الانتقادات الموجهة إلى «سيداو» والرد عليها

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

ريما كتانة نزال

استبق حزب التحرير في محافظة الخليل الحكومة الفلسطينية بتحديد موعد عيد الفطر في رمضان الماضي، واستجابت بعض مساجد المدينة برفع صلاة العيد ملتزمة بقرار الحزب. لا يمكن تصنيف خطوة الحزب خارج إطار دولة الخلافة وأجندته المعلنة على هذا الصعيد.
مجدداً يؤدي تأخر الحكومة وصمتها، على تلبيس دعوة حزب التحرير للعشائر وحشدها للمشاركة في حربه على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الموقعة من الدولة، وسحب بساط المسؤولية من تحت أقدامها، وإعلان أهدافه وخطته لإسقاط الاتفاقية بجميع الوسائل، بما فيها إعلان العصيان المدني وترهيب وتعنيف المجتمع بأسره في الخليل وباقي المحافظات، عبر إعلان قرارات الاجتماع ومطالبه المحددة بإغلاق المؤسسات النسوية وإنهاء عقود إيجارها وسحب الموظفات منها، معرضاً الأمن والسلم المجتمعي للمخاطر عبر بسط ولاية الحزب والعشائر على مؤسسات الدولة، وبسط ولاية أولي الأمر على المجتمع.
تأخرت الحكومة في التعامل مع الحالة الانقلابية. وظهر موقفها مهزوماً في البيان الصادر عن اجتماعها الأسبوعي. واستكمل وزير العدل الهزيمة بتوضيح غريب يحدد ما يتفق ويختلف بين بنود الاتفاقية والشريعة، معتبراً أن الاتفاقية تتفق مع الشريعة بنسبة 80% وتتعارض معها بنسبة 20%، التي وقّع الرئيس على 100% منها.
لقد وقع وزير العدل في تناقض مثير مع أقوال سابقة صادرة عنه وتعهده بتطبيق كامل الاتفاقية مع توصيات لجنتها المعنية بمتابعة التطبيق، التي برزت في أعقاب نقاش تقرير الدولة الوطني في جنيف صيف العام 2018. لقد تحقق هدف حزب التحرير والعشائر باستلام الحكومة رسالة الاجتماع، كما تحققت سابقاً رسالة الحزب، بما حدا بالحكومة إلى فتح سنّ الزواج إلى الحد الأدنى، بلا حدود.
كان الأجدر بالحكومة تفنيد خطاب العشائر وأولي الأمر، ولجم عملية مخطط لها في تكريس دور «دولة الخلافة» من خلف العشائر، الولاية العامة والخاصة بما يشبه دور لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي انطوت صفحتها ضمن الإصلاحات التي تقوم بها المملكة السعودية.
لا جديد في فلسطين، لم تقدم الحكومة نموذجها الخاص لعملية المواءمة ضمن السياق الفلسطيني الخاص الرافض للعبودية بجميع أشكالها. خاب الظن ولم تأت بأحسن مما جاءت به أغلبية العرب.
الدولة لم تخرج جوهرياً عن السياق العربي المزدوج، وقّعت الدول العربية على الاتفاقية مبدية التحفظ على بعض المواد، وجاء انضمام فلسطين على الاتفاقية مع باقة واسعة من الاتفاقيات والمعاهدات، آتية بنموذج جديد للتطبيق، استحضار التحفظ خلال مسار المواءمة بالانتقاص من مبدأ المساواة واستمرار التمييز. وهو ما نشهده عملياً على أرض الواقع.
القوى الأصولية كذلك اتبعت السلف العربي، اقتطعت الانتقادات العربية وألصقتها بالواقع الفلسطيني كاملة دون أخذ الاعتبار لتطورات الواقع. الجماعة توقفت عن الاجتهاد وتقديم ما يجسر الفجوات بين القانون والواقع وانفصامهما.
