مطلوب وسيط دولي لوقف التدهور الأميركي - الإيراني

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل


أُمِر المواطنون الأميركيون الموجودون في العراق بتحصين سكنهم، والتواجد في مكان قريب من الملاجئ.
ويعزز الجنود الأميركيون، الذين يوجدون في المعسكرات العراقية، حيث يقومون بتدريب جنود الجيش العراقي، الحراسة، ويضيفون أكياس الرمل حول مواقعهم.
ثلاث دول من دول التحالف الغربي، التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أعلنت عن تجميد نشاطاتها من أجل زيادة حماية حياة جنودها.
بعد أن فتحت القيادة الإيرانية وزعيم "حزب الله"، حسن نصر الله، حقل الصيد لأهداف أميركية وفي أعقاب إطلاق القذائف والصواريخ على القواعد الأميركية في العراق بعد تصفية قاسم سليماني، فان الدفاع التكتيكي تحول إلى استراتيجية فورية ضد التهديدات.
وإذا قررت إيران ضرب أهداف أميركية وأهداف مؤيدة لأميركا، فهي ليست بحاجة إلى الذهاب بعيدا.
ففي أفغانستان والعراق هناك ما يكفي من الأهداف الأميركية في متناول اليد، ومثلها يوجد في شمال سورية أيضا.
ولكن إيران لا تزال مقيدة بالمعضلة التي رافقتها منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرضت عليها وجبة مؤلمة من العقوبات: ما هي حدود الرد الفعال الذي يمكنه إحداث انعطافة في السياسة الأميركية وفي الوقت ذاته لا يحول إيران إلى هدف قتالي شرعي.
هذه المعضلة أضاف لها اغتيال سليماني اعتبارا خاصا وهو الانتقام للمس بمكانتها.
من خلال سلسلة الهجمات على الأهداف في الخليج، على منشآت النفط السعودية، وعلى القواعد العسكرية التي يوجد فيها جنود أميركيون في العراق، أرادت إيران إظهار القدرة على تشويش حركة الملاحة في الخليج، والتسبب بذعر دولي يُحدث ضغطا سيؤدي إلى تغيير سياسة العقوبات.
وتفسير إيران لسياسة عدم رد دونالد ترامب هو أن المس بأهداف منعزلة لن يؤدي إلى هجوم شامل ضدها، لكنه يمكن أن يجند إلى جانبها دعم عدد من الدول الأوروبية وصناعة النفط، وحتى دول الخليج.
وإحدى المكافآت التي حققتها إيران من هذه السياسة المصممة هي انسحاب قوات دولة الإمارات من اليمن وعقد اتفاق تعاون عسكري بينها وبين إيران، وهي الخطوة التي أدت إلى إنهاء هجمات الحوثيين على أهداف تابعة للأمارات.
مهاجمة منشآت النفط السعودية في منتصف أيلول كانت اختبارا مهما للاستراتيجية الحازمة والمركزة، حيث إن حجم الأضرار التي تسببت بها وضع أمام الاختبار الأول استعداد الولايات المتحدة للتجند بنفسها ومهاجمة إيران بسبب المس بحليفتها.
اجتازت إيران هذا الاختبار بنجاح، وسارع ترامب في حينه إلى التوضيح بأن السعودية هي التي يجب عليها أن تقرر هل سترد وكيف، وأن الولايات المتحدة ستقف في خدمتها مقابل الدفع كما هو مفهوم.
وأعلنت السعودية عن معارضتها لشن حرب على إيران، وبذلك رسمت حدود الشراكة للتحالف المناهض لإيران. ولكن مكاسب إيران لم تحررها من المشكلة الرئيسة. فكل الهجمات لم تنجح في تغيير السياسة الأميركية تجاهها.
أيضاً سياسة "تقليص الالتزام بالاتفاق النووي"، التي تعني خروقات محسوبة ومخططا لها للاتفاق النووي بهدف تسريع الحوار الدولي لرفع العقوبات، لم تثمر النتيجة المطلوبة بالنسبة لإيران.
ولم تنجح دول الاتحاد الأوروبي في تطبيق نظام تجاوز العقوبات الذي عمل عليه بشكل جدي الرئيس الفرنسي، عمانوئيل ماكرون، وتبين أن روسيا والصين هما حليفتان صامتتان يمكنهما منع فرض عقوبات في منتدى دولي مثل مجلس الأمن، لكن لا يمكنهما رفع عقوبات قائمة.
في هذا الأسبوع وصلت إيران إلى نهاية مسار خرق الاتفاق النووي عندما أعلنت أنها ترى نفسها متحررة من كل قيد فرضه عليها الاتفاق، سواء بالنسبة لكمية تخصيب اليورانيوم أو نوعيته، وأنه منذ الآن ستخصب اليورانيوم حسب "احتياجاتها التقنية".
