الانظمة العربية تسير عكس التاريخ... والاحتلال يعود ليرث الاستقلال!

حجم الخط

بقلم: طلال سلمان

 

يسير التاريخ بالعرب القهقرى، فيتوالى رجوعهم إلى الخلف، وتتعاظم عودة قوات الاحتلال الاجنبي إلى ديارهم، طاوية صفحة الاستقلال واحلام التحرر والوحدة والاشتراكية!

وليس من المبالغة القول انه ليس بين الدول العربية العديدة الا قلة قليلة تستطيع الادعاء انها قد تحررت تماماً من القواعد العسكرية الاجنبية (اميركية وبريطانية وفرنسية وبلجيكية الخ).

لقد سقطت حكومات ما بعد الاستقلال لعجزها عن النهوض ببلادها وتوفير اسباب منعتها، سياسياً واقتصادياً ومن ثم اجتماعياً، فبقيت ابوابها مفتوحة امام الهيمنة الأجنبية سواء عبر اقتصادها الضعيف، او عبر احتياج جيشها إلى السلاح والامان، او عبر خوفها من جيرانها الاشقاء واضطرارها إلى طلب النجدة من المستعمر القديم (بريطانيا وفرنسا وبلجيكا الخ) أو من المستعمر الجديد، الاميركي الجاهز دائماً للتدخل، وغالباً بذريعة مساعدة الدول الضعيفة للتقدم في اتجاه مستقبلها الأفضل!

إن نظرة واحدة إلى خريطة المشرق العربي تكشف أن القوات العسكرية الاميركية اساساً (ومعها في بعض الاحيان، وكما في العراق قوات بريطانية وفرنسية وبلجيكية وكندية!! هي من بقايا حملة تحرير ارض الرافدين من صدام حسين..)

كذلك فان في سوريا، وتحت عنوان "التحالف في مواجهة الارهاب" قوات روسية، برية وجوية وبحرية، وقوات اميركية (في الشرق حيث منابع النفط)، وقوات خاصة ايرانية لحماية النظام... ثم أن قوات تركية غازية قد اقتحمت الشمال السوري متقدمة نحو القامشلي- دير الزور، بذريعة مقاتلة الاكراد المتمردين، إلى أن تمكنت القوات السورية معززة بمفارز من الشرطة العسكرية الروسية من وقف تقدمها.. تمهيداً لإجلائها نحو الشريط الحدودي.

أما في شبه الجزيرة العربية وانحاء الخليج فان للقوات الاميركية قواعد عسكرية وبعثات تدريب و"خبراء".

***

الطريف أن هذه الدول، او معظمها، ما تزال تستخدم في أدبياتها او في " إجماعها" على البيانات التي تصدر روتينيا عن جامعة الدول العربية، شعار" تحرير فلسطين" ولو محرفاً بحيث يقتصر النص على "العمل لتنفيذ القرارات الصادرة عن الامم المتحدة"، او عن الجامعة العربية والتي "تؤكد على الحل السلمي لحقوق الشعب الفلسطيني في ارضه، وتحت سيادة سلطته الوطنية."

هذا في حين لا يتمكن المؤمنون المسلمون من اداء صلاة الجمعة في المسجد الاقصى، ولا المؤمنون المسيحيون من زيارة بيت لحم واقامة قداس الميلاد في كنيسة القيامة.

بالمقابل فان العدو الاسرائيلي يضرب، بطيرانه الحربي او بصواريخه بعيدة المدى القواعد العسكرية في سوريا، مع تركيز على قوات الدعم الايرانية، مخترقاً حدود لبنان متى شاء، مع محاولات لقصف الضاحية الجنوبية في بيروت.

***

ولقد كشفت الاغارة الايرانية بالصواريخ على قاعدة "عين الاسد" الاميركية في العراق أن ثمة قوات اجنبية اخرى في القواعد العسكرية الاجنبية هناك، بينها مجاميع من العسكر الاجنبي الذي اقتحم العراق في نيسان 2003 لإسقاط نظام صدام حسين، بينها قوات فرنسية وبريطانية وبلجيكية فضلاً عن القوات الاميركية التي قادت الحرب لإسقاط النظام، آنذاك.

في الوقت ذاته فان مصر مكبلة بمعاهدة الصلح مع العدو الاسرائيلي.. وهي بالكاد تسمح لجيشها بأن "يتابع" الموقف في ليبيا البلا دولة والتي تتجاذبها الآن قوى استعمارية متعددة بينها القوات التركية وقوات من فرنسا وقوات اميركية وقوات ايطالية، بعضها ظاهر، وبعضها يدخل ويتدخل تحت ستار التطوع..

ولقد هبط الرئيس التركي اردوغان، فجأة، في مطار تونس، بينما قواته تتحرك في اتجاه ليبيا... ولكن الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد رفض قبول اية قوات تركية، او المشاركة او حتى الصمت عن هذا الغزو التركي لجارته البلا دولة: ليبيا.

***

اليوم، وبعدما قصفت ايران بصواريخها بعيدة المدى، بعض القواعد الاميركية في العراق، جنوباً وغرباً، افتضح سر القوات الاجنبية الاخرى الموجودة في ارض الرافدين، فإذا هي آتية من انحاء اوروبية شتى..

كذلك فان دولاً بعيدة جداً عن مسرح المواجهة الايرانية-الأميركية، قد باشرت ارسال بعض أساطيلها إلى المحيط الهادئ، امتداداً إلى بحر العرب، بذريعة حماية قوافل سفنها التي تشحن اليها النفط العربي او الإيراني..

فاليابان، ومثلها الصين، فضلاً عن الروس، قررت اثبات حضورها في "المولد" الجديد، والمطالبة بحصتها من الغنيمة، طالما أن اهل سواحل هذه البحار في غفلة او في عجز عن حماية مياههم الاقليمية وكرامتهم الوطنية.

...هذا بينما تندفع قوات خليجية إلى احتلال اليمن، وتتيح بفوضى تدخلها اعادة كابوس تقسيم اليمن إلى دولتين: جنوبية، للإمارات التي جيشها من المرتزقة والقوات الآتية بالأجر من خارجها (للمثال فان الحكم الجديد بالسودان قد استعاد اكثر من خمسة الاف جندي سوداني كانوا يعملون بإمرة الشيخ محمد بن زايد في احتلال جنوب اليمن..)

ودولة اليمن الآن ممزقة شمالاً وجنوباً في ظل مشروع هيمنة سعودي في الشمال، ومشروع هيمنة اماراتي في الجنوب وصولاً إلى جزيرة سوقطرة في المحيط.

واسرائيل تفتتح قنصلية في دولة الامارات العربية المتحدة، ونتنياهو يبدي سعادته لهذا التطور في العلاقات مع هذه الدولة مؤكدا استعداده لزيارتها في أقرب فرصة، بعدما فتحت امامه ابواب سلطنة عُمان، واستقبله السلطان الراحل قابوس، الذي كان نادراً ما يستقبل مسؤولاً زائراً، وعلى وجهه ابتسامة عريضة ... تؤكد التزامه بتحرير فلسطين من محتلها الصهيوني.

رئيس تحرير صحيفة "السفير" اللبنانية

ينشر بالتزامن مع جريدة "الشروق المصرية