الواقع الاقليمي الراهن في ظل الصراع الامريكي الإيراني ومحور الاعتدال!

حجم الخط

بقلم: يونس العموري

 

على ضوء تسارع الاحداث على الساحة الاقليمية وتجاذبات الفعل الامريكي بحق ايران وفعل الاغتيال لقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، والرد الايراني والواضح انه رد مدروس واضح المعالم كتصرف دولة لها حساباتها ولها مصالحها وتعلم كيف تدير الصراع وفقا لمنطق الدولة ومؤسساتها والحفاظ على هيبتها كدولة عظمى في المنطقة، وانطلاقا من الفهم المنطقي لطبيعة هكذا صراع وتجاذباته وبالتالي اثمانه ، فإن ثمة ظاهرة لا بد من التوقف عندها هذه الأيام والتي اعتقد انها قد بدأت بالسيطرة على المسار المجتمعي بمنظومة وعيه وصناعه مفاهيمه بشكل او بآخر، حيث بات يتردد ترويج سياسي جديد، يجيء على شكل منهج ليبرالي تفكيري لدى المنشغلين بالشأن السياسي العام وحتى بعض الأكاديمين والدراسين، يهدد أركان منظومة المفاهيم الفلسطينية برمتها.

وهذا الترويج بات يعتمد على ما يسمى بالواقعية السياسية وضرورة النظر للأمور والمستجدات التفاعلية بالمنطقة بمنظار الواقعية والتعاطي معها والتسليم بنتائجها، وبالتالي التخلي على الخطاب السياسي المستند على الثوابت الوطنية والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وبالتالي تحالفاته وفقا لقواعد العملية النضالية الكفاحية ووفقا لإبجدياتها لا بد من تحديد معسكر الاصدقاء بناء على المصالح العليا لفعل التحرر وقوانينه.

حتى ان انصار الواقعية او الواقعيين الجدد باتت نظرتهم للوقائع السياسية تعتمد على المطروح اسرائيليا ودوليا من خلال البوابة الإمريكية، وأي لغة اخرى من شأنها معارضة ومقاومة المد الإمريكي ومقاومة السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وتحديدا اتجاه قضية كقضية القدس او مسألة اللاجئين توصف من قبل هؤلاء الواقعيين على انها خطابات خشبية جامدة لا تغني ولا تسمن من جوع، مع العلم ان الخطاب الفلسطيني الراهن وبالظرف الحالي، والذي عبر ويعبر عن نفسه من خلال أطروحة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس، انما يعتبر قمة الواقعية الجديدة، والتعاطي والشأن الدولي العام في ظل مستجدات دولية واقليمية فرضت نفسها على مختلف صُناع القرار السياسي الفلسطيني على مدى العقدين الأخيرين، وهذا بتصوري ما يشكل الحد الأدنى من الخطاب الوطني والقومي ودون ذلك يعتبر تفريطا وليس انسجاما والواقع الدولي والإقليمي.

وعلى هذاالاساس لا بد من تحديد منطلقات الخطاب السياسي تجاه ما يجري ويدور على الساحة الاقليمية وبالتالي الدولية وفقا لمنطق قواعد العملية الثورية التحررية اذا ما اعتبرنا ان فلسطين ما زالت تحت الاحتلال والواقعية النضالية السياسية تفرض حقيقة وطبيعة التحالفات بعيدا عن اللغة الطائفية والصراع الوهمي المتمثل بصراع العقائديية البوهيمية غير المقبولة والخارجة عن النسق العقائدي ذاته.

ان انصار الواقعية الجديدة لا يرون بكل اشكال المقاومات وليس بالضرورة المسلحة او العنيفة لسياسات الاحتلال ورعاته خروجا عن نمطية هذه الواقيعة وتخريب الرؤية السياسية التي يحاولون ان يتعاطوا ونتاجاتها على الأرض، كأن يقال مثلا ان الصراع الامريكي الايراني في المنطقة أكبر من ان نفرض فيه اي حقائق او وقائع جديدة على اعتبار ان ثمة توافق واتفاق ايراني امريكي على التقاسم الوظيفي في المنطقة وبالتالي من الضروري التعاطي والمطروح على أرض الواقع وان يتخلى انصار التمسك بالثوابت عن ( اللغة الخشبية) اتجاه هذا الصراع ، وبالتالي علينا ان نسلم بالمطروح امريكيا وبقواعد الاطروحة الامريكية الاسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة ككل وفقا لمنطق الواقعية السياسية وانصار الليبرالية العربية الجديدة، وان نصدق ان امريكا راعية مصالح العرب من الخطر الايراني، وبالتالي ان نحدد الموقف على هذا الاساس.

