتصف تشرين الثاني. ولكن رئيس الحكومة يجد صعوبة في هذه الأيام في إظهار أي تعاطف مع الناس الموجودين هناك، والذين ليسوا من عائلة نتنياهو، وربما هذا في الواقع كل القصة.
جولات الانتخابات المتكررة، وبالأساس لائحة الاتهام الثلاثية ضده، تزعزع وعي نتنياهو، الذي طوال معظم سنوات حكمه تميز بالحذر والمسؤولية عندما كان على الأجندة أمور تحتاج إلى قرارات أمنية. قُدِّمت الدلائل الأولى لذلك في تلك الليلة في أسدود. وكما نشرت «هآرتس»، عقد حينئذ نتنياهو جلسة مشاورات مع كبار رجال الأمن، طلب فيها أن يتم توجيه ضربة شديدة لـ «الجهاد الإسلامي». اقتضى الأمر توجها من الجيش للمستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، من أجل وقف نتنياهو والتوضيح له أن خطوة كهذه قبل أقل من أسبوع على الانتخابات تقتضي عقد الكابينت، والذي سيضطر فيه الوزراء أن يسمعوا عن كل التداعيات المتوقعة من قبل رئيس الأركان ورئيس «الشاباك». بتوجيه من مندلبليبت تم إطلاع رئيس لجنة الانتخابات المركزية، حنان ملتسر، حول إمكانية أن يؤدي التدهور العسكري للتأجيل في اللحظة الأخيرة.
حصل نتنياهو، أخيراً، على مبتغاه، بصورة مقلصة أكثر، بعد ما يقارب شهرين من الانتخابات. في 12 تشرين الأول اغتال الجيش أحد قياديي «الجهاد الإسلامي» في غزة، بهاء أبو العطا. في الليلة ذاتها، وحسب تقارير الإعلام العربي، فقد نجا بصعوبة الرجل الثاني في «الجهاد الإسلامي»، أكرم عجوري، بعد إلقاء قنبلة على بيته في دمشق. ابن العجوري قُتل. إذا كانت إسرائيل حقاً تقف أيضاً خلف العملية في دمشق، يُطرح السؤال فيما إذا كان الطيارون ثانيةً، وكما في جزء من العمليات في غزة في الماضي، قد وجّهوا لاستخدام قنبلة صغيرة نسبياً خوفاً من المزيد من المصابين الذين ليس لهم يد، ولم يقتلوا الهدف المراد اغتياله.
بعد الاغتيال في غزة وجولة القتال التي استمرت 48 ساعة اعتقد الجيش الإسرائيلي أنه حانت الفرصة للتوصل إلى تسوية طويلة المدى في القطاع. كرر رئيس الأركان، أفيف كوخافي، ذلك علناً في خطابه في اللقاء في ذكرى الجنرال أمنون ليبكن- شاحاك. أبو العطا، قال كوخافي، كان مسؤولاً عن 99 في المئة من الإطلاقات من القطاع. إن إزاحته من شأنها أن توفر هدوءا طويلا مع «حماس»، والتي قيادتها معنية الآن بالأساس بتحسين الوضع الاقتصادي لسكان غزة.
كان هذا صباح الأربعاء. في المساء اتضح أنه كان لأبو العطا ورثة. مثل معظم الصواريخ التي أُطلقت في الشهر والنصف التي انقضت منذ الاغتيال، أيضاً المسؤول عن الإطلاق، هذه المرة، كما يبدو هم رجال «الجهاد»، الذين لم يعجبهم قرار «حماس» وقف النار، قبل أن ينتقموا كما يجب لموت قائدهم. هل يقرأ الجيش الإسرائيلي الخارطة بتفاؤل كبير جداً؟ في الجيش مقتنعون بأن هذه هي صورة المعلومات الحقيقية. كوخافي وباقي الجنرالات يواصلون الضغط على نتنياهو وعلى وزير الدفاع، نفتالي بينيت، للذهاب إلى تسوية، والتي معناها تسريع وتوسيع الخطوات الاقتصادية في القطاع، بما في ذلك إدخال آلاف العمال للعمل في إسرائيل. في هذه الأثناء أعلنت اللجنة المنظمة لـ «مسيرات العودة» على حدود القطاع، أول من أمس، نيتها وقف التظاهارات يوم الجمعة على طول الجدار ابتداءً من الأسبوع القادم حتى نهاية آذار. وأعلنت اللجنة أيضاً أنه في نيسان ستتجدد التظاهرات في صيغ جديدة، وليس بصورة أسبوعية كما حصل منذ آذار 2018. في «حماس» كانوا مترددين بشأن هل تستمر المظاهرات الأسبوعية إزاء الثمن الذي تجبيه، بالأساس آلاف الجرحى والعبء الذي يلقونه على الجهاز الصحي في القطاع. الإعلان عن وقف التظاهرات بصورة مؤقتة يدلل على استمرار جس النبض ما بين المنظمة وإسرائيل حول إمكانية هدنة طويلة الأمد في القطاع.
على الرغم من الضغط من جانب كوخافي بهذا الشأن فإن لنتنياهو دوافعه الخاصة، وعلى رأسها الخوف من أن يضبط في موقف ضعف تجاه «حماس»، عشية الانتخابات القادمة في آذار. خصومه السياسون يشخصون نقطة ضعفه في مسألة غزة، ويضربون عليها بقوة. رغم الإحباط المبرر لسكان غلاف غزة فإن هذا ليس محقاً تماماً: أيضاً في المعارضة يعرفون التحليل العسكري الذي بمقتضاه يتوجب تهدئة الوضع في غزة من أجل أن يسمح ذلك بالتركيز على الشمال.

