مندلبليت يلعب دور بيبي في مواجهة بنسودا !

حجم الخط

بقلم: ميخائيل سفاراد


"نحن شهود على محاولة انقلاب في الحكم ضد رئيس الحكومة. هذا تطبيق انتقائي، هذا حياكة ملفات، يحيكون هنا بدلة خاصة فقط من اجلي" (رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد تقديم ثلاث لوائح اتهام ضده في ثلاثة مخالفات فساد في 26/11).
المستشار القانوني للحكومة "يرفض بشدة" قرار المدعية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، الذي يقضي بوجود أساس للتحقيق ضد إسرائيل. قرار المدعية باتو بنسودا "لا يقبله العقل" و"ليس واضحا لماذا اتخذت هذا القرار المتسرع وغير المؤسس. لا يوجد مجال لتدخل القضاء الدولي في هذا الوضع، من جانب المحكمة التي كان يجب عليها معالجة الفظائع الأكثر خطورة في أماكن انهارت فيها سلطة القانون" (المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت، 21/12، بعد بيان المدعية في محكمة الجنايات الدولية بأنه يوجد مجال لفتح تحقيق في الاشتباه بأن إسرائيل ارتكبت وترتكب جرائم حرب في الضفة وفي قطاع غزة وفي شرقي القدس).
الاسلوب مختلف والسياق مختلف، لكن الفكرة متشابهة. مندلبليت يلعب دور بيبي امام بنسودا.
قرار المدعية في محكمة الجنايات الدولية استقبل بغضب في إسرائيل. نحن؟ جرائم حرب؟! الرد السياسي العنيف لم يكن مفاجئا (نتنياهو وصف القرار بأنه "لاسامية خالصة"، ووزير الدفاع، نفتالي بينيت، أعلن الحرب، "لاهاي هي مصنع للاسامية الحديثة. سنحارب الارهاب وكأنه لا توجد لاهاي، وسنحارب لاهاي وكأنه لا يوجد ارهاب").
هذه لغتهم وقد اعتادوا عليها، لكن تجند المستشار القانوني لحملة نزع الشرعية عن قرار المدعية العامة في لاهاي جدير باهتمام خاص. الشخص ذاته، الذي يتعرض بنفسه لهجوم شديد بسبب قراره تقديم رئيس الحكومة للمحاكمة، والذي يحاول مع قيادة الجهاز القضائي صد ما سماه "تهديدات" و"اكاذيب" و"اساءة للسمعة لا اساس لها"، يتهم نظيرته في القضاء الدولي باتخاذ قرار متسرع وغير قائم على اساس والتدخل في مواضيع ليست من شأنها.
أُنشئت محكمة الجنايات الدولية من اجل أن لا يتهرب المجرمون الدوليون من المحاكمة، ومن اجل تعزيز الممنوعات الأساسية التي تم تبنيها من قبل الجنس البشري كعبرة من تاريخ الحروب، وبالاساس من فظائع جرائم الحرب العالمية الثانية. يوجد للمحكمة صلاحية فقط في حالة أن الدولة ذات العلاقة لا يمكنها – أو غير معنية – بتطبيق القانون بنفسها، والتحقيق بشكل جدي والتقديم للمحاكمة في الوقت الذي يوجد فيه بينات على ارتكاب جرائم (المبدأ الذي يسمى "مبدأ التكاملية").
كانت دولة إسرائيل احدى المبادرين لفكرة اقامة محكمة جنائية دولية دائمة. ومنذ الخمسينيات "بوساطة السياسيين فيها ورجال القضاء الكبار شاركت بصورة نشطة في كل مراحل تأسيس هذه المحكمة، حيث يحمل ممثلوها في قلوبهم وعقولهم ذكرى جماعية، واحيانا شخصية، للجريمة الكبرى التي ارتكبت في تاريخ البشرية – الكارثة". كما أعلنت إسرائيل عندما وقعت في العام 2000 على دستور المحكمة (وقعت لكنها لم تصادق على توقيعها حتى الآن).
والآن، أكبر السياسيين والقضاة فيها يعملون بصورة مكثفة من أجل المس بهذه المؤسسة، من أجل الإقناع بأن قرارات المدعية العامة فيها لا أساس لها، ومن اجل تقليص صلاحياتها بقدر الإمكان، وكل ذلك من اجل قرار يمس بإسرائيل نفسها.
