يخافون من السلام!

حجم الخط

بقلم: شاي زلبر


تتميز الجولات الانتخابية الكثيفة والمرهقة بصمت مطبق من جانب جميع الأحزاب حول كل ما يتعلق بـ "السلام". نجح اليمين في أن يقلب رأسا على عقب مفاهيم وقيما كان الجميع يؤمنون بها، ويجعل اليسار يصمت عليها، من خلال اعتقاده بأن مجرد إجراء الحوار سيدفع الى الأمام ايديولوجيا تعرض حكمه للخطر.
قبل بضع سنوات كان الوضع معاكسا. وفي العام 2008 سمعنا موكي وهو يغني "جميعهم يتحدثون عن السلام، ولكن لا أحد يتحدث عن العدل".
ويبدو أنه بعد نجاحهم في تخويف الجمهور من قيم السلام، يحاول الآن رئيس الحكومة ومخصيوه تغيير معنى مفاهيم العدل من أجل تخريب عمل جهاز القضاء وتهديده.
فعلياً كان نتنياهو نفسه هو الذي وعد بعد رابين وبيريس بأنه باسمه "سيصنعون السلام الآمن" عندما تولى الحكم في المرة الاولى.
بعده وعد باراك (ونفذ) بأنه "سيخرج أبناءنا بسلام"، وفي انتخابات 2001 بعد فشله في محادثات كامب ديفيد، ركز هجومه على مرشح "الليكود"، الذي ركب الموجة ولم يتردد في أن يعد: "فقط شارون سيجلب السلام".
وخلال عشرين سنة تقريبا هذا الوعد الفارغ تحول إلى لعنة على الحدود الشمالية وفي قطاع غزة، وبعد ولاية اولمرت، حتى اعلان النوايا عن العيش المشترك، لا يتم التحدث عنه.
إذا عدنا إلى الوراء أكثر، الى زمن جابوتنسكي، فان "حقوق الانسان" كان مفهوما أيدته الحركة التنقيحية. الآن من يتحدث عن ذلك يتم تشخيصه مع اليسار، ويتهمونه بأنه "طيب القلب"، وهو مفهوم آخر لسبب ما يأخذ دلالة سلبية. شخص طيب القلب ويهتم بحقوق الآخر لكونه إنسانا مثله، يعتبر كمن يضر بالمجتمع. هكذا اللغة والوعي يتم تشويههما تماما.
العمل الايجابي يلغى بالتدريج، والحكم تجاهه يعطيه بُعدا شيطانيا.
الكلمات لا تؤدي فقط إلى خراب يتلخص بالواقع على الأرض (العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين، أو بالنسبة للمحاكم)، بل هي تشوش الوعي تماما.
لنأخذ على سبيل المثال ثلاثة أعضاء كنيست من ثلاثة أحزاب، يهددهم السلام أكثر مما يهدد أي شخص آخر: يوعز هندل (ازرق ابيض)، نفتالي بينيت (اليمين الجديد) ويوآف غالنت (الليكود). بالنسبة لجنود مثلهم فان السلام يضر بشخصيتهم عديمة الثقة. عالمهم الداخلي، المشبع بالصور الجوية والخرائط وأهداف المدفعية، سيصمت. الاتفاق مع الفلسطينيين سيغرس سكينا حادة في بالون أنفسهم. كيف سيتصرفون؟ أي المشاكل سينشغلون بها؟ ما هي المواضيع التي ستكون محط إعجابهم؟ وعن ماذا يمكنهم الحديث على مائدة يوم السبت، هل سيتحدثون مرة أخرى عن الكارثة؟ سيهتز كل واقعهم المضطهد.
وكيف سينظرون إلى الطبيعة؟ حتى الآن المناخ غير المستقر تم استغلاله، حسب تفسيرهم، من اجل تقوية الجسد.
صوت الأمواج الشديد أثار لديهم الفرصة من أجل الانزلاق من البوارج نحو خطوط العدو، في الأفق دهشوا فقط عندما اخترقت الطائرات الحربية. وعلى الأرض نظروا إليها أولا كمنطقة يجب اختراقها برحلات شاقة. وفي الحقول الخضراء شخصوا وجود وسائل للتمويه. وفي الجبال شاهدوها مثل قبب يجب الانقضاض عليها. فهل ستتغير حركتهم المنتصبة في الفضاء؟ هل سينجحون في استبدال كتب القادة العسكريين بكتب الشعر والغناء؟ وبدلا من التوجيهات التي يعطونها بصوت صارم، هل سيتعلمون إجراء محادثات معتدلة ومحسوبة؟.
الخطاب الوحيد الذي تبقى حول السلام فقد كليا المعنى الأصلي.
والنهوض بالثقافة العبرية يحتاج الكفاح من أجل السلام بغض النظر عن الربح الذي نحققه منه. مطلوب منا السلوك مثل طلاب أهارون هكوهين – حب السلام والسعي اليه، ليس فقط كي نصل إليه.
ورغم ذلك، السياسي الوحيد الذي طرح الموضوع على جدول الاعمال هو رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، في صفقة القرن التي تم إحباطها قبل مناقشتها.
وليس عبثا أن أطلق عليها "صفقة". في الوضع الاجتماعي في إسرائيل 2020، يبدو أنه هو الوحيد الذي يمكنه أن يربح منها.

عن "هآرتس"