نتنياهو يحاول أن يسلب إيران ذريعة المس بإسرائيل.. ولكن

حجم الخط

بقلم: حيمي شليف


كان يحيى عياش بلا أدنى شك يستحق الموت. فقد قام مهندس «حماس»، الذي تمت تصفيته في كانون الثاني 1996، بتطوير الأحزمة الناسفة التي حملها «الانتحاريون» وحوّلها إلى أكثر فتكا. أثارت تصفيته الإعجاب والهتاف بين الجميع في الرأي العام. شمعون بيريس، الذي صادق على عملية التصفية، اعتبر للمرة الأولى في حياته، قاتلا يحمل سكينا بين أسنانه.
النهاية معروفة: أشعلت تصفية عياش الشارع الفلسطيني، وجعلت «حماس» تزيد قوة العمليات «الانتحارية».
ففي ثمانية أيام نفذت أربع عمليات، عملية في عسقلان وعملية في ديزنغوف سنتر وعمليتان في خط 18 في القدس، قتل فيها 59 إسرائيليا.
الدهشة والخوف في الرأي العام حولت بيريس من بطل شجاع إلى انهزامي مذعور، ورفعت إلى الحكم بنيامين نتنياهو، وغيرت وجه الدولة إلى الأبد.
في 15 آب 2001 تمت تصفية رئيس الجبهة الشعبية، أبو علي مصطفى، الذي كان مسؤولا عن عمليات كثيرة، بالأساس بوساطة السيارات المفخخة.
ورثته وعدوا بالانتقام من «المستوى السياسي الرفيع» في إسرائيل، وقد نفذوا هذا الوعد.
فبعد شهرين قامت خلية من الجبهة الشعبية بقتل الوزير رحبعام زئيفي. زادت عملية القتل هذه تطرف الرأي العام في إسرائيل، وحولت زئيفي، الذي اعتبر حتى ذلك الوقت منبوذاً بسبب تأييد الترانسفير، إلى بطل قومي.
وقد شارك آلاف الأشخاص في جنازته. ورغم ذلك، في الذاكرة الجماعية الوطنية تم شطب العلاقة بين السبب والمسبب.
التصفيات المركزة، سواء أدت إلى انخفاض عدد العمليات مثلما حدث بعد تصفية الشيخ أحمد ياسين في 2004، أو ازدياد «الإرهاب» مثلما حدث في «آذار الأسود» بعد تصفية رائد الكرمي في 2002، الذي قتل فيه 130 إسرائيلياً، ستعتبر حتى في العام 2020 أسلوب عمل مبررا وناجعا.
وحتى عندما أدت إلى تتويج حسن نصر الله رئيساً لـ «حزب الله» في أعقاب تصفية عباس موسوي في العام 1992.
لذلك، أثارت تصفية قاسم سليماني ليس فقط تحمسا مفهوما لقتل عدو ذكي ووحشي، بل أيضا الغضب على من تجرأ على الإشارة إلى الأخطار التي تكتنف هذه التصفية.
عزز دونالد ترامب مكانته كبطل إسرائيل، في حين أن الديمقراطيين الذين تحفظوا في معظمهم على العملية تحولوا في نظر المحللين إلى انهزاميين يساريين فقدوا البوصلة.
ولكن توجد للولايات المتحدة ذاكرة تاريخية أخرى. مفهوم التصفية المركزة ارتبط بالمقام الأول بسلسلة طويلة من محاولات قتل زعماء أجانب، نفذتها الـ «سي.آي.ايه» في الستينيات والسبعينيات، كما يبدو خلافا للقانون.
أميركيون كثيرون لم ينسوا أن الأوساط ذاتها التي تنفعل الآن من تصفية سليماني هي التي دفعت في العام 2003 نحو الحرب في العراق، التي تعتبر إحدى الحروب الزائدة والضارة في تاريخهم.
خلافا لمشجعيه الإسرائيليين، معظم الأميركيين غير قادرين على الفصل بين قراره الحكيم بعض الشيء، تصفية سليماني، وبين سلوكه الوحشي في أي ساحة أخرى، داخلية وخارجية على حد سواء.
تهديده بقصف 52 هدفا لإيران، بما في ذلك مواقع تراث عالمي، لا يعتبر فقط إعلانا بربريا عن النية بتنفيذ جريمة حرب، بل هو رمز للجنون الذي يمكن أن يشعل الشرق الأوسط، وينزل ضربة شديدة على إسرائيل أيضا.
بنيامين نتنياهو هو أحد الزعماء القلائل في العالم الذين باركوا التصفية. ولكن رغم الإغراء الانتخابي، فإنه حذر، على الأقل حتى الآن، من أن ينسب الفضل لنفسه.
لم يكرر نتنياهو تصريحه قبل شهرين بأنه «لم يكن هناك أي شخص أثر في السياسة الهجومية للولايات المتحدة تجاه إيران أكثر مني، والجميع يعرف ذلك».
يحاول نتنياهو أن يسلب إيران ذريعة المس بإسرائيل، لكنه يعرف أيضا، خلافا لمعظم مواطنيه، أن التصفية المدهشة اليوم يمكن أن تظهر كبكاء للأجيال في الغد.
عن «هآرتس»