«مـعـراخ» جـديـد يـؤثّـر في السياسة الإسرائيلية

حجم الخط

بقلم: يوسي بيلين



لم يتخذ قرار «العمل» – «غيشر» و«المعسكر الديمقراطي» للتنافس معاً في الانتخابات للكنيست الـ 23 انطلاقاً من الحماسة والرغبة الحقيقية في أن يُخلق في الخريطة السياسية الإسرائيلية محفل جديد، منتعش وفاعل (مثل تشكيل «ميرتس» قبيل انتخابات 1992). فقد اتخذ القرار خوفاً من ألا يجتاز الحزبان، أو واحد منهما على الأقل، نسبة الحسم الحالية، وسارعت شخصيات في الطرفين للتشديد على أن هذه «وحدة فنية» وليست خطوة ذات مغزى أيديولوجي. كان هناك من قالوا إنه فور الانتخابات سينفصل الحزبان ويسير كل منهما في طريقه، وكأن الحديث يدور- لا سمح الله - عن ارتباط بين أحزاب اليمين وبين حزب «قوة يهودية» الهاذي، عشية انتخابات الكنيست الـ 21.
ولكن الارتباط بين «العمل» و»ميرتس» يمكن أن يكون فرصة لخلق تجمع اشتراكي ديمقراطي بين الحزبين، اللذين انفصلا على خلفية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية قبل 36 سنة. في ذاك الوقت لم يكن بوسع «مبام» ولا عضو «العمل»، في حينه، يوسي سريد، السماح بحكومة التداول، حتى لو كان يترأسها شمعون بيريس. في وقت لاحق ارتبط «مبام»، سريد، و»شينوي» أمنون روبنشتاين بـ «رتس» شولاميت ألوني، وأقاموا «ميرتس».
تغيرت الخريطة السياسية جداً خلال عشرات السنين الأخيرة. فقد كان «ميرتس» أجرأ من «العمل» في المجال السياسي وسبقه في رؤياه، في الوقت الذي قاد «العمل» الخطوات السياسية المهمة منذ اتفاق السلام مع مصر. ويتماثل «ميرتس» أكثر من «العمل» مع الحرص على حقوق الإنسان، بينما يتماثل حزب العمل أكثر مع قطاعات مثل الاستيطان العامل والعمال المنظمين في الهستدروت العامة. ولكن هذه فوارق التشديدات وليس فوارق الفكر. والاندماج في حزب واحد وإن كان من شأنه أن يمس بتميز كل حزب ولكن تجمعاً يكون فيه الحزبان مستقلين مع مؤسسات خاصة بهما، يبقي صوت اليسار الصهيوني مرتفعاً، وسيسمح لهما بالحفاظ على الخطوط التي تميز كل واحد منهما.
إن تجمّعاً بين «العمل» و»ميرتس» سيطالب كل حكومة مستقبلية بالاستئناف الفوري للمفاوضات السياسية لأجل الوصول إلى اتفاق سلام إسرائيلي – فلسطيني يؤدي إلى حل الدولتين، ويضمن إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. وهو لا يحتاج لأن يتلعثم مثل «أزرق أبيض» كلما طرحت مسألة الحل السياسي، وإذا كان بيني غانتس سيصبح رئيس الوزراء التالي، فهذا سيكون المحفل الذي يضغط على حزبه، تماماً مثلما عمل «ميرتس» في 1992 بروح شعاره الانتخابي «سيحفز رابين»، كي لا يتردد في الموضوع السياسي.

