الولايات المتحدة وقعت في "الفخ" الإيراني المنصوب في العراق!

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


انتهت أحداث الأسبوع الماضي في العراق، كما يبدو، بعرض للهدف المتمثل بالقوة الأميركية. حلقت طائرات الاباتشي في السماء لحماية السفارة الأميركية في بغداد، وأعلنت واشنطن بأنها سترسل الى هناك 750 جنديا آخرين من البحرية، وأمرت المليشيات الشيعية، الذين انقض رجالها على مبنى السفارة على مدى يومين متتاليين، المتظاهرين بالانسحاب ومغادرة المكان. ومن المشكوك فيه أن تكون هذه هي نهاية القصة أو أنها القصة الحقيقية. الاكثر احتمالاً هو أن الولايات المتحدة سقطت، هذا الأسبوع، في شرك إيراني محكم، يمكنه أن يضع علامات استفهام حول استمرار التواجد العسكري الأميركي في العراق.
هذه الاحداث هي نتيجة متأخرة لعدد من الاحداث التي بدأت بقرار دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي. فالعقوبات الشديدة المفروضة على إيران شلت الاقتصاد فيها، وحثت القيادة على المصادقة للحرس الثوري باتخاذ خطوات واسعة من الاستفزازات العسكرية ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج الفارسي.
هدف إيران الرئيسي، حسب تقديرات أجهزة الاستخبارات الغربية، هو دفع واشنطن لرفع العقوبات والعودة الى المفاوضات حول الموضوع النووي.
ولكن هذا لم يساعد. وفي هذه الاثناء تفاقمت مشاكل إيران نفسها، ازاء موجة مظاهرات واسعة تحدت حكومتين تقعان تحت نفوذها في لبنان وفي العراق. ففي العراق قتل اكثر من 400 متظاهر بنار الاجهزة الامنية والمليشيات الشيعية. وفي لبنان لم تسجل احداث عنيفة، لكن سمعت هتافات صريحة ضد تآمر إيران والنفوذ الكبير لـ»حزب الله». في تشرين الثاني، انزلقت الاضطرابات الى إيران نفسها، وقُتل اكثر من 300 متظاهر. وأفاد تقرير لوكالة «رويترز» عن قتل 500 شخص تقريبا في المظاهرات في إيران، وهو مشكوك فيه كما يبدو، لكن هكذا ايضا كانت الموجة الشديدة من المظاهرات في إيران قبل عقد تقريبا.
وتقلّص مجال مناورة ترامب. فالرئيس لا يريد التورط في حرب إقليمية في الشرق الاوسط، وبالتأكيد ليس في سنة انتخابات، لكنه في الوقت ذاته لا يمكنه السماح لنفسه بأن يظهر ضعيفا أمام استفزازات إيران. وطالما أن الهجمات تتركز على السعودية ودولة الامارات فإن ترامب ضبط نفسه واحتفى بتهديدات عامة. ولكن في الاشهر الاخيرة سجلت عشرة احداث قصف لصواريخ كاتيوشا وقذائف على قواعد عراقية يتواجد فيها جنود ومتعهدون مدنيون أميركيون في ارجاء العراق. ووقفت خلف هذه الهجمات مليشيات شيعية ممولة من إيران، على رأسها تنظيم «حزب الله» العراقي. وفي القصف  الـ 11 يوم الجمعة قبل الماضي في مدينة كركوك قتل مواطن أميركي. هذه المرة ترامب لا يستطيع الادعاء بأن البصق على وجهه هو مطر. في هجوم عقابي أميركي على القواعد الخمس للمليشيات الشيعية في العراق وسورية قتل على الاقل 25 شخصا.
ما حدث بعد ذلك في محيط السفارة الأميركية في بغداد لم يكن أمرا عفويا، وبالتأكيد ليس صدفيا. حسب تقارير موثوقة كان هذا عرضاً متعمداً أداره الإيرانيون من خلف الكواليس. المتظاهرون لم يكونوا مواطنين غاضبين (أو اشخاصا جاؤوا للتعزية، مثلما تم الادعاء في نبأ غريب الى درجة ما نشر في «نيويورك تايمز»، أول من أمس)، بل هم أعضاء في المليشيات الشيعية. قوات الأمن العراقية، التي كان يجب عليها حماية السفارة كجزء من شبكة حماية خارجية، مكنت المتظاهرين، الثلاثاء الماضي، من اقتحام المنشأة، وانفضاض المتظاهرين كان نتيجة توجيه من أعلى.
