مطالعة في اطروحات القدس اولا في ظل الانتخابات ...

حجم الخط

بقلم: يونس العموري

 

في ظل القرار، والقرار هنا مصيري والقاضي بإحالة القدس الى "اورشليم الواحدة الموحدة عاصمة الدولة العبرية العظمى" ، تتعاظم الاسئلة الكبيرة على اعتاب القلاع وبوابات اسوارها ، والحيرة تبدو مرتسمة على وجوه رعاياها ( واولاد البلد ) يحاولون عبثا فهم مجريات المعادلات الحاكمة للحظة اشراقة الشمس المتسللة من خلال الأزقة والعابرة رغما وارغاما، وبسويعات المغيب يعبثون بالبحث عن واقع ومصير لغة الضاد بميادين العشاق ... وقد اصبح صندوق الاقتراع في ظل بساطير الاحتلال هدفا من اهداف اللحظة في سبيل تجدد وتجديد ما يسمى بشرعية الواقع الراهن واستبدال قادة المسار، والمسير هنا له علاقة بطبيعة فهم المعادلة الجديدة .

نجدنا على اعتاب بوابات الانتظار لردة الفعل المنطقية والطبيعية حينما تمتهن الكرامة وتستباح حواري وازقة عاصمة الفقراء والمؤمنين بانسانيتهم، مرة أخرى يغزونا السؤال المتكرر منذ ان أُخضعت يبوس في أتون الصراع على واقعها الراهن، مرة اخرى يداهمنا القلق على مصير ابن كنعان في ازقة ايلياء العتيقة وحقيقة مستقبله المرتبط جدلا بمنطق اورسالم القابضة على حقيقة عروبتها وكينونة ذاتها، ويظل صندوق التهافت على الانتخابات احد اركان ممارسة السيادة الوهمية.

مرة اخرى نجدنا امام الاسئلة المصيرية والتي تعج بها الساحة المقدسية بالظراف الراهن، تلك الأسئلة المعلقة والكبيرة المعنى والمضمون ، حيث التساؤل حول ما هية الواقع الراهن؟ وحقيقة وطبيعة الإجراءات والهجمات الاحتلالية على القدس، وحقيقة المخططات التي تستهدفها؟ وما المطلوب ..؟ وما العمل ..؟ وحقيقة الخطط الوطنية ان وجدت ..؟ واستراتيجيات العمل الفلسطيتي لمواجهة ومجابهة ما يجري بالقدس، وهل نستطيع القول ان ثمة خطة فلسطينية فعلية متبلورة واضحة المعالم، ملموسة الحقائق والفعل والعمل ..؟ ام اننا امام اللا شيء والفراغ ..؟ وبالنهاية الطبيعة لا تقبل الفراغ ولا تقبل منطق الإفراغ من المحتوى والفعل.

وكثيرة هي التوصيات والأراء التي قُدمت من قبل قيادات سياسية ومجتمعية ورجال دين اسلامي ومسيحي وخبراء ومختصين بالشؤون البحثية والفكرية وذلك خلال فعاليات كثيرة وتلك المسماة بالايام الدراسية والندوات البحثية عموما وعلى وجه التحديد بالاجتماعات التي من المفروض انها مختصة بقضية القدس المنعقدة هنا وهناك، ومن المفارقات الصارخة والتي تستحق التوقف عندها برأيي هو ان الكثير من المتحدثين والمتدخلين بمختلف الأطر المؤسساتية الرسمية وغير الرسمية سالفة الذكر كانوا (واعتقد انهم ما زالوا ..) ضمن دائرة صُناع وصناعة القرار الفلسطيني (اذا ما جاز التعبير) وفي مداخلاتهم ظهروا ويظهرون وكأنهم يقدمون توصياتهم للآخر ولا اعلم من هو الآخر وهم من يقرورن شكل السياسات الفلسطينية على الأقل الرسمية في اطار السلطة الوطنية الفلسطينية او منظمة التحرير الفلسطينية، بل ان الأدهى من ذلك الظهور وكأننا قد صحونا واكتشفنا فجأة ان القدس تتعرض الى ما تتعرض له اليوم، بل ان العناوين ذاتها التي تتصدر المشهد تبدو باهتة ومفرغة من المضمون والفحوى الدالة دلالة فعلية على ارادة العمل والتعامل وقضايا القدس.

