العودة إلى الدبلوماسية النووية: إيران والقوى العظمى استنفدت روافع الضغط

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 


أغدقت وزارة الخارجية الأميركية المديح على ثلاث دول أوروبية هي: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على قرارها بدء إجراء تطبيق تسوية الخلاف النووي مع إيران.
وحسب واشنطن، هذه الخطوة كما تم تعريفها في الاتفاق النووي من العام 2015 يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة العقوبات الدولية التي تم فرضها على إيران، أو على الأقل إجبارها على العودة إلى الوضع الذي كانت فيه قبل أن تخرق الاتفاق.
ولكن الولايات المتحدة الراضية «نسيت» أن تذكر بأن من بدأ بالخرق هو بالتحديد رئيسها، دونالد ترامب، عندما قام بالانسحاب من الاتفاق النووي. وأن السعي لإعادة إيران ليس سوى اعتراف بأهمية الاتفاق النووي ككابح لسلاح إيران النووي.
في هذا السياق من الجدير الاطلاع على تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية التي تقول إنه سيكون لدى إيران خلال سنة ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة نووية واحدة، وبعد حوالى سنة سيكون لديها يورانيوم مخصب لصناعة صاروخ يمكنه حمل رأس نووي «إذا قرّرت فعل ذلك».
يؤكد هذا التقدير أيضا أنه لو تمسك ترامب بالاتفاق النووي فإن الفترة الزمنية التي كان محظورا فيها على طهران البدء في انتاج اليورانيوم المخصب بمستوى عسكري، كانت ستكون عشر سنوات على الاقل وليس سنة، أي فترة زمنية كان يمكن أن تسمح بالتوصل الى اتفاقات أخرى معها، ربما حتى في مجال إنتاج الصواريخ البالستية.
منذ بدء العملية الدبلوماسية لتسوية الخلاف، يوجد للدول الخمس التي وقعت على الاتفاق فترة ثلاثين يوما يمكن إطالتها اذا تقدمت المفاوضات بصورة ايجابية، من اجل التوصل الى تفاهمات مع إيران. واذا فشلت المفاوضات فان هذه الدول يمكنها، معا أو كل واحدة على حدة، التوجه لمجلس الامن الدولي من اجل طلب إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران. سيناريوهات المفاوضات يمكن أن تتراوح بين رفض إيران لاجراء محادثات قبل رفع العقوبات الأميركية (بهذا تحسم الجمهورية الإسلامية مصير العملية الدبلوماسية) وبين الاستعداد لبدء المفاوضات، وحتى وقف استمرار تخصيب اليورانيوم لفترة محدودة من اجل اظهار نواياها حول التوصل الى اتفاق (وبهذا أن توقف لفترة طويلة نية التوجه لمجلس الأمن).
عندما أعلنت إيران مؤخرا عن النبضة الخامسة في خرق الاتفاق النووي، أوضحت أنها ستكون من الآن حرة في تخصيب اليورانيوم بالكمية والنوعية «المطلوبة لاحتياجاتها»، لكنها لم توضح اذا كانت تنوي تخصيب اليورانيوم لأغراض البحث والتطوير.
وقد هددت طهران في الواقع بأنه يمكنها التخصيب بمستوى 20 في المئة، الذي يعتبر العتبة الدنيا للتخصيب لغايات عسكرية (التي تحتاج الى يورانيوم مخصب بمستوى اكثر من 90 في المئة)، لكنها لم تعلن رسميا الى أي مستوى أو كمية تطمح.
هذه التصريحات يمكن أن تلمح إلى أن إيران لا تزال تستخدم تهديد التخصيب كرافعة ضغط دبلوماسية من اجل تحقيق هدفها – رفع العقوبات الأميركية. ورفع هذه العقوبات هو أمر حيوي؛ لأنه على الرغم من أن الدول الأوروبية لم تنضم اليها، إلا أنها تقيد الشركات الاوروبية وتمنعها من عقد الصفقات مع إيران، وذلك لأنها واقعة تحت تهديد المقاطعة والعقاب الأميركي. أيضا هذا هو السبب الذي من اجله حتى الآن لم تنجح دول الاتحاد الأوروبي التي تتمسك بالاتفاق في استخدام نظام تجاوز العقوبات الذي كان يمكن أن يحرر إيران، لو جزئيا، من الحصار الاقتصادي.