توقف الأمر، ولكنه لم ينته تماما. القصف الأميركي والمواجهة العنيفة على سور السفارة يذكر بما حدث في مرة سابقة. وهو يخدم هدفا إيرانيا مهما. لقد عادوا وأشعلوا الخلافات الداخلية في العراق حول استمرار تواجد 5 آلاف جندي أميركي في الدولة (قبل التعزيزات). الاحداث الاخيرة يمكنها أن تعيد للنقاش من جديد في البرلمان طلب طرد الجنود الأميركيين. وهي مبادرة تم طرحها في الصيف الماضي على خلفية الادعاء بأن الولايات المتحدة كانت متورطة بالهجمات التي نسبت لإسرائيل ضد المليشيات في العراق. هذا هدف إيراني مهم، حتى لو كان هدفا ثانويا بالنسبة لتخفيف ضغط العقوبات. اعتادت طهران في السنوات الأخيرة على رؤية العراق ساحتها الخلفية. ومغادرة الأميركيين ستسهل عليها، وإن لم يمنع ذلك استمرار المتظاهرات ضد الحكومة العراقية.
في هذه الاثناء لا توجد أي دلائل على أن المواجهة في السفارة، التي سارع ترامب الى تتويجها كانتصار حاسم لسياسته، ستجعل الأميركيين يفحصون مجددا اتباع سياسة عدائية اكثر تجاه إيران. الإيرانيون بوساطة المليشيات يمكنهم الآن توسيع هجماتهم ضد القوات الأميركية في العراق. والولايات المتحدة تقوم الآن برسم حدود ساحة اللعب في العراق، وهي تفضل التركيز على المبعوثين وليس على من أرسلهم: الهجمات، هذا الاسبوع، أصابت المليشيات الشيعية وليس الحرس الثوري. وحسب تقارير لوسائل الاعلام الأميركية، فإن قائد قوة القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، كان موجودا في مرمى التصويب لإسرائيل والولايات المتحدة منذ اكثر من عقد. وحسب هذه التقارير، في عملية اغتيال أحد قادة «حزب الله»، عماد مغنية، الذي قتل في دمشق في شباط 2008، أرادت إسرائيل تصفية سليماني ايضا الذي كان في الجوار. الأميركيون فرضوا «الفيتو». ازاء الاضرار التي تسبب بها سليماني في الـ 12 سنة الماضية، ربما كان هذا القرار خاطئا.
في محاضرة في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا، الاسبوع الماضي، أشار رئيس الاركان، افيف كوخافي، الى نشاطات لإسرائيل قائمة ومستقبلية ضد الإيرانيين ومبعوثيهم في العراق. ولكن التصعيد الذي حدث في العراق منذ ذلك الحين يلزم إسرائيل باتباع سياسة الحذر. ورغم الاغراء لاستغلال الفرصة وضرب مصالح إيران، يبدو أن هذا بالضبط هو السيناريو الذي يفضل فيه بالنسبة لها أن لا تضع نفسها في مركز لوحة الاهداف.

أُزيلت العوائق
خصص «الكابنت» جلستين للساحة الفلسطينية، مع التركيز على سبل التسوية في قطاع غزة، وعلى التداعيات المحتملة لفتح تحقيق ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. ولم يتم نشر أي قرارات، لكن التوجه في القطاع بقي واضحا – كما رسمه كوخافي ايضا في الخطاب الذي القاه في ذكرى رئيس الاركان، امنون لبكين شاحك: إسرائيل ذاهبة الى تسوية طويلة المدى مع «حماس»، حتى لو قرر شخص ما بأن مفهوم «التهدئة» سيسمع من قبل الجمهور بأنه انهزامي بدرجة ما. التسهيلات لغزة في مجال الحركة وفي الاقتصاد ستنفذ بالتدريج، وبضجة أقل في الاعلام بقدر المستطاع؛ بسبب تخوفات رئيس الحكومة نتنياهو من الضرر السياسي.
