بقلم: دان شيفتن*
النظام العالمي موضوع على جدول الأعمال. ليس أقل من ذلك. هذا هو المنظور اللازم لبحث جدي في تصفية سليماني وآثارها. ما يقف بيننا وبين الفوضى، ويسمح باستقرار نسبي لعالم عاصف وخطير، هو النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، والذي صمم بعد الحرب العالمية الثانية. لا يوجد مرشح آخر لقيادته. حتى الصين، التي تقضم فيه، غير قادرة وغير راغبة في هذه المرحلة في الحلول محله. أما النظر في ترشيح أوروبا و"الأسرة الدولية" الموهومة خاصتها، فيحتاج إلى حس دعابة حاد.
تقوض إيران هذا النظام بسعيها إلى سلاح نووي وإلى هيمنة إقليمية، في ظل الحصانة التي يفترض بها أن يمنحاها إياها. النظام الحالي أخطر من الجهات غير المسؤولة الأخرى التي حققت نووياً عسكرياً: الباكستان بحاجة إليه كي تدافع عن نفسها ضد الهند، وكوريا الشمالية كي تحافظ على نظامها. ليس لكليهما فرصة وليس لهما سعي فاعل لسيطرة إقليمية. أما إيران فتوجد في ذروة جهد منهجي وذكي لفرض هيمنتها على منطقة غير مستقرة وعنيفة، تتشكل في معظمها من دول عربية فاشلة، مجتمعات قبلية لا تؤدي مهامها، وأقليات قابلة للتجند والتفعيل من طهران.
هيمنة مسنودة بقدرة نووية في المفترق الإستراتيجي المهم والغني هذا، ستجعل النظام الراديكالي المسيحاني وعديم المكانة لاعباً عالمياً. وهي ستبث أثرها ليس فقط على دول إسلامية في العالم، بل أيضاً ستكون عاصمة – مصدر الإلهام، التمويل، والسلاح – لكل جهة ثورية واستفزازية على وجه الكرة الأرضية. على ذلك تشهد شبكة الإرهاب العالمية القائمة لإيران، التي لا تزال غافية في معظمها، بما في ذلك في شرق آسيا، في جنوب أميركا وفي داخل الولايات المتحدة وأوروبا. في الحاضر يهدد هذا النظام المسيحاني النظام العالمي. إذا نجح في أن يسيطر على النفط، المعابر الإستراتيجية، والأماكن المقدسة، ويربط في خدمته الغضب والعنف في الشرق الأوسط وفروعه في الغرب، من شأنه أن يهدد أسس نمط حياة الحضارة الغربية.
هذا النظام جدير باللجم، والإضعاف، والردع، وتقويض أساساته. لقد صالحه أوباما في اتفاق وعد بهدوء مؤقت، بالضبط حين كان الإيرانيون بحاجة لمثل هذا الهدوء، كي يطوروا وسائل إطلاق الصواريخ والرؤوس المتفجرة. وقد تصرف هكذا في ظل تجاهل زخم الإنجازات في مجال يأتي السلاح النووي لحمايته – السعي إلى الهيمنة الإقليمية. أما ترامب، بالمقابل، فيضرب هذا النظام في المكان الأكثر هشاشة – مداخيل الدولة، الأمر الذي يفشل محاولة النظام أن يضمن دفعة واحدة احتياجاته الإستراتيجية الثلاثة الأساسية: الهدوء في الداخل، الهيمنة الإقليمية، والنووي. تضرب العقوبات ذات الأسنان في المجالات الثلاثة: توقظ الاحتجاج الداخلي، تقلص المقدرات للوكلاء، وتوقف الاستثمارات الكبرى في النووي ووسائل إطلاقه.
إن استفزازات إيران اليائسة – هجمة الناقلات، إسقاط المسيرة، المس بتصدير النفط السعودي، هجمة السفارة – تدل على ضائقة عميقة في ضوء نجاح العقوبات. فهي تستهدف جر ترامب إلى مواجهة في صيغة تخيف ناخبي تشرين الثاني، وتقنعهم بفكر أوباما وكأن البديل هو بين المصالحة وبين الحرب والكثير من القتلى الأميركيين. لقد فضلت الولايات المتحدة عدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية مبادر إليها، وتشديد الضغوط في المجال الاقتصادي المؤلم، الذي أثبت نجاعته. وبالتوازي بحثت عن خطوة ضارة ومهينة ترمم الردع حيال إيران ومصداقيتها في نظر حلفائها في المنطقة. لقد قدمت تصفية سليماني خليطاً متكاملاً.
إيران هشة أكثر من أي وقت مضى. لدى الولايات المتحدة الأدوات لضربها ضربات شديدة دون الدخول إلى مواجهة برية مكثفة. والمقارنة مع حرب العراق تدل على الجهل أو التلاعب. فالتبذير الهائل للدم والمال لم ينشأ عن المواجهة مع صدام حسين، بل عن تواصل التواجد لأجل تنفيذ وهم إقامة ديمقراطية للعرب. وفي وجه الثأر الإيراني المحدود، توجد أدوات لرد موضعي أليم ومهين. على ثأر كثيف يمكن لقوة عظمى أن تجبي ثمناً لا يطاق، في ظل تجاهل المطالبة السخيفة لإثبات الرسمية أو المسؤولية الإيرانية. هناك حاجة فقط للقرار المسبق بعدم اللعب وفقاً لقواعد إيران وأوروبا.
عن "إسرائيل اليوم"
* د. رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي في جامعة حيفا.