حركة فتح وحقوق الناس

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

لم تستقطب انطلاقة حركة فتح بشكلها التقليدي جمهوراً جديداً مؤيداً لـ "فتح" لأنها كانت على ثقة أن حركة فتح ستكرر ما تقوله على مدار أيام العام، وتكرر ما فعلته على الأرض من مقاومة شعبية، وحمايتها وضمانتها للمشروع الوطني وحرصها على القدس واللاجئين.
بينما كانت الحركة تعيد مفردات خطابها الثابت على الثوابت، يعيش الناس في الوطن تراجعَ القدرة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة والفقر، مع مؤشر بسيط جداً في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لم يصنع فرقاً ملموساً، وما زال هناك مئات الشباب والصبايا من خريجي الجامعات والكليات، يفيقون صباحاً يفركون عيونهم ويهمون ان ينهضوا من فراشهم، فيتذكرون انه لا يوجد ما يفعلونه في حياتهم، فيخلدون الى الفراش يوماً آخر، وقد يقلبون قنوات التلفاز فيجدون متحدثاً يتحدث عن (المواطن أولاً) وخبيرة أخرى تتحدث عن (دور الشباب في التنمية) وآخر ينظر لهم عن (التعليم المهني والتقني) وأخرى تخاطبهم حول (المهارات الحياتية)، يصرون أن يخرجوا من الجو بكامله، فيعودون الى السرير، أو يزيدون من استهلاكهم للقهوة والسجائر اللف أبو خمسة شواكل.
في الذكرى الخامسة والخمسين للانطلاقة تلتقي مجموعة من خريجي جامعة بيرزيت وجامعة بيت لحم من أيام عز الحركة الطلابية الفلسطينية، ويعاتب بعضهم البعض، لماذا لم نبق سنداً لبعضنا البعض بمختلف مشاربنا الفكرية بدلاً من أن ننزوي ونترك الأمور تصل الى ما وصلت اليه؟ لماذا لم نستمر بروعة اللجنة العليا للعمل التطوعي، ولم نحفظ بريق لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي، ولم نسند بعضنا البعض كما كنا في نادي الشباب في هذه المدينة وتلك القرية، حيث كنا نضاهي مؤسسات تعتبر نفسها عريقة اليوم؟
بينما يتبادل الناس التهنئة بذكرى الانطلاقة بترديد "عاشت الذكرى" كان ذاك المزارع من الأغوار وآخر من طوباس يناقشان سبل تحقيق الاسترداد الضريبي للمزارعين، ويعقدان آمال ان تستطيع أطرهم التي تحمل اسمهم كتمثيل ان تحقق انجازاً، بينما يتحدى ممثل وزارة المالية أن يكون من يطالب في الاسترداد الضريبي يكون فاتحاً لملف ضريبي!!!! وكأن العلاقة مع تنمية القطاع الزراعي تتطلب هذا التحدي دون حراك يقود الى تغيير الواقع.
لم يعد التاجر الذي كان يطرح نفسه فتحاوياً في الانتفاضة الأولى على قناعة بأهمية تشجيع المنتجات الفلسطينية، لأن حاله لم يعد كما كان في الانتفاضة الأولى، في الوقت الذي حلت مكانه شركات استثمارية كبرى، وأضعفت مقدراته المالية ونسبة الدخل الذي تؤهله للعيش بكرامة، ولم يعد صاحب المشروع الصغير قانعاً أنه قادر  على الصمود أمام مزاحمة وتدافع دون أن يلاقي إسناداً كمشروع صغير.
لم يعد المستهلك مقتنعاً أن جهة ما في الوطن قادرة على حمايته وإحقاق حقوقه عندما يذهب لشراء دواء لطفله من صيدلية تكون تسعيرتها بمئة شيكل، وفي صيدلية أخرى تبعد عنها ثلاثمائة متر يباع بتسعة وثمانين شيكلاً، ويكون الجواب الرسمي أن السعر القديم هو الاعلى والجديد أقل، هل يعقل أننا اليوم ما زلنا لا نجد حلاً ابداعياً لهذه المأساة، سواء ان تقوم الشركات المنتجة للدواء أو المستوردة له بإجراءات تسعف؟ أيعقل أن جهات الاختصاص غير قادرة على إسعاف الناس بحل ممكن.
مازال ولي الأمر يسأل الى متى ستبقى جامعة بيرزيت مغلقةً دون حل في الأفق، خصوصاً أن حركة فتح بإمكانها أن تسعف، وليس بالضرورة عبر الحركة الطلابية نفسها، بل عبر مؤسسات هي مكونة منها بإمكانها أن تسعف جامعة بيرزيت.
ولم تبلور حركة فتح موقفاً رسمياً بخصوص قضايا الناس في قطاعي المياه والكهرباء من حيث عدادات المياه مسبقة الدفع والمياه كحق إنساني وليست سلعة.
لست في وارد جلد حركة فتح وتحميلها ما لا تحتمل، ولكنني أنقل ما يفكر به الناس وما يتطلعون إليه اقتصادياً وتربوياً واستثمارياً واجتماعياً وثقافياً ومؤسساتياً، وهذا ينسحب على بقية الفصائل والوزارات والهيئات غير الوزارية، وينسحب على الاتحادات الشعبية والمؤسسات غير الحكومية، بحيث يقوم كل بدوره ويعبر عن ناسه ويعبر عن حقوق الناس.
وبات ملحاً أن تشكل حركة فتح في ذكرى انطلاقتها رافعةً لصوت بعضا من كوادرها الذين يقودون، أو أعضاء في مجالس إدارات هذه المؤسسة أو تلك، بحيث تضغط "فتح" من أجل جواب إيجابي لقضايا الناس بمزارعيهم وشبابهم ونسائهم وعمالهم وإعلامييهم ومثقفيهم وكُتابهم.