حين يلعب القادة ورقتهم الشخصية

images (5)
حجم الخط


12 أيلول 2015

تأجل إذن، تحت ضغوط ودعوات فصائلية محلية وأُخرى إقليمية ودولية، انعقاد المجلس الوطني إلى وقت مستقطع آخر، لكنه في نهاية المطاف يبقى أن ما يهم في الموضوع وفي نتيجة كل هذا السجال، ان كانت الرسالة وصلت من وراء هذه الدعوة الى كل مَن يعنيهم الأمر، وأظن أنها وصلت إذا كان الرجل أثبت للقاصي والداني أنه يملك خياراً وأنه يجرؤ على التلويح بهذا الخيار لقلب الطاولة على الجميع، وأنه من طراز حقيقي من القادة يستطيع ويعرف متى يلقي بأوراقه على الطاولة.

ها نحن يا بنيامين نتنياهو نملك الخطة "ب" إذا كانت السيدة ام كلثوم قالت منذ زمن "إنما للصبر حدود"، وكان عرفات يردد ذلك ولكن فقط محمود عباس، هو الذي يلوح الآن بوضع حد تاريخي للصبر التاريخي الذي مارسه الفلسطينيون على مدى العشرين عاماً من المفاوضات، والتوقيع على ما كان يسميه عرفات سلام الشجعان. لا يا بنيامين نتنياهو لا أنتم شجعان ولا نحن مجموعة من البلهاء أو كما نقول بالعامية "نريّل على انفسنا". اذا لم تكن السلطة فلتكن الدولة وقد فاتكم القطار الآن، وهذا هو الاستحقاق اليوم في أيلول الجديد من أيلولنا هذا الذي لا يشبه أيلولنا القديم في القصيدة العام 1982.
دعونا نتعلم للمرة الثانية كيف يمكن للقادة أن يلقوا بورقتهم الشخصية، عرفات في معركة طرابلس العام 1983 لإنهاء الانشقاق في "فتح" الذي كان من ورائه حافظ الأسد، ومحمود عباس في المرة الثانية لإغلاق ووقف هذه التقيحات الداخلية بعد سبع سنوات من الانقسام، الذي كان جزءاً من تداعيات الصراع على سلطة أوسلو الوهمية. هيا إذن نغير قواعد اللعبة لا إلى تشكيل الحكومة الثورية المؤقتة في المنفى، ولكن حكومة الدولة الفلسطينية على ارضها المحتلة حكومة منظمة التحرير الفلسطينية، برد الفرع إلى الأصل إلى ما يذهب إليه فقهاء الإسلام.
هل كانت تصريحات او ما يسمى بمبادرة مشعل الأخيرة هي بمثابة التعبير عن بلوغ هذا المرام إلى العنوان والهدف؟ اذا كان فحوى هذه التصريحات هو ان لا وقت اليوم للتأخر أو التلكؤ، وأنه الآن هيا يا شباب للدخول في منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة ترتيب هذا البيت على حد سواء. اذا كان خالد مشعل هو الآخر لا يستطيع مواصلة التجديف في قارب مستقل عن الرئيس أبو مازن وفتح، وحقيقة الأمر تبدو "حماس" هي الأُخرى في نقطة او زاوية أُخرى من المأزق المشترك، لكن السؤال المطروح المرة بعد المرة هو حول الأسلوب والطريقة التي تؤمن لهما القدرة على إعادة إنتاج التسوية الداخلية الخلاقة بصهر التعارضات في بوتقتها؟ وهل نضجت الظروف الموضوعية والذاتية معا لتحقيق هذه النقلة الكبرى؟
