داخل ورشته الصغيرة التي يسودها الظلام و مشاعل النار التي يضع عليها القطع النحاسية ويبدأ بالطرق عليها بمطرقته ، بضربات احترافية تحمل معها سر خبرته التي اكتسبها عن أجداده عبر السنين لكي يخرج منها شكل هلال يحمل معه معاني هندسية توحي إلى فن انسجم بين المطرقة و التركيز الذهني.
ولا ينظر محمد عبدو "أبو خالد" الخمسيني لأحد كلما مسك مطرقته بيده ،وعقله وعيناه وجوارحه منسجمة بما يقوم به، وتبدو عليه ملامح الجدية ولكن في لحظة انتهاءه مما يقوم به تظهر ابتسامته التي يخفيها خلف سر عمله .
المواطن محمد عبدو يقطن بقطاع غزة بحي الرمال وهو من مواليد القطاع وتعلم بمدارسها، لكنه لم يكمل دراسته فلجأ إلى العمل بالحرفة التي اشتهر بها والده وجده من أعوام عديدة .
وقال عبدو " ان هذه الحرفة تعتبر الحرفة الوراثية التي تشتهر بها عائلتي ، فتميز بها أجدادي وبدأت العمل بها في سن 17عام ، وكنت متقن لها بعد مرور ثلاثة أعوام من العمل مع والدي ، واليوم مر على 31 عاما بالعمل بها".
وأضاف عبدو : أحب أن أعطي لمسات جميله للهلال وعمل أشكال وأحجام وأنواع مختلفة للمساجد وأنا الوحيد الذي أصنعها بقطاع غزة ، واقوم بصناعة صبابات القهوة النحاسية بشتى أشكالها ، بالإضافة إلى الصبابات التي يوضع الفحم بداخلها لكي تحافظ المشروبات على سخونتها ، ويستخدمها الباعة المتجولون، وكذلك اقوم بصناعة القدرة " الأواني" التي تستخدم بالمطابخ والمطاعم لطهي الأرز لكونها تعطي نكهة مميزة عن غيرها.
وقال :بداية عملنا كان داخل مصنع صغير مكون من 3 امتار مربعة وسقفه ألواح زينكو وكنت اعمل به أنا وأخى وأبي، ولكن مع مرور الوقت اتسع عملنا فقررت أن اخرج وابحث عن مكان اعمل به فوجدت محلاً بشارع الفواخير ، ولا زلت اعمل به حتى اليوم.
ويؤكد بأنه بات وحيدا يعمل بهذه المهنة منذ فترة طويلة ولكن أبناءه رفضوا فكرة تعلم المهنة لكونهم يريدون الاهتمام بدراستهم ، ولكن واقع العمل قليل لعدم وجود اعمار والحصار ما زال مستمر مما يسبب عدم القدرة إلى اعادة أعمار القطاع والمساجد التي تم هدمها خلال الحرب الأخيرة على القطاع .
ويضيف إن أهلة المساجد تصنع من النحاس فهو لا يصدأ لتعرضه المستمر للهواء على عكس معدن الحديد ، فلذلك لا تنتجه ورش الحدادة .
وأفادت وزارة الأوقاف والشئون الدينية إن الاحتلال قد دمر خلال العدوان الأخير على غزة 64 مسجدا بشكل كلى و 150 مسجدا بشكل جزئي ، وأوضح عبدو إن عمله اعداد هلال صعبة وتحتاج إلى جهد لكوني أقوم أبعداها على الفحم الحجري لشد لهيبها ومن ثم تثبيتها وتكوين الشكل المناسب.
وأشار إن سعر الهلال يتراوح من 1300 إلى 4000 شيقلاً وذلك وفقا لمقاس الهلال ونوع المادة الخام المستخدمة فيه، ويبلغ طول الأهلة التي يقوم بصناعها ما بين متر إلى ثلاثة أمتار ، وذلك يتناسب مع طول المئذنة .
ويشعر عبدو بالسعادة العارمة كونه يصنع أهلة لكي تزين مآذن بيوت الله ويستطيع كسب عيشة منها وتغطية مصاريف بيته المكون من سبعة أبناء ، و قال إنني أمكُث يوميا قرابة 8 -10 بالورشة لوحدي بدون مساعدة احد.