السؤال الرئيس هو هل إيران ستتراجع عن المطالبة التي عرضتها حتى الآن وهي أنه فقط رفع العقوبات سيجعلها تجري مفاوضات مع الدول التي وقعت على الاتفاق؟ يبدو أن إيران توصلت الى استنتاج بأن جهود الفصل بين الولايات المتحدة والدول الاوروبية فشلت.
إعلان الدول الاوروبية عن نية البدء في عملية لتسوية الخلافات حتى لو كانت النية هي دفع إيران من خلال ذلك للعودة إلى طاولة المفاوضات، يربط مجددا الولايات المتحدة واوروبا.
سلسلة خروقات الاتفاق، التي بادرت اليها إيران، لم تعط ايضا النتائج المأمولة. وهي تواجه الآن معضلة مزدوجة، استراتيجية وسياسية. من الناحية الاستراتيجية يجب على إيران التقرير اذا كانت تستطيع مواجهة العقوبات الاوروبية الكاملة والعودة الى العقوبات الدولية الشديدة التي فرضت عليها قبل الاتفاق، في الوقت الذي فيه وضعها الاقتصادي هش، حتى لو لم يكن حتى الآن مدمرا؛ هل تطوير السلاح النووي هو هدف حيوي ووجودي؛ وهل استمرار تطوير برنامج الصواريخ البالستية هو ضرورة عسكرية لا يمكن التنازل عنها؟ ومن الناحية السياسية تعترف إيران بتأثير العقوبات على العصيان المدني الذي لا يهدأ.
وإذا كان النظام على قناعة بأنه يستطيع الاستمرار في قمع الاحتجاج فهو سيضطر أيضا إلى دفع ثمن حقيقي من اجل تلبية مطالب الجمهور.
بشكل علني، يوجد اتفاق بين رؤساء النظام على الحاجة الى «الصمود» في مواجهة الضغط الدولي ومواصلة «اقتصاد المقاومة» من اجل مواجهة العقوبات. وحتى هذه الأثناء لا توجد جهات ذات نفوذ في النظام تعارض هذا الخط الذي يمليه علي خامنئي. وما زال يتوفر لإيران أرضية مالية كبيرة تستخدمها لتمويل نشاطاتها اليومية، بما في ذلك النشاطات في العراق وسورية ولبنان واليمن. ولكن في هذه السنة أعلنت عن تقليص ميزانية وزارة الدفاع والجيش (لكن ليس ميزانية حرس الثورة، بما في ذلك «قوة القدس). ومطلوب منها أيضا تقليص دعم السلع وميزانيات التطوير.
ولكن إيران ليست الجهة الوحيدة التي يجب عليها حساب خطواتها. فالولايات المتحدة استنفدت سلاح العقوبات تقريبا بالكامل دون أن يؤدي ذلك الى انهيار إيران.
الخيار العسكري ضد إيران غير مطروح للنقاش، على الاقل حسب تصريحات الرئيس الأميركي ترامب.
ويبدو أنه هو ـيضا سيكون راضيا إذا نجحت الدول الاوروبية في إخراج حبات الكستناء من النار من اجله.
الدول الاوروبية، التي حصلت على نصيب الأسد من الصفقات التي عقدتها إيران بعد دخول الاتفاق النووي الى حيز التنفيذ، تطمح الى تطبيقها. ومن اجل تحقيق اهدافها ستكون ملزمة باقناع ترامب، الذي هو نفسه يسعى الى الوصول الى مفاوضات مع إيران، باظهار مرونة كهذه تشجع إيران على البدء في المحادثات، وأن يعرض عليها خطة تحافظ على كرامتها وتضمن على الأقل جزءا من طلباتها الاقتصادية في مجال العقوبات.
من اجل الحصول على موافقة إيران على التغييرات أو على اتفاقات ثانوية، لن يكون هناك مناص من أن يواصل الاتفاق النووي الأصلي كونه «المرجعية» لأي تغيير. هكذا يمكن لإيران الادعاء بأنها لم تخضع للضغوط. والمشكلة في حينه ستكون مع الرئيس ترامب الذي سيطمح، كما يبدو، الى التوصل الى اتفاق على اسمه، ويوضح بأن الامر يتعلق بـ «اتفاق جديد».
هذه عوائق قابلة للانفجار، ويمكن أن تعيق مجرد وجود المفاوضات نفسها.
الجانب المتفائل فيها هو أن جميع الاطراف تدخل الآن الى ساحة دبلوماسية مركبة مع عدد أقل من روافع الضغط التي كانت لديها عشية التوقيع على الاتفاق النووي.

عن «هآرتس»