"سيداو": اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة

حجم الخط

بقلم: د. دلال عريقات

 

سأتناول اليوم اتفاقية سيداو التي ذاع صيتها مؤخراً في الساحة الفلسطينية، نسبة لا بأس بها تتحدث عن سيداو وتُهاجم وتستنكر الاتفاقية دون إدراك بفحوى الاتفاقية ولذلك سأقدم لكم ما جاء في مواد الاتفاقية حتى نرى سوياً ونحاول تحليل ما يُسبب هذا الهجوم عليها من قبل المجتمع الفلسطيني!

تم اعتماد هذه الاتفاقية عام ١٩٧٩ وبدأ تنفيذها عام ١٩٨١، تقع الاتفاقية في ٣٠ مادة وتنص أنها جاءت لضمان مساواة الرجل والمرأة في حرية التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، ولتخدم حقوق المرأة فهناك نساء حول العالم لا ينلن أدنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمل.

تؤكد المواد الاولى على ضرورة دمج الدساتير لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وحمايتها واتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على التمييز لضمان ممارسة حقوقها وحرياتها. كما تؤكد الاتفاقية في موادها الاولى على ضرورة اتخاذ تدابير للقضاء على الاعتقاد بأن يكون اي من الجنسين ادنى او اعلى من الآخر. المادة الخامسة تؤكد أن تربية الأطفال وتنشئتهم مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة على اعتبار أن مصلحة الأطفال هي الأساس. المادة السادسة مثلاً تمنع كافة أشكال المتاجرة بالمرأة. أما المادة السابعة فتطلب من الدول اتخاذ جميع التدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة من تصويت وانتخابات وصياغة وتنفيذ سياسات على المستوى المحلي والدولي. المادة التاسعة تؤكد على أن تمنح الدول حقوقا مساوية للرجل والمرأة في اكتساب الجنسية اي ان لا تفرض عليها جنسية الزوج. اضافة لمنح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما. المادة العاشرة تضمن حقوق مساواة للمرأة مثل الرجل فيما يتعلق بالتوجيه الوظيفي والمهني والالتحاق بالدراسات والحصول على الدرجات العلمية وفرص التأهيل والتدريب والمنح والأنشطة المهنية والرياضية، الاتفاقية تشجع على التعليم المختلط ولكنها لا تفرضه. المادة ١١ تضمن الحق في العمل وفرص العمل واختيار نوع المهنة والحق في الترقية والأمن والمساواة في الأجر والمعاملة والحق في الضمان الاجتماعي والاجازات مدفوعة الأجر وسلامة ظروف العمل والاهم منع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة مع فرض جزاءات على من يفصل امرأة من عملها بسبب الحمل والأمومة. كما تتطرق الاتفاقية هنا لضرورة توفير الخدمات الاجتماعية اللازمة التي تساعد على الجمع بين الالتزامات العائلية والمشاركة في الحياة العامة. الاتفاقية تحمي المرأة الريفية بشكل خاص وتضمن لها حماية وحقوق والمادة ١٥ تعطي المرأة مكانة مساوية للرجل أمام القانون مثل إبرام العقود وإدارة الممتلكات. المادة ١٦ تضمن المساواة بين الرجل والمرأة بما في ذلك الحق في عقد الزواج وحرية اختيار الزوج وعدد الأطفال وحقوق الوصاية والولاية على الأطفال وحقوق اختيار اسم الأسرة وتحديد سن الزواج لحماية الأطفال تماشياً مع حقوق الطفل.

يحق للدول المصادقة مع تحفظات الا ان المادة ٢٨ أكدت انه لا يجوز ابداء تحفظات تكون منافية لموضوع الاتفاقية وغرضها في حماية المرأة من التمييز.

بعد القراءة والمتابعة، نستطيع أن نُجمل ما يلي:

-هذه الاتفاقية تضمن حقوق المرأة حول العالم دون تمييز، الاتفاقية تقدم مبادئ وقيما عامة بهدف رفع الوعي والثقافة العامة للتعامل مع مواضيع تتعلق بالمرأة من منطلق مساواتها مع الرجل، الاتفاقية لا تفرض القوانين وإنما تتوقع من الدول أن توائم قوانينها المحلية بما يخدم مصلحة المرأة وعدم التمييز ضدها.

-نص المرسوم الرئاسي الفلسطيني للانضمام للاتفاقية على ان لا يتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني وهذه الجملة وحدها كفيلة باحترام المعتقدات والشرائع.

- بنود ومواد هذه الاتفاقية لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية ولا اي من الرسالات السماوية. ولا يوجد أي نص في اتفاقية سيداو يخالف الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بحقوق المرأة، وهنا يتوجب التوضيح أن القوانين الدولية كلها تقول في مضمونها، بأن على الدول أن توائم تشريعاتها ضمن الاتفاقيات التي وقعت عليها، بما يتفق مع خاصياتها الإقليمية والثقافية والدينية، وبالتالي لا أحد يلزم دولة فلسطين بأن تخالف الشريعة والدين. ولكن يبقى هنا السؤال حول تفسير الشريعة نفسه ومدى التنور في هذه التأويلات بما يتناسب مع العصر واحتياجاته. مرة أخرى أقول أن سيداو لا تتعارض مع الدين ولا مع العادات والتقاليد، اتفاقية سيداو أكدت على ضرورة القضاء على التمييز ضد النساء والفتيات وكافة أشكال العنف ضدهن، أكدت على حقهن بالتعليم، العمل والصحة، المشاركة في الحياة العامة والسياسية، الحق في الجنسية ومنحها لأطفالها، المساواة أمام القانون، كما منحت حقوقا متساوية للمرأة فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية.