للاعتبار ذاته، سارع وزير الدفاع، نفتالي بينيت، الى أن يرفق، هذا الاسبوع، النقاش في «الكابنت» باعلان عن خطوة اخرى ضد السلطة الفلسطينية، خصم نحو 150 مليون شيكل من اموال الضرائب كعقاب على استمرار دعم السلطة للسجناء الفلسطينيين الامنيين المسجونين في اسرائيل. ستنجح السلطة كما يبدو في تجاوز هذه الخطوة، التي ستستمر في السنة القادمة. ولكن على المدى الابعد تقوم إسرائيل بتخليد مشكلة هنا. فهي ليس فقط تشير للفلسطينيين بأن طريق «حماس»، التي صممت على محاربتها عسكرياً، مجدية اكثر، بل هي تستمر بضرب السلطة، التي على الأقل رسميا ما زالت تعلن عن تأييدها للتسوية بطرق سلمية. الصورة الموضوعة فيها الرواية الاسرائيلية أمر مخطط وهي بعيدة عن أن تكون صدفية. ربما أن هذه ايضا هي الخلفية للقرار المعروف، سواء للجيش الاسرائيلي أو المستوى السياسي، بتعظيم دور وأهمية بهاء أبو العطا، رجل «الجهاد الاسلامي»، الذي اغتالته إسرائيل في جولة القتال الاخيرة في القطاع في تشرين الثاني الماضي. في نهاية الجولة بدأ الجيش الاسرائيلي بالضغط على المستوى السياسي للتقدم نحو التسوية بذريعة أن موت رجل «الجهاد» أزال العائق الرئيسي من الطريق.
فعليا، لا تزال هناك عقبات اخرى، بدءاً من خوف إسرائيل من الالتزام ومرورا بامتناع «حماس» عن تطبيق متشدد لوقف اطلاق النار وانتهاء باطلاق صواريخ اخرى من قبل «الجهاد». فإذا كان الامر هكذا لماذا حرصت جهات اسرائيلية رفيعة على وصف أبو العطا بأنه دمج محلي بين تشي جيفارا وهو شي منه؟ ايضا هذا موضوع يتعلق بالانطباعات. واذا كانوا يظهرون الانجاز العسكري للمس بـ»ارهابي» فإن من السهل كما يبدو أن يبرروا الآن خيار التسوية التي تكتنفها التنازلات من موقف قوة.
من بين التطورات الكثيرة التي تطرق لها كوخافي في خطابه تم شطب نقطة مهمة من التغطية الاعلامية: حتى منتصف 2020، قال رئيس الاركان، سيتم استكمال بناء الجدار ضد الانفاق في القطاع. هذا بالفعل سيحدث بتأخير بضعة اشهر مقارنة مع الجدول الزمني المخطط. ولكن إسرائيل تستكمل بذلك، كما نأمل، صد أحد الاحتمالات العملياتية الخطيرة التي كانت توجد لدى التنظيمات الفلسطينية في القطاع. في نهاية عملية «الجرف الصامد» في 2014، تم تشخيص تهديد الانفاق بصورة متأخرة كتهديد رئيسي يقتضي معالجة جذرية. الجدار العائق حول القطاع بني بتكلفة اجمالية تبلغ 3 مليارات شيكل. وفي كانون الاول 2018 بدأت الجيش الاسرائيلي بعملية متسرعة لهدم 6 انفاق حفرها «حزب الله» تحت الحدود اللبنانية. ومن المشكوك فيه أن يختفي تهديد الانفاق تماما من حياتنا، لكن في هاتين الحالتين قلص بذلك بصورة حاسمة مجال الفرص لدى العدو.

هل اختفى «داعش»؟
في كل سنة يصدر معهد بحوث الامن القومي تقريرا يلخص عدد العمليات الانتحارية التي حدثت في العالم في السنة الماضية. في تقرير العام 2019 الذي وصلت نتائجه للصحيفة، هذا الاسبوع، فإن العمليات الانتحارية تراجعت بصورة واضحة في اعقاب هزيمة «داعش» العسكرية.
كاتبو التقرير، يورام شفايتسر وافيعاد مندلباوم ودانا ايالون، كتبوا بأن العمليات الانتحارية بقيت احد انماط العمل الاكثر فعالية حتى في العام 2019، رغم الانخفاض الحاد الذي سجل في عددها – بنسبة 49 في المئة – استمرارا لمنحى انخفاض معتدل اكثر تم تشخيصه في السنوات السابقة. في السنة الماضية نفذت 149 عملية انتحارية في 49 دولة في ارجاء العالم. في هذه العمليات شارك 234 انتحاريا من بينهم 22 امرأة. في هذه العمليات قتل حوالي 1855 شخصا واصيب حوالي 3660 شخصا. في العام 2018 في المقابل، تم تنفيذ 293 عملية انتحارية قتل فيها 2840 شخصا.
