حذارِ من منح إيران مبرراً لضرب إسرائيل

حجم الخط

بقلم: أيهود أولمرت*


كان اغتيال قاسم سليماني، في عملية دقيقة وناجعة للقوات الأميركية الخاصة، خطوة جديرة بالثناء. فقد فوجئت إيران ودهشت من الدقة، من الاستخبارات المفصلة، ومن التنفيذ الكامل. ويحتمل أنها خافت. فعلى مدى السنوات الأخيرة بدأنا نعتاد على فجوة معينة، آخذة في الاتساع، بين الخطاب الحازم والمهدد للرئيس دونالد ترامب وبين تحققه بالفعل. هكذا مثلاً، كانت الاتصالات الأميركية الأولى مع كوريا الشمالية مهددة، وأعطت الانطباع بأنه في غضون وقت قصير سيطيّر الرئيس كيم يونغ أون، ويعيده إلى حجوم أكثر تواضعاً من حجوم الدكتاتور التي تبناها لنفسه.
عملياً، منذ بداية الطريق أصبح كيم يونغ أون موضع تقدير، بل شبه إعجاب، لدى الرئيس الأميركي. وفضلاً عن اللقاءات المتواترة بينهما، بدا أنه لا يوجد أي شيء ملح حقاً لواشنطن، وأن الكوريين الشماليين يواصلون ظاهراً الانشغال بتطوير قدرة نووية تشكل تهديداً كامناً حقيقياً على الاستقرار في هذا الجزء من العالم.
يحتمل جداً أن يكون ضبط النفس الأميركي أكثر ذكاء بكثير من خطابية الرئيس. فكوريا الشمالية هي جهة استفزازية. يوجد مبرر كامل لمعالجة سلوكها بحزم ومثابرة. ولكن رغم تصريحات كيم فإن التجارب على الصواريخ المختلفة كل بضعة أشهر والمعلومات الاستخبارية التي تشير إلى تواصل المحاولات لتطوير قدرة نووية حقيقية لا تشكل تهديداً يقض مضاجع كوريا الجنوبية، وبالتأكيد ليس مضاجع الولايات المتحدة. أقول ذلك دون أن أتجاهل ولو لحظة قصيرة حقيقة أن كوريا الشمالية ساعدت سورية على بناء مفاعل نووي، قرب بيتنا. دمرنا المفاعل بلا تردد. كشفنا دور بوينغ يانغ في بنائه، ولقنا قيادتها العدوانية درساً غير لطيف.
ومع ذلك، أعتقد أن ترامب يتصرف بحكمة حين لا يضيّق الفجوة بين تهديداته على كوريا الشمالية وبين السلوك الذي من شأنه أن ينتهي باحتكاك عنيف. من عدد كبير من الاتصالات التي لي مع شخصيات في كوريا الجنوبية، فإنهم هم أيضاً يعتقدون أنه توجد مساحة واسعة بين الوقفة النووية وبين تحقق التهديد، الذي سيتسبب بهزة أرضية في الشرق الأقصى. برأي زعماء في كوريا الجنوبية، بمن في ذلك الرئيس الحالي وغير قليل من قادة الاقتصاد المزدهر هناك، يحتمل أن تكون بينهم مسيرة حساسة ومنهاجية من التعاون الاقتصادي مع كوريا الشمالية، هي الأساس للتغيير في منظومة العلاقات. ربما. وربما كان هذا أملاً عابثاً. يصعب علي أن أحكم على ذلك بشكل قاطع، ولكن تجربة الحياة تفيد بأن الشك ليس خطيئة وضبط النفس ليس ضعفاً بالضرورة.
إن تصفية سليماني – بخلاف الوضع في شرق آسيا – كانت في وقتها، وآثارها من المتوقع، بتقديري، أن تكون إيجابية. يبدو لي أن ترامب فاجأ نفسه. من الواضح تماماً أن الخطوة أعدت قبل أيام من تنفيذها، ومن شبه المؤكد قبل الهجوم العنيف ضد مبنى السفارة الأميركية في بغداد. لقد كان الرد الأميركي السريع والفتاك تذكيراً مهماً لكل الجهات في المنطقة بأن قوتها لا تزال في يدها. من يعتقد أنه يمكن أن يستغل ضبط النفس الأميركي وقرار الرئيس سحب التواجد العسكري في الشرق الأوسط، واستنتج من ذلك أن أميركا فقدت قدرتها على العمل بشكل عنيف أيضاً وبلا كثير من الأقوال، كان متسرعاً، متهوراً، وغير مسؤول. سليماني، الذي نجح في الإثقال على قيادتنا وإدخال قوات عسكرية إيرانية إلى سورية تشكل تهديداً على إسرائيل، فقد المقاييس الصحيحة. وقد عوقب، وإيران عوقبت، ونحن كسبنا. أحد الأعداء الأكثر ذكاء، عنفاً، وخطراً علينا اختفى من الساحة. ليس لسليماني بديل في أوساط القيادة الحالية في إيران، وبالتأكيد ليس في المستقبل القريب.
والآن آمل ألا تنجر إسرائيل، مثل سليماني، فتفقد المقاييس الصحيحة. فصراعنا ضد إيران يجب أن يستمر. التواجد الإيراني في سورية لا يطاق. من الواجب صده والتسبب بتقليصه وفي نهاية المطاف إلغاؤه. ولكني لا أوصي باتخاذ خطوات متهورة ومغرورة من شأنها أن تعطي إيران، التي أهينت بتصفية سليماني، مبرراً لترد بشكل يؤدي إلى احتكاك عنيف مع إسرائيل.
الآن على نحو خاص، ثمة مجال للحذر من عملية إسرائيلية غير محسوبة. فنتنياهو – كما ثبت عدة مرات في الأشهر الأخيرة – يسير على حافة الهوة التي يوجد فيها، وقد يستخدم التواجد الإيراني في سورية، والذي سمح به بقصوراته وبغرور مجرم ليؤدي إلى انفجار عنيف بينها وبيننا. لدى إسرائيل مبرر للعمل على دحر الإيرانيين من سورية، ولكن ليس قبل بضعة أسابيع من الانتخابات. رئيس حكومة تصريف أعمال، يتصرف كمجرم فار، دون أن يكون له إسناد من أغلبية برلمانية، لا يمكنه بأي شكل من الأشكال أن يجر إسرائيل إلى مواجهة عنيفة، حتى لو لم يكن في نهاية العملية مفر منها.
لإسرائيل يوجد عدد لا بأس به من طرق العمل كي تنفر الإيرانيين من مواصلة تواجدهم في سورية. توجد لدينا قوات خاصة ومتطورة، وسائل جد ناجعة وتجربة جمة، تتيح لنا العمل بشكل يؤدي بالتدريج إلى إضعاف التهديد الإيراني تجاهنا من سورية.
شيء واحد نوصي بعدم عمله: لا مجال ولا داعي للتبجح، للمبالغة في التصريحات، وتهديد إيران علناً في الساحة العامة وفي المداولات الدولية. لا يوجد أي سبب لجر إيران إلى معركة عنيفة تلوح في لحظة معينة كمحتمة. قلت هذا في الماضي، وأعود وأقوله: في نهاية المطاف يجب العمل بعقل، بجسارة، وبقوة. العمل وليس التهديد. الضرب وليس الحديث.

 عن "معاريف"
* رئيس الوزراء السابق.