تراجعت الحكومة مذعورة بانتقالها إلى المربع السلفي، لم تسع إلى نقل النقاش إلى فضاء جديد يتصدى للتراجع وينبري للرد على الانتقادات الموجهة لاتفاقية «سيداو»، بعيداً عن نسبة ما يتفق وما لا يتفق، لأن الاتفاقية برمتها تتفق مع احتياجات المجتمع وتنميته.
يدّعون أن الاتفاقية مؤامرة من الغرب على العرب لإبعادهم عن الدين وإضعافه فَتَسْهُل السيطرة عليهم. الواقع يجيب بأن ضعف الدول العربية هيكلياً يعود إلى ضعف بنية الاقتصاد والتنمية وضعف المناهج التعليمية وعدم تشجيع البحث العلمي وبسبب طبيعة السياسات الجامدة التي تضيق مساحة الحريات وتدير ظهرها للإصلاح الديني والقانوني، وتتنحى عن عمل كل ما من شأنه تقوية المجتمع لمواجهة المؤامرات الخارجية.
كان حَرِيّاً بالحكومة، وقد شَنَّت الأطراف الأصولية معركتها مستعينة بما يُسمى «الخصوصية الثقافية»، أن تضع الخصوصيات المحلية في إطار تعرضها الدائم للتغيير مبتعدة عن الثبات تبعاً لعدم ثبات السياقات وبالتثاقف وعبر الترجمة ومن خلال التكامل الحضاري والإنساني.
لقد تعددت المذاهب الإسلامية في ذات الإطار المتغير ضمن السياق التاريخي والجغرافي، حيث اجتهد الأئمة الأربعة وفق البيئة المتغيرة اجتماعياً والتباعد جغرافياً! إن وقوف حزب التحرير وأشباهه ضد التغيير والاعتماد على السلف الذين اجتهدوا لزمانهم، يجد التفسير في محاولات مواراة العجز والتمسك بالمصالح الدنيوية.
كان الأجدر والأكثر إقناعاً أن تطرح الانتقادات وأن يُردّ عليها ضمن منطق انضمام الدولة للاتفاقية وعدم الظهور بمن اعترف بهزيمته متراجعاً خطوات للدفاع عن الفعل الإيجابي بتوقيع فلسطين على 100% من الاتفاقية مع المصادقة على مائة اتفاقية، لربط فلسطين بالمنظومة الدولية كخيار سياسي، لا يجب أن تهزه مجموعات تريد عزل الدولة عن محيطها الدولي.
أما عن الانتقادات المتعلقة بالموروث وتفكيك الأسرة ومناهضة الأمومة والاتهامات الموجهة للاتفاقية بشأنهم، فهي اتهامات مفتعلة ومصنّعة، فالمادة 15 التي تتحدث عن حق المرأة في اختيار السكن، ليس لـ»سيداو» فضل به، كون موجبات ومتطلبات الحياة قد قامت بعمل مقاربتها لممارسته. لقد فرض السياق المحلي الخاص نفسه عبر اضطرار مئات الآلاف من الطالبات والموظفات، ضمن حرب إسرائيل على الجغرافيا، للسكن المنفرد طلباً للعلم والعمل، علاوة على ممكنات تثبيت حق النساء في اختيار مكان السكن بوضعه في عقد الزواج ضمن الشروط الخاصة.    
أما بخصوص المادة 16 التي دعت إلى المساواة في الحقوق والواجبات ولم تطالب بالمساواة البيولوجية، لأن المساواة تسهم في تقوية العائلة وتماسكها، بينما التمييز يقوم بتفكيكها.
وفي نهاية الكلام، نأمل من الحكومة توضيح خطابها الحقوقي والرؤيوي للمجتمع، بالاستناد إلى الخصوصية الفلسطينية الذي يقع الاحتلال في رأس هرمها، وطرح تمايز مجتمعنا عن باقي المجتمعات العربية والإسلامية ومتطلبات تعبئة الجميع للمشاركة في التنمية والصمود والاستقلال لدحر الاحتلال، نساءً ورجالاً، والابتعاد عن حشد المجتمع لدحر الدولة من خلال دونية المرأة.