وفي ظل تصارع لغة الواقعية الجديدة وانصارها مع اللغة الوطنية العربية المستندة الى الحق الوطني والعروبي التاريخي نجد هؤلاء الواقعيين يحاولون الرهان على الأطروحة الدولية عبر بوابة الأمبرطورية الإمريكية وسياساتها في المنطقة لعلهم يجدون من خلال هوامش هذه السياسات بعضا من الفتات يقتاتون فيه لممارسة الكلام السياسي وفن التنظير الواقعي حول ضرورات المرحلة ومتطلباتها وحضارية التعاطي السياسي واخلاقيات العصر الإمريكي في ادارة الشأن الدبلوماسي على قاعدة مراعاة المصالح ومناطق النفوذ وضرورة تقديم التنازلات المطلوبة حتى نأخذ مكاننا في نادي الليبراليين العرب الجدد المتفقين مع المحافظين الجدد في بلاد العم سام، وحتى نكون على تواصل مع عواصم الاعتدال العربي.

هذا النادي من اهم شروط عضويته ان يتم التخلي عن (اللغة الخشبية) قي القضايا الوطنية والقومية كقضية القدس وقضية اللاجئين، والأهم ان يتم نبذ الارهاب بكافة اشكاله وانواعه من ضرب الحجر والاعتصام والتظاهر وحتى التعبير عن وجهة النظر، بمعنى آخر يجب ان نحاور الأخر في معادلة الصراع وان نقبل مبدأ الحوار والتحاور على كل ممارسة اسرائيلية، ولهم الحق ان يفعلوا ما يشاءون دون ان يكون لنا الحق بمجرد تعزيز اسباب الصمود والثبات... وان كانت المصلحة العربية والفلسطينية على وجه الخصوص تتطلب تحديد تحالفات وفقا لأجندة النضال الوطني الفلسطيني التمركز في ظل المعادلة التصارعية الحاكمة للمنطقة وبالتالي انعكاساتها على واقع الصراع العربي الإسرائيلي ، يصبح تحديد هذا الموقع والانخراط فيه مغامرة كبرى ومساندة الباطل على الحق في ظل صراع يزيد ومعاوية وتسويق هكذا اطروحات معلومة ومعروفة الاهداف والمرامي.

ان ايران وهي تخوض اليوم واحدا من اعقد اشكال المواجهة مع امريكا وحلفاءها انما تؤسس لواقع اقليمي جديد يفرض قواعد اشتباك جديدة، وتدرك امريكا هذا المعنى وانها لم تعد الحاكمة المطلقة للمنطقة وان ثمة قوانين لا بد لها من الالتزام بها، وعلى هذا الاساس فإن السياسات الامريكية لا بد ان تتعاطى وهذه الحقائق، وبالتالي فإن المنطقة قد اضحت منقسمة على ذاتها ومتصارعة في ظل سياسات المحاور هذه.

لقد أثبتت ايران، كواحدة من الدول العظمى إقليميا، اليوم انها تقود معسكرها باقتدار وبحساباتها الخاصة وفقا لمنظومة الفهم السياسي لواقع المنطقة الراهن. من هنا اعتقد ان ابجديات العمل السياسي تحتم علينا تحديد الموقف بعيدا عن الاوهام بامتلام امريكا كافة اوراق المنطقة وان بيدها تحديد منطق السلم ومنطق الحرب ، ولا بد هنا من اعادة التموضع فلسطينيا وفقا للمصالح الفلسطينية النضالية كما اسلفنا. ويكفي في هذا السياق موقف رأس الدولة العبرية نتنياهو الذي قال إن إسرائيل تقف بشكل تام مع الولايات المتّحدة.