ولكن عندما ينفي مندلبليت صلاحية المحكمة لأن "إسرائيل هي دولة قانون ديمقراطية"، و"يوجد فيها جهاز قضاء قوي ومستقل"، فهو بذلك يستخف بمبدأ التكاملية. يجب عليه أن يسأل نفسه ما هي مسؤوليته الشخصية عن أن قضاة كثيرين يعتقدون أن جهاز انفاذ القانون في إسرائيل لا يلبي المطالب الدولية. لأن مندلبليت ليس فقط رئيس جهاز إنفاذ القانون منذ اربع سنوات تقريبا، بل كان المدعي العسكري الرئيس خلال سبع سنوات، وبمنصبه هذا ترأس جهاز إنفاذ القانون العسكري.
في هذين المنصبين، مندلبليت كان وما زال مسؤولا عن التحقيق في شبهات خرق القانون الدولي، لكن ايضا – ليس اقل اهمية – كان من منح الغلاف القانوني لاقامة وتوسيع المستوطنات.
فعليا، من يعرف نشاط مندلبليت في الموضوع الاخير، يعرف أن الامر يتعلق بالمستشار القانوني الذي اضعف اكثر من أي واحد من اسلافه، الدفاع القانوني عن الممتلكات الفلسطينية الخاصة، وكل ذلك من اجل السماح بشرعنة البؤر الاستيطانية وتوسيع المستوطنات.
إلى هذه الدرجة أضعف، حيث في مقال نشرته قبل ثلاث سنوات كتبت بأن "أعماله أيضا تعرض للخطر القانوني ضباط كبار يقومون على الأرض بتطبيق السياسات التي صادق عليها" ("هآرتس"، 18/12/2016).
هذا بخصوص قرار المدعية الذي يقضي بوجود مجال للتحقيق في نشاطات الاستيطان لإسرائيل – سياسة رسمية التي بخصوصها لا يوجد حتى تفاخر بإجراء تحقيق. ولكن ماذا بخصوص التحقيق في خرق قوانين الحرب، التي بخصوصها إسرائيل تتفاخر بإجراء تحقيقات مهنية ومستقلة؟
التحقيق، الذي امتد لسنوات لمنظمة "يوجد حكم"، التي تمثل مشتكين ومشتكيات فلسطينيين، يظهر بأنه يوجد لإسرائيل القليل جدا مما ستعرضه أمام قضاة المحكمة، الذين يمكن أن يحسموا في الأسابيع القريبة القادمة هل يوجد للمحكمة صلاحية على جرائم ارتكبت في "المناطق".
ووفقا للمعطيات التي قدمها الجيش للمنظمة في إطار المداولات حول حرية المعلومات فانه فقط 20 في المئة من الشكاوى التي قدمت في 2017 – 2018 بشبهة ارتكاب مخالفات من قبل جنود ضد فلسطينيين في الضفة الغربية، قادت إلى تحقيق من قبل قسم التحقيقات في الشرطة العسكرية، وفقط حوالي 3 في المئة من التحقيقات تمخضت لوائح اتهام (ثلاثة ملفات، 0.7 في المئة من مجمل الشكاوى التي عولجت). وقد تم إغلاق الملفات الأخرى دون تحقيق أو تقديم للمحاكمة.
المعطيات بشأن تحقيقات وتقديم للمحاكمة بخصوص قتل متظاهرين فلسطينيين على حدود القطاع، في إطار "مسيرات العودة"، وبخصوص شكاوى تتعلق بسلوك الجنود في عملية "الجرف الصامد"، ليست افضل. في الأول فقط في 6 في المئة من الأحداث التي تم فحصها تم فتح تحقيق. وفي الثاني الـ 360 حادثة التي بشأنها قدمت شكاوى، قدمت لائحة اتهام واحدة فقط بشأن سرقة.
صحيح أن استخلاص العبر من الاحصاءات هو أمر معقد، والقليل من التحقيقات ولوائح الاتهام لا تدل بالضرورة على نشاط فاشل لانفاذ القانون، لكن جمعية "يوجد حكم"، التي تمثل متضررين فلسطينيين اطلعت أيضا على التحقيقات نفسها، واستنتاجها الراسخ والمستمر هو أن الأمر يتعلق بتحقيقات وهمية، مستواها متدن وتتميز بالمماطلة وعدم الدافعية وعدم تنفيذ اجراءات تحقيق اساسية جدا. هل يوجد شخص في إسرائيل يؤمن بأن اليئور ازاريا كان سيقدم للمحاكمة لولا أن كاميرا "بتسيلم" وثقت أفعاله؟
هذا محرج ومخجل ومحزن، أن إسرائيل التي أُقيمت على انقاض الكارثة، تواجه تحقيقات واتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولكن مثلما أن منظمات ونشطاء إسرائيليين لحقوق الإنسان يحاولون الإقناع منذ سنوات– الطريقة للامتناع عن ذلك هي عدم مهاجمة من ينفذون القانون الدولي، بل عدم ارتكاب جرائم الحرب.

عن "هآرتس"