الساحة الاكثر فعالية، للمرة الثانية على التوالي، هي وسط وشرق آسيا التي نفذ فيها في السنة الماضية 68 عملية انتحارية (45.5 في المئة من العمليات الانتحارية في العالم)، معظم هذه العمليات كان في افغانستان. وعمليات اخرى نفذت في الباكستان وسريلانكا وأندونيسيا والفلبين. في الشرق الاوسط نفذ في السنة الماضية 47 عملية (31.5 في المئة)، اكثر من نصفها في سورية. وفي العراق حدث انخفاض كبير مقارنة مع العام 2018. وفي افريقيا نفذ في السنة الماضية حوالي 33 عملية (22 في المئة)، وعلى رأس هذه الدول الصومال ونيجيريا ومالي. عملية منعزلة ونادرة نفذت في أميركا اللاتينية في كولومبيا من قبل منظمة «جيش التحرير الوطني» وقتل فيها 21 شخصا. كاتبو التقرير قالوا إن هزيمة «داعش» العسكرية والتدريجية تسارعت في السنتين الاخيرتين وأنهت سيطرته على مناطق واسعة في العراق وسورية الى أن فقد حتى آذار 2019 معقله الاخير في شرق سورية رغم الانخفاض الحاد الذي سجل في عدد العمليات الانتحارية التي نفذها «داعش»، 60 في المئة، ايضا في هذه السنة بقي الجهة الرائدة. «داعش» وشركاؤه كانوا مسؤولين عن 69 عملية انتحارية، التي قتل فيها 850 شخصا. والتنظيم السني الجهادي المنافس، القاعدة وفروعها، نسبت له في السنة الاخيرة 52 عملية انتحارية. هوية المنفذين لـ 17 عملية اخرى في العالم غير معروفة، لكن معظمها نفذ كما يبدو على ايدي «داعش» و»القاعدة» أو على أيدي تنظيمات متأثرة بهما. هكذا حوالي 97 في المئة من العمليات الانتحارية في 2019 تم تنفيذها على أيدي هذه التنظيمات.
شفايتسر ومندلباوم وايالون كتبوا بأنه «رغم الانخفاض الحاد في العدد، إلا أن العمليات الانتحارية لا تزال تشكل نموذج عمل فعالا تستخدمه التنظيمات الارهابية. في العام 2019 استخدمته 21 منظمة مختلفة. في السنة الماضية قتل في العمليات الانتحارية بالمتوسط حوالي 12 شخصا في كل عملية. ولكن في 12 عملية تقريبا، عدد القتلى كان أعلى بكثير. ومثال على ذلك العمليات الانتحارية التي تزامنت في سريلانكا في 21 نيسان التي قتل فيها حوالي 253 شخصا.
وحسب قول كاتبي التقرير «من بين العوامل الرئيسية لانخفاض عدد العمليات الانتحارية في 2019 كان الانسحاب المستمر لـ»داعش» وهزيمته العسكرية في السنتين الاخيرتين. هذا التراجع تسبب بفقدان مطلق للسيطرة الجغرافية وكذلك تآكل كبير في المداخيل وفي القوة البشرية، في ظل غياب مجندين جدد». وهم يقدرون بأن تصفية زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي على يد الأميركيين، أجبرت «داعش» على اجتياز فترة من اعادة التنظيم في الشرق الاوسط من خلال بذل الجهود لتعزيز علاقاته مع شركاء في ارجاء العالم.
الثلاثة كتبوا بأن «داعش» وحلفاءه، و»القاعدة» وحلفاءها، يرون في العمليات الانتحارية رمزا دينيا وقيميا واخلاقيا مشتركا، يثبت تمسكهم بطريق الله. لذلك، لا يتوقع أن يتوقفوا عن استخدام العمليات الانتحارية كوسيلة رئيسية في حربهم ضد اعدائهم. حجم نشاطاتهم في المستقبل سيتأثر بشكل كبير بوتيرة نهوضهم، والظروف التنظيمية الداخلية والوضع في الدول التي يعملون فيها. «داعش»، الذي بقي يعمل في سورية والعراق، يثبت الآن قدرة على الصمود وعلى تنفيذ العمليات الارهابية والعصابية. وهذا يتم باعداد أقل مما كان في السابق».
كُتّاب التقرير يتوقعون أنه في العام 2020 سيسجل ارتفاع جديد في عدد العمليات الانتحارية، لا سيما التي سينفذها «داعش» وفروعه. وحسب اقوالهم «الانخفاض الذي سجل في عدد العمليات الانتحارية في 2019 كاستمرار للتوجه العام الذي كان في سنوات سابقة، لا يدل بالضرورة على انخفاض جاذبية هذه الوسيلة بالنسبة للتنظيمات. واعادة تنظيم المعسكر الجهادي العالمي يمكن أن تظهر في المستقبل بتعاظم استخدام العمليات الانتحارية».

عن «هآرتس»