وقال نتنياهو في مؤتمر للمنتدى الكنسي في مركز بيغن إن "قاسم سليماني كان مسؤولا عن قتل المئات والرئيس ترامب يستحق المباركة على تحركه بسرعة وجرأة وحزم بشأن سليماني". وتابع:" سنضرب بعنف أي طرف يحاول مهاجمة إسرائيل".

هذا الموقف باعتقادي كاف لفهم مجريات ما يحدث وما سيجري وسياسة شد الاعصاب وسياسة العصا والجزرة الدائرة رحاها الأن اقليميا.

وفي سياق التعاطي السياسي الرسمي الإقليمي والمبرمج الى حد ما امريكيا على شكل صبغة دولية ثمة ملاحظات لا بد من ابرازها امام رواد الواقعية السياسية الجديدة في المنطقة ولعل اهم هذه الملاحظات تتلخص بالآتي:

- ان إدارة البيت الأبيض لا ترى ان الوقت قد حان لحل قضايا ما يسمى بالمرحلة النهائية فيما يخص القضية الفلسطينية والمقصود طبعا قضايا القدس واللاجئين واقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة... الااذا ما اعتبرنا ان يسمى بتسريبات مما يمسى بصفقة القرن هاي الحلول للقضايا السالفة الذكر.

- اشاعة جو سياسي ودبلوماسي عام في المنطقة من قبل البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية بالتعاون مع الواقعيين العرب والفلسطينيين الجدد بإعتبار ان المنطقة غير مهيئة لإحلال ما يسمى بالسلام التسووي وفقا للرؤوية الفلسطينية والدولية المنسجمة وقرارات الشرعية الدولية وعلى أسسها ... وهذا ما يعبر عن الموقف الإسرائيلي تماما...

- محاولة تثبيت وترسيخ مفهوم النزاع الحدودي على الصراع العربي الإسرائيلي، وهو على الأقل ما تحمله وتدلل عليه الأطروحات الإمريكية الإسرائيلية وهذا يتجلى بشكل واضح في النظرة الإسرائيلية للعملية السلمية والتي تدعو الى اقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة تتفاوض مع الجانب الإسرائيلي على القضايا المُختلف عليها وهو ما يروج له انصار الواقعية السياسية تحت شعار انجاز ما يمكن انجازه. بمعنى ان المطلوب تقديم التنازلات من قبل الجانب العربي والجانب العربي طبعا لا يبخل بتقديم هكذا تنازلات.

- محاولة ترسيخ مفهوم محور دول الإعتدال العربي ( السني الظاهر..) في مواجهة المد الشيعي..( الخطر الإيراني..) لخلق فزاعة سياسية جديدة امام النظام العربي الرسمي خدمة للمصالح الإمريكية في المنطقة... في مواجهة المد القومي العربي المستند الى المقاومة والممانعة...

ثمة فشل سياسي امريكي في المنطقة تتم المحاولة لتجييره لمصلحة سياسات البيت الأبيض وذلك عبر ادارة العلاقات العامة حول القضية الفلسطينية.

- محاولة تغيير مفهوم الأمن القومي العربي العربي وتغيير بوصلته بإتحاه ايران وتراجع الخطر الإسرائيلي على الأمن القومي العربي برمته...

- ثمة محاولات لتدجين قوى الممانعة والرفض للسياسات الإمريكية وبالتالي الإسرائيلية في المنطقة وتحديدا حماس وما سياسات حماس الاخيرة على الاقل تجاه القضايا الوطنية الاقليمية الا دليل على ذلك.

لا بد من الادراك ان الوجود العسكري الامريكي في المنطقة بدأ بالتقهقر وعليه فإن العد التنازلي لهذا الوجود قد بدأ وليس أدل على ذلك سوى ما تأتي به الانباء.

وبهذا ارى ان التعاطي "الواقعي" والقضايا المطروحة انما يصب في خدمة دبلوماسية الفعل الإمريكي والإسرائيلي والذي لا يتعدى في احسن احواله شأنا من شؤون العلاقات العامة يتم العمل على مساراته المختلفة ظرفيا وفقا للأجندة الإقليمية الإمريكية في المنطقة ومتطلباتها.