إعطاء اتجاه وطريق
إن الدور الأساس للتجمع (المعراخ) الجديد سيكون تحطيم ادعاء «لا شريك»، الذي يطلقه أساساً من هم غير مستعدين لتقسيم البلاد مع أي شريك مهما كان. فالملك حسين لم يكن شريكاً لـ «اتفاق لندن»، والذي كان كفيلاً بأن يخلق هنا واقعاً مختلفاً تماماً، عرفات لم يكن شريكاً، ومحمود عباس أيضاً ليس شريكاً في نظرهم، رغم التزامه المتواصل بالسلام مع إسرائيل ورغم أنه قال في السعودية أمام الزعماء العرب بالعربية الفصحى: إن «التنسيق الأمني مع إسرائيل مقدس». سيتعين على «المعراخ» الجديد أن يصر على تقسيم البلاد قبل أن تصبح إسرائيل لا يهودية ولا ديمقراطية، وأن يضغط على أن تتحدد الحدود بيننا وبين الفلسطينيين بالاتفاق، وإن لم يكن بالاتفاق فمن طرف واحد، رغم أن هذا حل مرغوب فيه بقدر أقل.
ستكون هذه مهمة غير بسيطة حيال «أزرق أبيض» المتنوع. يوجد فيه محافل على يمين «الليكود»، رغم أن معظمه إن لم يكن كله يتحدث بلغة حزب العمل التقليدية، إذا اصبح حزباً حاكماً في الولاية التالية سيشهد توترات داخلية غير بسيطة بين مؤيدي أفكار الضم ممن لا يفهمون أن هذا ليس فقط انتهاكاً للاتفاق الدولي الذي وقعت عليه إسرائيل، وتتمتع به، بل أيضاً تنازلات عن السلام مع الأردن ومصر وكشف الجبهة الشرقية لإسرائيل. أمام اليمين في «أزرق أبيض» سيتعين على «المعراخ» الجديد أن يقف بتصميم ويقود المبادرات.
إن العائق الأكبر أمام أعضاء «القمرة» سيكون إخلاء مستوطنين شرق الحدود التي يتفق عليها مع الفلسطينيين. وهنا يمكن لـ «المعراخ» بين «العمل» و»المعسكر الديمقراطي» أن يطرح إمكانية أن كل من يرغب في البقاء في أراضي الدولة الفلسطينية سيسمح له بذلك كمقيم دائم مخلص للدولة الفلسطينية، وكمواطن إسرائيلي. يحتمل أن يكون الأمر عملياً أكثر إذا ما أُقيمت كونفيدرالية بين إسرائيل وفلسطين على أساس دولتين سياديتين ومستقلتين. في الكونفيدرالية ستكون منظومات سلطوية منفصلة، ولكن يمكن أن يكون فيها تعاون في سلسلة طويلة من المجالات مثل تخطيط البنى التحتية، الاستخدام الناجع والواعي للمقدرات الطبيعية، معالجة مشاكل بيئية حادة، ومعالجة الأمراض الزراعية، وغيرها.


قوة التأثير
بدلاً من شعار التسعينيات «نحن هنا وهم هناك»، الذي لم يضف تأييداً لمعسكر السلام الإسرائيلي ولكنه ساهم في الكراهية وفي شيطنة الآخر، يمكن لـ «المعراخ» الجديد أن يجلب بشرى التعاون المجدي للطرفين. أحد مجالات التعاون سيكون، بلا شك، مجال الأمن، حين تتوقف إسرائيل عن أعمالها الليلية في الضفة الغربية (مثلما لا تقوم بأعمال كهذه في قطاع غزة)، ولكنه سيزيد التنسيق مع السلطة، لا سيما في مجال الدفاع العام، في وجه أعداء مشتركين مثل «القاعدة» و»داعش».
حكومة جديدة، بمشاركة «المعراخ»، يمكنها أن تشكر الرئيس ترامب على جهوده لأن يعدّ لنا خطة سلام، وأن تشرح له أن الطرفين قادران على الوصول إلى اتفاق بينهما، وأن إسرائيل لا تحتاج إلى خطة أميركية يرفضها الفلسطينيون، وذلك فقط كي نثبت أن ليس لنا شريك.
سيتحدث «المعراخ» الجديد بصوت واحد عن مسؤولية الحكومة عن المجتمع وبالأساس عن الضعفاء والمستضعفين فيه، إلى ما هو أبعد من الشعارات الفارغة عن تقليص الفوارق في الدولة والتي الفوارق الاقتصادية فيها هي من الأعلى في الغرب.
معنى الأمر هو ضمان ميزانية مناسبة، تمول في قسم منها من ضرائب متزايدة على الطبقات الغنية، وتضمن مستوى أعلى من التعليم، الصحة، والبنى التحتية.
في مجال الدين والدولة لن يجد «المعراخ» الجديد صعوبة في أن يرفع صوته في الكفاح ضد مسيرة التدين الفظة والمطالبة بإنهاء الاحتكار الأرثوذكسي في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية. إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في العالم التي قوانين الأحوال الشخصية فيها دينية فقط.  فإعطاء إمكانية الزواج المدني لكل مواطن في إسرائيل هو علم له تأييد واسع في الجمهور، وكفيل بأن يكون له تأييد للأغلبية في الكنيست. يمكن لـ «المعراخ» الجديد أن يقود هذا المطلب.
إن حزبين صغيرين من 4 – 6 مقاعد قد يجدان نفسيهما في هوامش السياسة أثناء ولاية الكنيست الـ 23. أما «معراخ» من نحو عشرة نواب فسيكون محفلاً مؤثراً أكثر بكثير، سواء على المستوى الحكومي أم على المستوى البرلماني. والتنازل عنه، فور الانتخابات، سيكون تنازلاً عن ذخر له مبرر أيديولوجي وسياسي على حد سواء.

عن «إسرائيل اليوم»