-لم يرد في نصوص الاتفاقية او تفسيرات اللجنة ما يمنح المرأة الحق في الإجهاض على نحو مطلق! لان ذلك يتعارض مع حق الطفل في الحياة الذي أكدت عليه اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقيات حقوق الإنسان هي اتفاقيات مكملة لبعضها البعض ولا تتعارض فيما بينها، وإنما منحت المرأة الحق في الإجهاض في حالات معينة مثل الخطر على حياة الام او الجنين او التشوه الخلقي للجنين وهذا لا يتعارض مع الدين ولا مع الأعراف السائدة.

-لم يرد في نصوص الاتفاقية ما يبيح الزنا أو العلاقات خارج إطار الزوجية بل على العكس أكدت تعليقات وتوصيات لجنة سيداو على ضرورة تجريم الزنا ومنح الزوج والزوجة الحقوق المتساوية في تقديم الشكوى مع ضرورة المساواة في العقوبة بين الرجل والمرأة.

- اتفاقية سيداو لم تتناول موضوع المثلية الجنسية وهو ليس من اختصاص اللجنة اساسا كما تم توضيحه من قبل أعضاء لجنة سيداو.

- الهجمة ضد سيداو تعكس ظهور وتصاعد الشعبوية داخل المجتمع الفلسطيني، هناك فئات ولخدمة حاجات مجتمعية معينة تستعمل الدين حتى تخلق رد فعل شعبي وتحشد الجماهير بتوظيف اسم الدين استناداً لتأويلات وتفسيرات غير حقيقية.

-يتم وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تداول معلومات مغلوطة حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (اتفاقية سيداو) ينم عن عدم الاطلاع على الاتفاقية أو الفهم الخاطىء لأحكامها.

- منصات وسائل التواصل الاجتماعي المجانية والسريعة ساهمت كوسيلة استفادت منها فئات في تضليل الجمهور الذي لا يبحث ولا يستقصي. وهنا أنادي القانونيين والصحافيين للعب دور حقيقي مهني في تبيان الحقيقة بدلاً من العمل على تناقل أخبار دون التأكد من صحتها.

- الهجمة على سيداو تؤكد أن المجتمع الفلسطيني بات يعتمد على الثقافة السمعية بعيداً عن القراءة والبحث والتقصي.

-اتفاقية سيداو لم تمنح المرأة اي حقوق استثنائية وإنما أكدت على الحقوق الأساسية للمرأة التي يجب ان يتمتع بها كل إنسان دون اي تمييز وهو ما أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع اتفاقيات حقوق الإنسان.

-القانون الأساسي الفلسطيني والمرجعيات الدستورية الفلسطينية من وثيقة اعلان الاستقلال أكدت على نفس المبادئ والحقوق واهمها المساواة وعدم التمييز.

- انضمام فلسطين لسيداو مهم، فعلى النظام السياسي الفلسطيني ان يحافظ على الانسجام مع المنظومة الدولية وخاصة في مجال حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية، ليس من مصلحتنا ان نحلق خارج السرب.

- انضمت دولة فلسطين لاتفاقية سيداو في العام ٢٠١٤ دون اي تحفظات تكريما للمرأة الفلسطينية وتأكيداً على الحقوق التي منحت لها بموجب المرجعيات الدستورية الفلسطينية.

- الهجوم على الاتفاقية وعلى النظام السياسي لانضمامه بدون تحفظات يأتي بسبب التأويلات الشخصية ولأغراض لدى فئات معينة تخشى من المساواة بين الرجل والمرأة.

-بعد الانضمام للاتفاقية ولدراسة التقدم في تنفيذ الاتفاقية، تم إنشاء لجنة للقضاء على التمييز ضد المرأة تتكون من مجموعة من الخبراء القانونيين وتقدم هذه اللجنة تقريرًا سنوياً وتتم مناقشات حول مواءمة القوانين المحلية بما يتلاءم مع بنود هذه الاتفاقية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة.

-لا يمكن الفهم الكامل لبنود الاتفاقية دون الاطلاع على التعليقات العامة الصادرة عن اللجنة الأممية المعنية بمتابعة تنفيذ الاتفاقية (لجنة سيداو) التي وضحت بنود الاتفاقية والمقصود بكل منها.

لمن يريد التأكد بنفسه مما ورد في اتفاقية سيداو من حقوق وحريات ونصوص، يرجى الاطلاع على احكام الاتفاقية وتفسيرات وتعليقات اللجنة وتوصيات اللجنة الواردة لدولة فلسطين في العام ٢٠١٨ وجمعيها متاحة للعامة على موقع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان أو زيارة الرابط التالي بالعربية...

https://www.unicef.org/arabic/crc/files/cedaw_arabic.pdf

المرأة تملك حقوقا مكتسبة كونها إنسانة وان ما ورد في اتفاقيات حقوق الإنسان وليس اتفاقية سيداو فقط هو تأكيد لهذه الحقوق التي باتت تستباح في كثير من المجتمعات. ففي فلسطين، نسبة حصول المرأة على حقوقها الارثية مثلاً لم تتجاوز ٥٪؜!

بالمناسبة تجيز المادة ٢٦ من اتفاقية سيداو لأي دولة طرف وفي اي وقت ان تطلب اعادة النظر بالاتفاقية عن طريق إشعار خطي يوجه للأمين العام. ولكن قبل اعادة النظر بالاتفاقية أتمنى من أبناء الشعب الفلسطيني الواعي المناضل أن يقرأ ثم يتساءل: هل نحن ضد حماية المرأة من العنف والتمييز والقتل والظلم والاضطهاد؟ أليس هذا ما دعا اليه الدين الإسلامي والرسائل السماوية جمعاء؟ فلماذا كل هذا الاستنكار لاتفاقية سيداو؟

- د. دلال عريقات: استاذة حل الصراع والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.