ومن خلال القراءة الموضوعية لكل الكلام والاحاديث والثرثرات الصادرة من هنا وهناك وبكل الأمكنة انما يؤسس لملاحظة وحقيقة واحدة ان ثمة خربشة وتخبط بإدارة اللحظة الفاصلة في القدس حيث باتت المدينة مكشوفة امام مخططات الطرف الأخر من معادلة الصراع . وبلا شك ان الكل وجد نفسه امام حقيقة الربع ساعة الأخيرة من عمر القدس العربية عاصمة الدولة العتيدة المُبتلعة من قبل الغزوة الإستعمارية، والتي تُفكك معالمها من خلال الهجمات المنظمة ممن يدعون بالحق والأحقية التاريخية. وكان الكل قد حاول ان يصرخ بأن القدس اولا والعاصمة اولا وقبلة الروح وبوصلة الفعل اولا للقدس، ولا دولة بدون القدس ولا عاصمة الا القدس، ومعادلة الوجود اللحظية ووفقا لمعطيات الواقع الراهن تبدو اليوم الأبعد عن هذا الشعار المنمق والصارخ المنسجم مع تطلعات اولاد البلد الرابضين الصامدين المرابطين عند اسوار القلاع العظيمة، والعابرين لدرب الآلالم والمتضرعين عند الصخرة المحمدية العدنانية والقادمين الى عبق تاريخ روما وكسرى...
 بخلفية المشهد لحقيقة طرح شعار القدس اولا الآن انما يشير وبشكل واضح الى ما يمكننا ان نسميه محاولة لتصحيح الجريمة والخطيئة التاريخية التي لحقت بالقدس حينما تراجعت القدس وما زالت تتراجع لتصبح القدس اخرا ، القدس بعد اريحا ، وبعد غزه ، وبعد رام الله ، بل انها قد تأتي بالمراحل المتأخرة بكل شأن من شؤون الفعل العام الفلسطيني.

وهذا ما تفسره الكثير من الوقائع المقدسية على الأرض حيث تراجع الميزانيات المطلوبة للقدس وتراجع دور المؤسسات وهجرتها من القدس بل انها قد تراجعت في اجندة الفعل الوطني لسنوات طويلة ما بعد اغلاق الكثير من مؤسساتها سواء أكانت بأوامر احتلالية او تلك الطوعية جراء الممارسات الفلسطينية بحقها واقصد هنا بالفلسطينية الرسمية حيث تراجع الإهتمام بكل ما هو مطلوب لتعزيز صمود القدس ومواطنيها ومؤسساتها وبشرها وحجرها وهذا ما يتلسمه ابناء القدس وما اجمعت عليه ايضا كل التصريحات والدراسات من الكل رسميا ومؤسساتيا وقيادة ومعارضة وموالاة وتيارات وجدت نفسها خادمة لأجندات إقليمية واشخاص يديرون معارك تصفية حسابات الكبار من عواصم القرار بمدائن الملح واوراق العمل.

ان شعار (القدس اولا... كصندوق اقتراع وانتخابات فقط ) المطروح اليوم يحمل في طياته الكثير من الدلالات... وبرأيي حتى تكون بالفعل القدس اولا لا بد اولا من ان يتراجع الشعار السابق من حيز الوجود او على الأقل من دائرة صناعة القرار الوطني الفلسطيني ومغادرة قوانين ( غزة اريحا اولا ..) وما تأسس عليها من تداعيات ووقائع نعيشها ونعايشها وتعيشها القدس بالظرف الراهن، بمعنى حتى تكون القدس اولا فمن المطلوب فهم وقائع القدس وحيثيات الفعل الإسرائيلي فيها وهذا ما هو معلوم ومعروف بل أنه ملموس.

والمتتبع للمنهج الإسرائيلي في القدس يلاحظ ان اسرائيل تعمل على اساس فرض الأمر الواقع على القدس وعلى كافة المستويات والصُعد وتسعى لأن تروج بضاعتها على الساحة الإقليمية والدولية وبالتالي دفع الكل الإقليمي والدولي لتقبل الإستحداثات الجديدة في القدس، وهو ما نراه يتراكم في ميزان الإنجازات الإسرائيلية حيث التسليم بالأمر الواقع من قبل المجتمع الدولي لما تحدثه اسرائيل في القدس، بل والتعاطي مع الحقائق والمستجدات الجديدة هذه. وليس ادل على ذلك سوى قضية الجدار الملتف حول القدس والخانق لها والسالخ والعازل لها عن محتواها الوطني بعد ان تم عزلها على محيطها العربي والاسلامي والانساني، وباعتبارها العاصمة الموحدة للدولة العبرية ولا سيادة الا سيادة يهوذا عليها، واستحداث كل القوانين المفعلة من قبل دوائر التشريع الإسرائيلي بحقها ونقل سفارة البيت الأبيض اليها، واعتبار القانون السائد في حيثيات وقائعها منظومة القوانين الإسرائيلية اليهودية التلمودية ...