مراهنة استراتيجية كبرى
في خطابه في اللقاء في ذكرى لبكين شاحاك في المركز متعدد المجالات هرتسيليا، أبرز كوخافي إيران باعتبارها المسألة الأمنية المشتعلة. في أوساط سامعيه تولد الانطباع أن رئيس الأركان يرى أن مواجهة جديدة مع طهران في السنة القادمة أمر لا مناص منه تقريباً. عدّد كوخافي في حديثه الخروقات الإيرانية المحسوبة للاتفاق النووي مع الدول العظمى، ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإن أخطرها يتعلق بتجديد أنشطة المنشأة تحت الأرضية في بوردو، وهي الموقع الأكثر حساسية الذي تم معالجته في الاتفاق. في الوقت ذاته فقد اتبعت إيران في الربيع الماضي سياسة أكثر عدوانية في الخليج، من خلال مهاجمة ممنهجة لسفن ومواقع نفطية. أمام هذه العدوانية أشار كوخافي إلى أنه «ليس هنالك رد، وليس هنالك انتقام ولا ردع» لا من دول الخليج ولا– حتى رئيس الأركان لم يقل ذلك بصورة صريحة- من الولايات المتحدة.
كان الزعيم الروحي الإيراني، علي خامينئي، هو الذي دفع إلى البدء بالهجمات إزاء تجدد العقوبات الأميركية بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق في أيار 2018. غضب خامينئي على الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وقال بأن إيران لم تكسب شيئاً من التنازلات في الاتفاق النووي. على خلفية الاحباط من العقوبات القاسية والخوف من أن ترامب سيتم انتخابه لفترة ثانية في العام 2020 ويواصل الضغط الاقتصادي على إيران 4 سنوات أخرى، بدأت إيران بالهجمات، والتي وصلت ذروتها حتى الآن من خلال الضرب الشديد لمواقع النفط السعودية في منتصف أيلول. الهدف الأسمى الإيراني، يقولون في الجيش الإسرائيلي، لم يتغيّر والمقصود هو إقناع ترامب بالقوة إذا اقتضى الأمر بالعودة إلى المفاوضات حول الاتفاق النووي مع رفع العقوبات الاقتصادية.
في الوقت ذاته غيّر الإيرانيون سياستهم تجاه إسرائيل. في الأشهر الأخيرة اتخذ قرار في طهران بأن كل هجوم إسرائيلي مهم في سورية، في العراق، أو لبنان سيتم الرد عليه رداً عسكرياً.
«ثقتهم الذاتية ازدادت» أشار كوخافي، وفعلياً توقع حدوث صدام في سنة 2020. ووعد رئيس الأركان
بمواصلة التصرف «بتوازن ومسؤولية»، ولكنه أضاف أن إسرائيل لن تسمح لإيران بالتمركز العسكري في المنطقة الواقعة شمالها، الخط الأحمر لإسرائيل، وأيضاً في العراق.
في إسرائيل يصفون الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري، والذي يركز على جهود التمركز العسكري وتهريب السلاح، كشخص منظم يحسب خطواته وشخص متشدد. سليماني مصر على مواصلة مشروعه في الشمال، وإن كان يتوجب عليه هنا وهناك أن يعرض على الزعيم خامينئي تقارير مضللة حول درجة المقاومة التي يلاقيها من إسرائيل. من خطاب كوخافي، وكذلك من محادثات مع شخصيات كبيرة في المستوى السياسي وجهاز الأمن تتضح صورة مشابهة تماماً: ستزيد إسرائيل جهودها لضرب الإيرانيين في الشمال. الهدف النهائي لهذا النشاط أقل وضوحاً، فالوزير بينيت يتحدث بصراحة عن سعيه لإبعاد كل القوات الإيرانية في سورية. يبدو أن الجيش يعتقد أن هدفاً أكثر واقعية هو تقليص وجود الحرس الثوري والميليشيات الشيعية هناك.
تعتقد إسرائيل بأنها تستطيع أن تستغل لصالحها التوتر الداخلي في المحور الذي أمّن انتصار نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية. روسيا غير مسرورة من استمرار النفوذ الإيراني في سورية، ونظام بشار الأسد غير متحمس، لأن الهجمات الإسرائيلية تضعه في مواجهة مستمرة مع إسرائيل (والتي خلالها يدمر سلاح الجو بطاريات دفاعه الجوي) و»حزب الله» لا يريد أن يُرسل في عمليات ثأر ضد إسرائيل فقط لأن شرف سليماني تم المس به.
وأكّد كوخافي في خطابه على العلاقات العسكرية الوطيدة مع روسيا. تفاخر نتنياهو، الأربعاء الماضي، في مقابلة مع صوت الجيش الإسرائيلي بأن صداقته مع الرئيس بوتين منعت عدة مرات معارك جوية في سماء سورية، في حين أن وزيراً في الكابينت قال لـ «هآرتس»: «إن روسيا تريد أن نقوم مكانها بالعمل الأسود في سورية، ونبعد الإيرانيين. وبعد ذلك، بالطبع ستحرص على إدانة الهجمات الإسرائيلية».

عن «هآرتس»