ومن الجدير التذكير بأنه حتى هنا ما زالت إيران حذرة كي لا توفر ذريعة لاندلاع الحرب.
وهي لا تشير إلى احتياجاتها التقنية، هل هي إنتاج الكهرباء أم إنتاج الذرة لأغراض البحث، أم السلاح النووي.
وهي لا تحدد مستوى التخصيب وتتمسك بالسياسة التي بحسبها توافق على العودة إلى الاتفاق النووي إذا رفعت أميركا العقوبات، وأنها ستستمر في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية.
مرة أخرى تختبر إيران سياسة ضبط نفس الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وهي تعرف جيدا حدود "ما يمكن تحمله" والأخطار التي تكتنف خرق الاتفاق. ولكن الحديث لا يدور عن "اختبار التحمل" الذي تجريه على الدول الغربية وإسرائيل. فهي تعتبر هذه الدول دولا لا توجد لها استراتيجية فاعلة يمكنها إعادة الاتفاق النووي إلى ما كان عليه، أو بدلا من ذلك معاقبة إيران عسكريا.
وبعد استنفاد الولايات المتحدة لذخيرة العقوبات ورغم الضربات الاقتصادية، هي لم تنجح في تحطيم اقتصاد إيران، ولا يوجد أي تأكيد على أن الخيار العسكري سيصل إلى مستوى التطبيق إزاء سياسة ترامب وهي عدم الغوص عميقا في صحراء الشرق الأوسط.
ربما تكون إيران دفعت إلى الحائط الاقتصادي، لكن الغرب يوجد في قفص سياسي فيه مجال ردوده آخذ في التقلص إذا لم يتم العثور على قناة مفاوضات معقولة مع إيران.
غرد الرئيس ترامب، أول من أمس، بحروف كبيرة بأنه لن يكون لإيران في أي يوم سلاح نووي. هذا اقتباس دقيق من تعهد الرئيس اوباما.
ولكن كيف سيتعامل ترامب مع مراحل خرق الاتفاق الذي انسحب منه هو نفسه؟ هل تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20 في المئة سيعتبر تجاوزاً للحدود في طريق إنتاج السلاح النووي؟ وهل سيضطر، مثل الرئيس أوباما، إلى المساومة مع بنيامين نتنياهو؟ ومتى ستكون إيران قادرة على إنتاج القنبلة؟ لا يسقط ترامب في هذا الشرك، ومن الأسهل التهديد بقصف مواقع ثقافية إيرانية رداً على المس بالجنود والمواطنين الأميركيين مثلما فعل، من رسم خارطة طريق جاهزة تنقذ المنطقة والعالم من التهديد الذي تسبب به عند انسحابه من الاتفاق النووي.
وإلى حين يحتاج إلى هذه المسألة، تلقى ترامب صفعة أخرى عند مصادقة البرلمان العراقي على اقتراح مشروع قانون يطلب إبعاد جميع القوات الأجنبية من العراق.
والقانون الذي أجيز بأغلبية كبيرة، ولكن من دون أصوات ممثلي السنة والأكراد الذين غابوا عن الجلسة، ما زال بحاجة إلى مصادقة الحكومة، لكن ترامب سارع إلى التهديد بأنه سيقوم بفرض عقوبات شديدة على العراق، حيث تكون العقوبات التي فرضها على إيران ضئيلة مقارنة معها.
مواطنون عراقيون ونشطاء في الشبكات الاجتماعية في العراق سارعوا إلى التعبير عن معارضة هذا القانون، حتى أنهم تظاهروا أمام البرلمان وطلبوا حله.
والسؤال هو هل حركة الاحتجاج الكبيرة التي هدأت، مؤخراً، ستتجدد وتهدد النظام في العراق؟ وعلى فرض أن القانون ستتم إجازته في الحكومة وستفرض العقوبات على العراق فما الذي ستحققه الولايات المتحدة؟ في الوضع الذي فيه معاقلها في الشرق الأوسط آخذة في التلاشي فإن القطيعة مع العراق، الذي سيتحول إلى محمية إيرانية، ستشكل تهديداً على حليفات الولايات المتحدة، ومنها إسرائيل.
إزاء التصعيد اللفظي غير المسبوق والتهديدات الاستراتيجية التي يشعلها فإن الخوف من انتقام إيران انتقاماً لتصفية سليماني سيصبح أمرا ثانويا.
والآن مطلوب وساطة سريعة وحكيمة وتصميم دولي يوقف التدهور، ويحبس المارد في القمقم. ومن المشكوك فيه إذا كان في هذه الأثناء أي شخص يمكنه ومستعد لأخذ هذه المهمة على مسؤوليته.
عن "هآرتس"