اعتقد اننا واتجاه قضية القدس لابد من ان نسمي الأشياء بمسمياتها... ولا بد لنا من وقفة نقدية موضوعية اتجاه السياسات الفلسطينية الرسمية بشأن القدس منذ اطلاق مسيرة التسوية السياسية وانجاز اتفاق اوسلو حينما كان الشعار السائد انذاك .. (اريحا غزه اولا ...) وحينما كانت القدس وما زالت بندا مؤجلا او مرحلا لما يسمى بمفاوضات المرحلة النهائية التي لن تنطلق ولن يُسمح لها بالإنطلاق وان انطلقت فستكون القدس حينها غير القدس التي نتحدث عنها اليوم وهو ما تسعى اسرائيل لفرضه، قدس يشكل فيها الفلسطينيون اقلية قومية تعيش على هامش المجتمع المقدسي وفقا للفهم الإورشليمي للقدس التي تفرض ان يكون ثمة تنوع شكلي للقدس، وقدس خالية من المؤسسة الوطنية الفلسطينية القادرة على رعاية المشروع الوطني الفلسطيني الشعبي وحتى الرسمي وقدس تُختصر بالمعنى الوطني لمجرد اماكن لممارسة الطقوس الدينينة التعبدية ليس اكثر وبصرف النظر عن الشكل والمضمون لهذه العبادة.

مرة اخرى ان شعار القدس اولا وحتى يكون عمليا وفعليا، لا بد من ان الكف عن ممارسة التظاهرات الكلامية حول القدس وعن القدس، وكاننا نخاطب بعضنا البعض عما تتعرض له المدينة وهو الأمر الملاحظ بكل الندوات والأيام الدراسية والاجتماعات القيادية المنعقدة عن القدس وللقدس. ولا بد من تحمل المسؤوليات بالشكل والمضمون ، ولا بد من تصحيح الكثير من الأخطاء وربما ايضا الخطايا التي ارتكبت وما زالت ترتكب بحق القدس .

وفي هذا السياق لا بد من ان تعود القدس الى دائرة الاهتمام الفلسطيني اولا وان تصبح على رأس جدول اعمال مؤستتي الرئاسة والحكومة وكافة الأطر القيادية للكل بمختلف توجهاتهم وايدلوجيتهم وذلك على شكل قرارات متخذة وقابلة للتنفيذ من خلال خطط برامجية فعلية لتعزيز الوقائع العربية القومية للقدس اولا.... وذلك من خلال:



• انتهاج سياسة وطنية منسقة وشاملة تقوم على أساس العمل لتقديم القدس كأحد أهم أولويات جدول العمل الوطني الفلسطيني، ومنظمة التحرير والسلطة والفصائل الفلسطينية من جهة، وعلى رأس جدول أعمال المنظمات الدولية الدينية والثقافية من جهة ثانية. 


• كل الامكانيات لا بد أن تكون متاحة ومسخرة من اجل الدفاع عن القدس وحمايتها.


• تقديم الدعم المادي والمعنوي لسكانها لدعم صمودهم في ظل حملة التهويد الشرسة.


• فتح معركة شاملة مع الإجراءات الاحتلالية في القدس، وتحديدا قضية سحب الهويات المقدسية والاستيلاء على العقارات وتسريبها، وهدم المنازل بذريعة عدم الترخيص، والتضييق على السكان لهجر المدينة وصولا للعصيان المدني.

• أهمية توفير مقومات الصمود لأهالي مدينة القدس، لكونهم حجر الزاوية في كل ما يتعلق بقضية القدس، وضرورة مواجهة المخططات الإسرائيلية بشجاعة.

• اعادة الإصطفافات الجماهيرية والمؤسساتية في القدس وفقا لشعار ان القدس اولا .... وضرورة مغادرة منصات العقليات الإقصائية والإستفرادية بكل ما يتصل بقضايا القدس والبعد عن سياسات المناكفة والمتاجرة وتصفية الحسابات الفئوية من خلال الساحة المقدسية.

ملاحظة اخرى لا بد من ادراجها بهذا السياق حيث لا بد ان تتوقف التظاهرات الكلامية والظواهر الصوتية حول القدس وكأنه ومن خلال هذه الظواهر نكون قد انجزنا حق الكفاح والنضال من اجل القدس فلا بد من احلال الفعل البرامجي وتنفيذ المخططات على الأرض وان تسبق الأفعال الأقوال كما يقال.

اخيرا لا بد من القول ان شعار القدس اولا لن يتحقق الا حينما تعود المؤسسة الفلسطينية المقدسية الى عقر دارها والى بيتها وعرينها وان يتولاها من هو قادر على ادارة اوركسترا الفعل الميداني المستند الى الخطط البرامجية التي تعكس اجندة الطلوب وطنيا وقوميا للقدس.