فــتــح إدلــب

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

لم يتوقف النزاع في محافظة إدلب منذ أن خضعت لاتفاق خفض التصعيد بين روسيا وتركيا وإيران في الرابع من أيار 2017، إذ تشكل هذه المدينة بيضة القبان في ميدان الحسم العسكري، في الوقت الذي يشهد فيه القتال اختلالاً في ميزان القوة يحسب للجيش السوري.
بسبب الدعم القوي من روسيا تمكن الجيش السوري من السيطرة على ثلثي الأراضي التي كان يسيطر عليها قبل نزاع 2011، وهو الآن يصوب بوصلته باتجاه إدلب لإضعاف المعارضة السورية المدعومة من تركيا، وبالتالي حرق ورقتها في أي مفاوضات تشمل تسوية الأزمة السورية.
تركيا في هذا الوقت بالذات، معنية بوقف إطلاق النار في إدلب، خصوصاً وأن كفة القوة ترجح للجيش السوري بسبب قرار أنقرة إرسال آلاف المقاتلين الذين تدعمهم من محافظة إدلب إلى ليبيا حيث تستنفر لمنع أي تقدم لقوات حفتر إلى طرابلس، هذا بالإضافة إلى انشغال القيادة التركية بالملف الليبي وإيجاد تحالفات سياسية وعسكرية مع بعض الدول العربية لإسناد حكومة السراج.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين في إسطنبول بعد زيارة مفاجئة للأخير إلى سورية ولقائه رئيسها بشار الأسد. غير أن اجتماع الرئيسين التركي والروسي تركز حول إيجاد طريقة لوقف إطلاق النار في إدلب، وبالفعل صدر قرار عن البلدين بسريان الهدنة الأسبوع الماضي.
تدرك روسيا أن وقف إطلاق النار لن يصمد في إدلب، ولا هي معنية بذلك لأنها لا تريد لتركيا مهلة ترتيب أمورها عبر وكلائها في هذه المحافظة، وكذلك الحال ليس من صالح الجيش السوري القبول بهدنة تمنعه عن التقدم صوب إدلب، والنتيجة أننا نلحظ خروقات كثيرة لوقف إطلاق النار.
يجوز القول إن الحديث عن حسم عسكري للجيش السوري لمدينة إدلب سيعني كارثة على المعارضة السورية المدعومة من تركيا، لأن هذه المحافظة تشكل حصنها في مواجهة الجيش السوري، كما هو حال «جبهة النصرة» التي ترى أيضاً في إدلب حصنها وملاذها الأخير.
على أن الحكومة السورية غير مكترثة كثيراً للمعارضة المتطرفة، وأكثر ما يهمها في معركة إدلب هو تقزيم المعارضة المدعومة من تركيا، لأنه حينذاك لن يكون أمامها خصم قوي يواجهها في مسألة العملية السياسية ومرحلة ما بعد النزاع السوري، ولذلك لا يهم الجيش السوري موضوع فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة، اللهم أن هدفه الأساس إقصاء الطرفين عن إدلب.
لقد كان واضحاً على القيادة التركية حرصها على تثبيت وقف إطلاق النار، والسعي لإيجاد منطقة آمنة داخل إدلب للمدنيين السوريين الذين ينزحون عن منازلهم، وتدرك أنقرة أن سقوط هذه المحافظة سيعني تحمل كلف باهظة على مستويات كثيرة، من بينها تحمل كلف لجوء السوريين إلى داخل أراضيها، والأهم كلفة سياسية تتصل بحليفتها المعارضة المعتدلة التي قد تخرج خالية الوفاض من أي حل سياسي يتبع الحسم العسكري.
بالنسبة للكلف الإنسانية أوجدت أنقرة آلية لإعادة توطين أكثر من مليون سوري في شمال سورية، وربما ستجد حلاً لآلاف المدنيين الهاربين من إدلب، عبر إغلاق معابرها أولاً ومن ثم اعتبار هذه المشكلة الديمغرافية مشكلة الحكومة السورية، وبالتالي يمكن القول إن الأهم بالنسبة لتركيا هو بقاء المعارضة السورية التي تدعمها في حالة قوية ضد الجيش السوري.
ربما ولحفظ ماء الوجه، ستطلب تركيا استكمال المسار السياسي عبر أستانة أو سوتشي لإيجاد حل سياسي ينهي أزمة إدلب، لأنها إذا توصلت إلى مثل هذا الحل تكون قد حافظت على حلفائها من المعارضة السورية المعتدلة، وتمكنت من إيجاد مقعد لهم في النظام السياسي السوري بعد أن تضع الحرب أوزارها.
على كل حال وفي ظل الدعوات التركية لتثبيت الهدنة، من غير المتوقع أن تصمد طويلاً في ظل تواصل النزاع الذي أدى إلى هروب أكثر من ربع مليون سوري عن إدلب، وعلى العكس من ذلك ربما قد يوسع الجيش السوري من معركته للضغط أكثر على تنظيمات المعارضة هناك.
إذا ظل الحال على ما هو عليه ولم تتمكن تركيا من تحويل ملف النزاع حول إدلب إلى المسار السياسي، ربما قد تحسم هذه المدينة في أقل من ستة أشهر، لكن ذلك لن يعني نهاية النزاع السوري، لأن ما تبقى من المعارضة السورية ستنتقل ربما من إدلب إلى مناطق تسيطر عليها القوات التركية في الشمال السوري.
إدلب قد يكون مصيرها مثل مصير حلب التي حسمت لصالح الجيش السوري، فهذا الأخير يستعجل قصف واستهداف المعارضة لإضعافها أكثر فأكثر قبل أن تضغط تركيا باتجاه تثبيت هدنة جديدة، وثمة إدراك بأن الحديث عن هدن في إدلب ليس أكثر من مسكنات مؤقتة، لأن العبرة ليست في اتفاق الأطراف الدولية وإنما الجواب في الميدان الذي يشي بأن الجيش السوري يريد استعادة المحافظة بأي ثمن. كذلك حال روسيا التي قد توافق على هدنة في إدلب لكنها تعمل ضدها.