ضربة لـ "محور إيران"

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


الخطوة الحازمة التي اتخذها الأميركيون بقرارهم اغتيال الجنرال قاسم سليماني استقبلت بحماس في إسرائيل.
في قنوات التلفاز سمعت أخيراً أقوال ثناء كثيرة على الرئيس ترامب، وآمال العودة إلى عهد العظمة الأميركية، وحتى على الهامش أحلام لتسوية إقليمية جديدة في إطارها سيتم بسرعة إسقاط نظام آيات الله في طهران.
ولكن يظهر أن الصورة الاستراتيجية يمكن أن تكون معقدة قليلا وأكثر خطورة من اللهجة القاسية إلى حد ما التي سيطرت أحيانا على جزء من البث.
سياسة إدارة ترامب في المنطقة لم تعكس خط تفكير متواصلا، بل تعرج، تجربة وخطأ.
انسحب الرئيس قبل حوالى سنة ونصف السنة من الاتفاق النووي مع إيران مثلما تعهد في حملته الانتخابية، وبعد ذلك استخدم مقاربة الحد الأعلى من الضغط التي في إطارها تم تطبيق عقوبات اقتصادية شديدة على إيران وعلى شركات أجنبية تعاملت معها.
ولكن النتيجة المرغوبة، خضوع إيران لبلورة اتفاق جديد بشروط أكثر قسوة، التي ربما ستشمل أيضا تقييد تآمر إيران الإقليمي، لم تتحقق.
بالعكس، منذ أيار الماضي ردت طهران بحملة واسعة من الهجمات على صناعة النفط في الخليج، التي أحيانا اتسعت ومست بالمصالح الأميركية.
ضبط ترامب نفسه خلال أشهر كثيرة، بالأساس إزاء تخوفاته من التورط في حرب.
كانت إسرائيل خائبة الأمل من عدم الرد الأميركي، مثلما ظهر مؤخراً في الأقوال العلنية لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورئيس الأركان، أفيف كوخافي.
في الأسبوع الماضي ذهب الإيرانيون بعيداً. قتل مواطن أميركي بوساطة صاروخ تم إطلاقه على قاعدة عراقية، وبعد ذلك اقتحام الجمهور لمبنى السفارة الأميركية في بغداد، رداً على هجوم عقابي أميركي قتل فيه 25 شخصا من المليشيات الشيعية، كل ذلك أدى إلى التغيير الحاد في موقف الإدارة الأميركية.
ترامب تمسك بخطه الأحمر – عدم الصبر على قتل الأميركيين – وسليماني، قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني دفع حياته ثمنا لغطرسته. وهذه الغطرسة كانت واضحة في مرتين. الأولى، قرار تصعيد العمليات ضد الأميركيين. والثانية، تمسكه بالتحرك بشكل علني وكأنه محصن من الإصابة.
لم يهتم الجنرال الإيراني بالبقاء تحت الرادار. بالعكس هو ظهر بشكل علني بين الفينة والأخرى أثناء وصول طائرته إلى مطارات الشرق الأوسط، وأكثر من مرة خلد نفسه بصور في زياراته، التي نشرت في الشبكات الاجتماعية.
الأميركيون قصفوا قافلته بصواريخ من الجو بعد وقت قصير من هبوطه في بغداد.
ومقابل سليماني كان حسن نصر الله، السكرتير العام لـ «حزب الله»، أكثر حذرا في سلوكه.
وهو يعرف لماذا. ومن الآن سيكون أكثر حذرا بالتأكيد. هناك قاسم مشترك بين المقاربة الأميركية والمقاربة الإسرائيلية في الأسلوب الذي سمي «التصفية المركزة»، الذي طورته إسرائيل في زمن الانتفاضة الثانية.
حسب تقارير وسائل الإعلام الأميركية عرضت على ترامب عدة خيارات لتصعيد الرد ضد إيران.
ولدهشة عدد من مستشاريه اختار السيناريو الأكثر عدائية وهو الذي دعا إليه الصقور منذ زمن طويل.
الجنرال المسؤول عن قتل عشرات آلاف الأشخاص، ومنهم أميركيون وإسرائيليون، وبالأساس مسلمون من السنة، تمت تصفيته.
هذا قرار مبرر ومناسب لترامب، بالتأكيد بالنسبة لإسرائيل. ولكنه لم يضع أي حد للمواجهة بين إيران والولايات المتحدة التي يمكن أن تشمل إسرائيل أيضا.
من الأفضل الأخذ بجدية تهديدات الانتقام الإيرانية التي تتركز في هذه الأثناء على الولايات المتحدة، ويقللون من ذكر إسرائيل.
الساحة الأكثر احتمالا للرد الإيراني توجد في العراق، حيث يجري هناك أصلا صراع على النفوذ بين واشنطن وطهران. أيضا السعودية ودولة الإمارات يمكن أن تتضررا.
يعتبر الاغتيال ضربة لكل «محور المقاومة» الذي تقوده إيران والذي يشمل أيضا «حزب الله» والمليشيات الشيعية في دول المنطقة، وبدرجة أقل «الجهاد الإسلامي الفلسطيني».
وإبعاد سليماني سيضعف كما يبدو فاعلية جهاز الإرهاب والعصابات المخيف الذي أدار معظم أنشطته بنفسه.
في العام 2008 تمت تصفية عماد مغنية في عملية في دمشق. وهي العملية التي نجا منها سليماني بصعوبة.
الإيرانيون و»حزب الله» هددوا بالانتقام لقتل مغنية – وقتل عدد من العلماء الإيرانيين عملوا في المشروع النووي – من خلال تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
لكن هذه العمليات تم إحباطها أو تشوشت. وبعد ذلك قيل إنه بعد قتل مغنية لم يبق مغنية آخر كي ينتقم له.
هذا ما يتوقع أيضا في اليوم التالي لسليماني، رغم أنه يجب عدم الاستخفاف بجدية نوايا إيران. وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قال إن موت سليماني يحول المنطقة إلى منطقة آمنة أكثر لمواطني الولايات المتحدة.  وهذا يمكن أن يكون صحيحا في المدى البعيد. ولكن بعد بضع ساعات على أقواله وجهت وزارة الخارجية الأميركية جميع المواطنين الأميركيين الموجودين في العراق لمغادرة العراق في أسرع وقت.
التقدير المعقول إزاء هذه التطورات، هو أن الأميركيين أعطوا إسرائيل إنذارا مبكرا حول عملية التصفية. وبعد ذلك، أقوال نتنياهو، الخميس الماضي، عشية سفره لزيارة اليابان («منطقتنا تضج بالأحداث الدراماتيكية جدا. ونحن نتابع بحذر ونتواصل بشكل مستمر مع صديقتنا الكبرى الولايات المتحدة»)، هذه الأقوال تظهر كإشارة غير واضحة تماما عما كان سيحدث في العراق بعد بضع ساعات.  وبعد عملية التصفية أمر رئيس الحكومة وزراءه بالحفاظ على الصمت بهدف عدم إغراء الإيرانيين بوضع إسرائيل في مرمى هدفهم.  في هذه الأثناء السياسيون يظهرون ضبط نفس غير معتاد. وهذا أيضا، في بداية الحملة الانتخابية الثالثة خلال سنة، جدير بالتقدير.

 عن «هآرتس»