لماذا رفض هرتسوغ صفقة نتنياهو «المغرية»؟!

بن كسبيت
حجم الخط

بقلم: بن كسبيت
12 ايلول 2015

إخلاء متدرج
جذور الضجة السياسية في حزب العمل مزروعة في القدس. نية اسحق هرتسوغ إحضار اقتراح تمديد ولايته حتى نهاية 2017 في مؤتمر الحزب تهدف في نهاية المطاف الى تمكينه من استنفاد المفاوضات المكثفة التي أجراها مع بنيامين نتنياهو. كان لرئيس الحكومة شرط واضح، الامر الذي منع هرتسوغ وقيده من الوصول الى صفقة. شرط نتنياهو هو صفقة بعيدة المدى.
الاتصالات بين هرتسوغ ونتنياهو مستمرة طول الوقت على نار هادئة، وبين فينة واخرى تقوم يد خفية بزيادة اللهب فتزداد النار، وبين فينة واخرى يقوم أحد ما باغلاق صمام الغاز (الطبيعي) فتخبو النار. في المرة الاولى التي ازداد فيها اللهب قبل بضعة اسابيع وافق نتنياهو على اقتراح استثنائي من ناحيته. كانت مشكلة هرتسوغ أنه لا يستطيع تقديم البضاعة التي يحتاجها نتنياهو: وعد بولاية كاملة. على مؤخرة بوغي يوجد ختم "انتهى المفعول". وهذا ليس شيئا شخصيا ضده. حسب دستور حزب العمل فإن الرئيس يجب عليه ترشيح نفسه للانتخابات التمهيدية خلال فترة أقصاها 14 شهرا بعد الانتخابات العامة (تموز 2016).
مر نصف عام، ولم يوقع نتنياهو على التحالف وهو يدفع الثمن للحصول على أقل من عام. وقد حدث هذا مع ايهود باراك.
لا تبشر الاحصائيات بوجود مصلحة لهرتسوغ. حزب العمل يلفظ رؤساءه، فجميعهم ذهبوا تقريبا (برغبتهم أو بشكل مفروض) بعد الخسارة في الانتخابات (فؤاد تمت اقالته قبل حصوله على فرصة ترشحه للانتخابات وهو رئيس للحزب)، هرتسوغ محنك ومتمكن أكثر منهم جميعا، وانجازاته في الانتخابات كانت أفضل، وقد وصل الى حيث وصل بجدارة، وهو يصارع الآن من اجل مملكته. وما زال مبكرا تأبينه. ومع ذلك فإن هجوم غولدائي عليه، هذا الاسبوع، لا يبشر بالخير، وليس واضحا اذا كانت لغولدائي القوة الكافية والجنود للسيطرة على الحزب. الامر الواضح هو أن تأييده يأتي من المواقع التي بوغي قوي فيها. يقفون فوق اللوحة ذاتها ولديهم الصوت الانتخابي ذاته. واذا خرج غولدائي ضد هرتسوغ فهذه علامة سيئة جدا لهرتسوغ (وممتازة ليحيموفيتش، التي تعتبر مواقع قوتها متخلفة).
اذاً، ماذا اقترح بيبي على بوغي؟ وزارة الخارجية والدفاع. الخارجية الآن والدفاع فيما بعد. وحسب هذا الاقتراح يفترض أن يأخذ حزب العمل وزارة الدفاع في منتصف الولاية، أي في نيسان 2017. الاتفاق بين "الليكود" و"المعسكر الصهيوني" كان يفترض أن يكون علنيا وأن يشمل بشكل واضح نقل هذه القيمة الاستراتيجية (وزارة الدفاع) في المنتصف الثاني من الولاية (يفضل عدم محاولة الحصول على رد بوغي يعلون). وكان يفترض أن تحصل يحيموفيتش على وزارة العدل. لا، نتنياهو رفض طرد "البيت اليهودي" من حكومته. فهو يعرف ما الذي يستطيع بينيت فعله من الخارج، لاسيما اذا استؤنفت المسيرة السياسية. وبدل ذلك اقترح بيبي على بوغي "اخلاء متدرج" لنفتالي بينيت. لنأخذ منهم أولا وزارة العدل، وبعد ذلك ننظر في الامر. وعندما تكون هناك مفاوضات سياسية سيفهمون ويذهبون بارادتهم.