ان في قرارة أعماق الحالة العاطفية والنفسية السياسية للرئيس عباس، ربما يقف إرثه السياسي والتاريخي الذي سيتركه خلفه، وأظن ان الانقسام الكبير الذي حدث في عهده سيظل هاجساً يؤرقه، لكن المسألة عند هذا المنعطف ربما تتجاوز هذا الهاجس الشخصي، إذا كانت المسألة المطروحة اليوم هي إما نكون أو لا نكون، إما نحن وإما هم. ولا نكون إلا بالكل الوطني أو الجمعي، وليس هذا ممكناً أي التقليع من هنا، من دون غزة أو بالضفة وحدها. 
وإذا كنتَ بصدد الانتقال إلى الهجوم فإن عليك تدعيم خطوطك الخلفية، توازن المناعة الداخلية، وهذه هي اللحظة للعب ورقة "حماس" سياسياً إذا كان الأسلوب والهدف في هذه المرة الثانية مختلفاً، لعب ورقة "حماس" في المرة الأولى من قبل عرفات عسكرياً في الانتفاضة الثانية، وفي هذه المرة في إطار التوظيف السياسي للهجوم الدبلوماسي والسياسي المعاكس الذي يقوده الرئيس أبو مازن.
إن هواجسهما الصغرى او التفصيلية المباشرة ربما كانت على طرفي نقيض او هي كذلك بالفعل. لكن حساباتهما الكلية هي واحدة، فاذا كان صحيحاً أن لـ "حماس" حلفاء أقوياء في البيئة الإقليمية وهم أطراف وازنة، والحديث يدور عن حلفاء بوزن تركيا وقطر. إلا أن "حماس" لم تستطع إلى الآن إيجاد مخرج في التخلص او الفكاك مما يمكن وصفها بكماشة "كاناي"، بين مصر وإسرائيل. وبفوات الفرصة التي بدت في المدة الأخيرة ممكنة لإيجاد هذا الخلاص عبر البحر، فإننا نعود اليوم مجدداً الى عشية التوصل الى اتفاق الشاطئ، كما إدراك مشترك للدور الغزي الحاسم في الهجوم الفلسطيني المعاكس، فهذه هي لحظة العودة إلى المنظمة التي انطلقت من غزة كما هيا العودة الى غزة، فمن هنا نبدأ من جديد.
ولكن هل كان رد جون كيري والاتحاد الأوروبي هو تعبير آخر عن إدراك المجتمع الدولي لخطورة الوضع؟ اذا كان انفجار الشرق لا يحتمل في ظل هذا المشهد من زحف المهاجرين، انفجار الصاعق الفلسطيني الذي بالكاد يحاول أبو مازن منع انفجاره. وهل هذه إذن اللحظة التي يوجد بها العالم ناضجاً للإصغاء الى الرجل، اذا كنا اليوم في هذا الأيلول الجديد ما بعد انتصار باراك أوباما على بنيامين نتنياهو، ونهاية عهد الخوف من عقاب منظمة إيباك الشريرة.
ربما هذه لحظة كتابة كل منهما إرثَه الشخصي، أوباما الذي استحق "نوبل" مسبقاً قدم الآن كوبا وإيران. ولكن فلسطين هي القاسم الذي ربما يجمعهما الآن أبو مازن وأوباما، وهذه باختصار هي لحظة ما بعد الاتفاق النووي مع إيران. 
لقد كان التصويت في الكونغرس الأميركي نكبة لبنيامين نتنياهو الذي كان يفهم أميركا زمن رونالد ريغان، لكنه لم يفهم أميركا زمن باراك أوباما كما لاحظ محللون في الغرب، وعليه اليوم ربما ان يسدد فاتورة الحساب، اذا كان التطرف الذي يدعيه للإسلام السني متمثلا بتنظيم الدولة الإسلامية والتطرف الشيعي متمثلا بإيران إنما يتغذى بالأساس على تطرفه هو شخصياً، ومواصلة الاحتلال وعدم حل القضية الفلسطينية. وأظنها نقطة مواتية في التاريخ لكي يبدأ الرجل هجومه الكبير انطلاقاً من الأمم المتحدة.