لا أنتمي إلى إسرائيل ..

حجم الخط

بقلم: يونتان فولك


مرّ تسع سنوات تقريباً على المرة الأخيرة التي سجنت فيها أكثر من يوم أو يومين.
وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين، من الخارج الواقع السياسي ليس الواقع ذاته.
ويبدو أن التغيير ليس للأفضل. أصبح العالم تقريبا لا يهتم بنضال الفلسطينيين من أجل التحرر، وهذه حقيقة تضع إسرائيل في إحدى الذروات التاريخية لقوتها السياسية.
لستُ الشخص المناسب من أجل التوسع في موضوع التغييرات التي تجري في المجتمع الإسرائيلي، حيث يوجد ليبراليون يفعلون ذلك أفضل مني، لأن الدولة عزيزة عليهم وهم يشعرون نحوها بالانتماء، أما أنا فغير قادر ولا أريد الشعور به.
ومن الداخل، أصبحتُ أكثر بلوغا ومتعبا أكثر، وبالأساس أقل صحة. لست ضحية، لكن لا يمكنني تجاهل الثمن – الجسدي والنفسي – الذي أخذته السنين مني.
هذا بالطبع ثمن قليل جدا مقارنة بالثمن الذي يدفعه أصدقاء آخرون فلسطينيون، لكن لا يمكنني تجاهله أو وزنه في حياتي: الضرر الجسدي، بما في ذلك أضرار يصعب إصلاحها، ومن هناك إلى اليأس أحيانا، الرهبة، الشعور بالعجز، الضياع والموت، كل ذلك سيطر على حياتي اليومية.
ورغم ذلك، في الجوهر بقيت الأمور على حالها. أيضا الآن، مثلما كان الأمر في حينه، الذهاب إلى السجن هو الخيار الأفضل الذي يقف أمامي.
أنا معتقل، الآن، بسبب رفضي التعاون أو المثول في محاكمتي التي تجري في القدس أمام قاضٍ إسرائيلي، رغم أن موضوعها هو التظاهر في قرى في الضفة الغربية.
المدعون في هذه المحاكمة الجنائية ليسوا الدولة، بل جمعية يمينية ومواطنون كانوا في السابق رجال شرطة وجنودا.
هويتهم ربما تكون مهمة في مستوى الثرثرة، لكنها غير مهمة. وبالمستوى ذاته أيضا نقاط الضعف القانونية الموجودة في لائحة الاتهام غير مهمة. ويمكن الافتراض بأنه لو أنني جئت إلى المحاكمة فربما كانت ستنتهي بتبرئتي.
رفض تعاوني مع المحكمة ينبع من سببين: الأول هو أن شركائي الفلسطينيين لا "يحصلون" على الشروط المريحة نسبيا في المحاكم الإسرائيلية، بل تتم محاكمتهم كرعايا لا توجد لهم حقوق بتحريف من النظام القانوني الموجود في المحاكم العسكرية.
لا يوجد للفلسطينيين الخيار السياسي لرفض التعاون. لأنهم جميعا يحاكمون أصلا وهم قيد الاعتقال حتى انتهاء المداولات.
أيضا الأحكام المفروضة عليهم أكثر قسوة من المنصوص عليها في القانون الإسرائيلي.
هنا أيضا، رغم رفضي للتعاون، فإن الثمن الذي سأدفعه هو أقل بعشرات الأضعاف من الذي تجبيه إسرائيل من الفلسطينيين.
السبب الثاني والأكثر جوهرية هو أن جميع المحاكم في إسرائيل على اختلافها، عسكرية بحكم القانون وعسكرية بحكم الواقع، غير شرعية في الوقت الذي تتعامل فيه مع مقاومة الحكم الإسرائيلي، نظام هجين من الديمقراطية المعيبة والمميزة في المناطق التي فرض عليها سيادته، وديكتاتورية عسكرية في مناطق يضع يده عليها.
مقابل الانجراف السياسي بعيداً نحو اليمين يبدو أن بقايا اليسار الصهيوني ينشغل أكثر بالندب على نهاية المعركة من أجل الديمقراطية الإسرائيلية.
ولكن عن أي ديمقراطية يريدون الدفاع؟ عن التي سلبت منذ اليوم الأول ولا تزال تسلب مواطنيها الفلسطينيين أراضيهم وحقوقهم، وتعتبرهم في أفضل الحالات مواطنين من الدرجة الرابعة؟ أم عن الديمقراطية المسيطرة على غزة من خلال القصف والحصار الوحشي، في الوقت الذي تعزز فيه ديكتاتورية عسكرية خالصة في الضفة الغربية؟
طبيعة النظام في إسرائيل (يوجد فقط واحد كهذا بين البحر والنهر)، هي أنه لا يمكن الفصل بين "الداخل" و"المناطق المحتلة".
ولكن هذا لا يجعل أفضل الليبراليين يختلفون على الفرضية الأساسية التي تقف في مركز الخطاب السياسي الإسرائيلي الداخلي، والاعتراف بأن إسرائيل غير ديمقراطية. وأنها لم تكن في أي يوم ديمقراطية.
من أجل الانضمام حقا للنضال من أجل تحطيم الأبرتهايد الإسرائيلي، يجب على الأقلية من المواطنين الإسرائيليين اليهود الإشارة إلى الحقوق الزائدة لديهم وأن يكونوا مستعدين لدفع ثمن التنازل عنها.
ثورة ضد النظام تجري منذ سنوات على شكل مقاومة فلسطينية، والثمن الذي يدفعه أعضاؤها هو ثمن باهظ.
من أجل الإسهام في التغيير يجب على اليهود التنازل بإرادتهم عن السعي إلى إدارة النضال وقيادته.
وبدلا من ذلك يجب عليهم دعم نضال الفلسطينيين، ليس بالتعاطف بل بالأفعال.
أجل، يجب علينا اجتياز الخطوط والسير في أعقابهم.

عن "هآرتس"