تنازلات نتنياهو
التعويضات التي كان هرتسوغ سيحصل عليها من نتنياهو سخية مثل الرزمة التي يرفض نتنياهو الحصول عليها من اوباما. استئناف المسيرة السياسية، سيطرة هرتسوغ على المفاوضات مع الفلسطينيين، التعهد بمفاوضات حقيقية، وزارات من هنا وهناك، ووظائف متعددة. كل ذلك من اجل تحلية حبة الدخول الى حكومة نتنياهو (مع وجود بينيت فيها)، وتمكين هرتسوغ من التغلب على المعارضة الداخلية القوية. المطلوب من بوغي هو أن يتعهد للمدى البعيد، وهذا سبب محاولته تمديد ولايته حتى نهاية 2017.
هذا الهدف الذي تم كشفه هنا، الاسبوع الماضي، تسبب في اندلاع حرب شاملة داخل حزب العمل والمعسكر الصهيوني. فقد قفز غولدائي الى الداخل بكل قوته والحزب يغلي.
يستمر بيبي بشكل طبيعي: مهزوم في الكونغرس لكنه يعلن عن "انتصار اخلاقي". عالق في صيغة الغاز، لكنه يعلن "كل ما اريده يمكنني تحقيقه". يستدعي وسائل الاعلام لمقابلات العيد ويلغيها في اللحظة الاخيرة، يجري مقابلة مع نفسه ويمدح نفسه في الفيسبوك، ويستمر في تفكيك الاعلام، يوافق على بند "تكميم الافواه" ويسارع للقول إنه الغاه، لكنه لم يلغه بعد. وبين هذا وذاك يقفز مع السيدة الى برنشا، وبعد بضعة ايام الى لندن. نعم إنهما ما زالا يستغلان كل النفقات، الصغيرة والكبيرة، لمنزلهم الخاص في قيساريا على حساب الدولة، بما في ذلك رعاية الحديقة، مستشارة الحديقة، المياه والتسرب في البركة. لماذا مسموح للملكة اليزابيث وغير مسموح لهما؟.
موضوع المفاوضات السياسية لا يخيف نتنياهو الآن، القليلون يعرفون كم من الكيلومترات قطع في المفاوضات الاخيرة التي اجراها، بوساطة جون كيري وتسيبي ليفني، في الولاية السابقة. "وثيقة التنازلات"، التي كشف عنها زميلي ناحوم برنياع عشية الانتخابات الاخيرة، هي طرف جبل الجليد. فقد كانت جزئية ومبكرة، وكانت بعدها عدة وثائق أشمل تم التوصل اليها بين المحامي اسحق مولخو وحسين الآغا المقرب من أبو مازن. وبعد ذلك "تم تأميم" مسار لندن من المسار المركزي لجون كيري، مارتن اينديك وليفني، وتم تأميم الوثائق معه.
في نهاية المطاف وخلال الماراثون السياسي المكثف الذي اجراه كيري مع نتنياهو مدة خمسة اسابيع متواصلة تم التوصل الى "مسودة اطار" بين اسرائيل والفلسطينيين. قطع نتنياهو شوطا طويلا كونه يمينيا اسرائيليا، وقد وافق على اقامة جهاز لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتمويل دولي، ووافق على استيعاب عدد محدود من اللاجئين في اسرائيل على أساس انساني ولم شمل العائلات. اسرائيل هي التي تحدد عدد اللاجئين. وفي قضية اللاجئين ذهب أبعد من اولمرت. ووافق على الشرط الاساسي لحدود 1967 اضافة الى تبادل للاراضي. في القدس رفض بيبي التنازل. البند الذي يتعلق بالقدس كان غامضا واشتمل على "الاعتراف بالعلاقة الخاصة للطرفين بالقدس". ايضا حقيقة أنه لن يكون هناك اتفاق دائم بدون حل موضوع القدس.
مسودة اتفاق الاطار التي تبلورت بين طاقم المفاوضات الأميركي والطاقم الاسرائيلي تم ارسالها للنقاش في البيت الابيض، وهناك ظهرت المشكلات. مستشارة الامن القومي، سوزان رايس، زعمت أن الوثيقة تميل لمصلحة الطرف الاسرائيلي، وطلبت من أحد مساعديها مقارنتها مع معايير كلينتون للعام 2000. وقد أثبتت المقارنة أن رايس على حق. الأميركيون قرروا تصحيح المسودة وتعديل بضعة بنود فيها، البند الخاص بالقدس. في المسودة الاخيرة تم وضع البند الذي يقول "عاصمتين لاسرائيل وللدولة الفلسطينية ستكونان في القدس". هذا البند لم يُنقل رسميا الى اسرائيل خاصة للموافقة عليه، لكن المحامي مولخو، المقرب والمبعوث من نتنياهو، قال للأميركيين إن اسرائيل مستعدة لاعطاء أبو مازن كل ما يريده لأنه في نهاية الامر لن يقول الزعيم الفلسطيني "نعم".
صدق مولخو. في لقاء بين أبو مازن والرئيس اوباما في آذار 2014 قُدمت لابو مازن المسودة الأميركية لاتفاق الاطار. طلب اوباما الجواب خلال ثمانية ايام. الموعد النهائي لاطلاق سراح الدفعة الرابعة للأسرى الفلسطينيين اقترب، والأميركيون أرادوا مجالا للمناورة. لم يرد أبو مازن على اوباما حتى الآن. تماما كما لم يرد على اولمرت. إنه ليس شريكا في الاتفاق الدائم.
لذلك فإن بيبي لا يخشى أبو مازن، بل يخشى صوت اليمين أكثر. كل هذه المسودات والاتفاقات توجد عميقا في "مدى الانكار" الخاص به. عندما يوافق مسبقا فإنه بذلك يفصل نفسه عن الاوراق والنقاشات ويدعي أن هذا "اقتراح أميركي".
إنه يفعل ذلك من اجل الاستمرار في الحصول على اصوات اليمين عموما واصوات مؤيدي بينيت خصوصا. وهو ينجح في ذلك بفضل السذاجة والاهمال من قبل الأميركيين من جهة، ورفض وخوف الطرف الفلسطيني من جهة اخرى. وبسبب طريقة العمل هذه لم يتمتع نتنياهو بثمار التنازلات في حينه، لهذا فإن مكانة اسرائيل الدولية تستمر في التدهور. ومن جهة اخرى، يستمر في كونه رئيسا للحكومة.

عن "معاريف"