ظاهرة مجتمعية التعليم والمعرفة: لا لزواج الأطفال

فيحاء عبد الهادي.jpg
حجم الخط

فيحاء عبد الهادي

ما أهمية صدور القرار بقانون، المعدِّل للتشريعات الناظمة للأحوال الشخصية في فلسطين، يوم 3 تشرين الثاني، لعام 2019، والذي يقضي بتحديد سنّ الزواج في فلسطين، إلى ثماني عشرة سنة شمسية، لكلا الجنسين؟ وما هي المشكلة في الاستثناءات لهذا القانون، التي "يقرِّرها قاضي قضاة فلسطين، أو المرجعيات الدينية للطوائف الأخرى"؟
ما الذي استدعى صدور هذا القانون؟ ولماذا استنفرت بعض العشائر في الخليل والقدس، وحزب التحرير، وأعلنوا رفضهم لهذا القانون، وطالبوا بإلغائه؟
يجدر التفكير بداية بالأسباب التي تدفع بعض العائلات في فلسطين، وخاصة في القرى والمخيمات، إلى تزويج الأطفال مبكراً، وخاصة البنات؟
ما الذي يتسبب في نزع الطفلة من من عالمها الطفولي، ومنعها من استكمال تعليمها، قبل أن يكتمل نضوجها جسدياً وعقلياً وعاطفياً؛ كي تتحمل مسؤولية تثقل كاهلها؟
هل هي الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون نتيجة الاحتلال الإسرائيلي؟ والتي تتسبب في رغبة بعض العائلات بالخلاص من أعباء البنات المادية؟ أم هي مسؤولية مجتمعية؟ هل هي مسؤولية دولة فلسطين؟ 
*****
رصدت دراسة، مبنية على أساليب البحث النوعي؛ أجراها مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق، عام 2010؛ الانتهاكات الواقعة على النساء، وخاصة الفقيرات منهن، على الصعيد الحقوقي، ووثَّقت معاناتهن على الصعيد الاجتماعي والقانوني، ووقفت لدى ظاهرة الزواج المبكر، وما يسببه من أضرار نفسية وصحية لهن.
روت النساء قصصهن: تحدَّث معظمهن عن الفقر الذي لازمهن منذ الصغر، والذي تزامن مع الاحتلال الإسرائيلي، وعن غياب القانون، والذي نتج عنه حرمان من التعليم، وعنف. كما تحدَّثن عن مسؤولية الاحتلال في إقفال أبواب العمل، وتضييقه؛ ما تسبب في تعاسة الأسرة، وضاعف من أسباب العنف ضدهن.
ربطت (س)، في قصة (ممنوع ورثة العائلة تروح للغريب)، بين تسرّبها من التعليم وبين تدهور أوضاع اسرتها الاقتصادية:
"طلعت من المدرسة وعمري 9 سنين، درست سنتين، وكنت أغيب بشكل مستمر عشان أشتغل في الدار، ما فيه مصاري أشتري دفتر ولا قلم".
وتبيِّن قصة (صمت امرأة) أنّ تحسّن الوضع الاقتصادي لا يكفي لمنع التسرب من التعليم: تتحدث (ل)، المرأة المطلقة، التي لما تبلغ العشرين عاماً - بعد زواج مبكِّر أجبرت عليه دام أربع سنين أنجبت خلاله ابنتين ـ عن حرمانها من التعليم، لخوف أهلها عليها من السفر إلى قرية بعيدة لاستكمال تعليمها؛ بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
وتبيِّن قصة (تزوَّج عليها وهجرها) أثر الاحتلال الإسرائيلي على حياة الأسرة، وعلى المرأة بالتحديد، حين أجبر الأب ابنته (ص) على الزواج، رغبة في سترها، وخلاصاً من رعايتها المادية:
"خطبت غصب عني؛ لأنه كان بنات كثير، والدي ما استشارني في موضوع الزواج".
*****
ورغم واقع وجود السلطة الوطنية الفلسطينية؛ إلاّ أن الدراسة رصدت غياباً للقوانين التي تحمي حقوق المواطنين.
 يمكن تلمس غياب القانون، من خلال قصة (الضحيّة)، المرأة التي تبلغ ثلاثين عاماً، والتي تزوجت في سن السادسة عشرة، دون موافقتها.
وخلال حياتها الزوجية، تعرّضت لأنواع القهر كافة، وعندما توجّهت إلى القضاء لرفع قضية على زوجها؛ سرق أولادها، وحرمها من رؤيتهم مدة سنة ونصف:
"كان يضربني بالأحذية أو بالعصا أو بأيّ شيء يراه أمامه. تحملت سنة كاملة؛ ولكن في إحدى المرات ربطني مع الغنم والبقر، وبعد هذا حبسني بمغارة، لأنني تجرأت وقصيت شعري دون إذنه، فكان عقابي حلق شعري عالصفر. تجرّأت ورفعت قضية عليه، على أثرها حرمت من رؤية ابنتيَّ وولديّ، إذ قام والدهم بسرقتهم من المدرسة، وقام بنقلهم إلى مدارس في قرى مجاورة يعمل فيها مدرِّسا؛ لضمان عدم رؤيتي لهم، والآن لا يوجد معي سوى أصغرهم سناً؛ لأنها كانت برفقتي عندما قام والدها بسرقة إخوتها".
*****
تنشأ الفتاة في ظل أسرتها، كما ينشأ الفتى، وتحتاج إلى دعم أسرتها كما يحتاج؛ لكن كثيرا من الأسر تقسو على أولادها، وخصوصاً على الإناث، حفاظاً على الأخلاق وحسن السلوك، لاعتقادها أن القسوة هي السبيل إلى سلوك الطريق القويم؛ الأمر الذي يفقد الفتاة دعم أسرتها، ويتسبب لها بالأذى النفسيّ، الذي يلازمها طيلة حياتها.
 وتظل الفتاة محاطة بالرعاية، إلى أن تتزوج. وبعدها، تتخلى الكثير من الأسر عن دعم بناتها، بسبب انتماء المرأة إلى عائلة أخرى، أو بسبب المفاهيم الاجتماعية المتوارثة، التي تحطّ من قيمة المرأة المطلقة، وتعتبر أن المرأة ملكية خاصة للرجل، ما يعطيه حق الطاعة، ويعفيه من أية مساءلة.
وتدعم بعض الأسر بناتها المطلَّقات، دون أن يمتد الدعم ليشمل أولادها؛ الأمر الذي يتسبب في تفضيل بعض النساء أن يعشن في كنف زوج ظالم، لتبقى مع أولادها، على أن تحرم منهم.
ومن الملاحظ دعم الأسر المطلق لأولادها الذكور، مقابل دعم جزئيّ للإناث.
*****
تزداد المرأة جرأة، حين تتسلَّح بالمعرفة؛ حيث لا تتزوج مبكراً، وتستكمل دراستها، وتتمكن من السيطرة على مواردها.
تروي (غادة)، في قصة (تزوجت دون موافقتي)، تجربتها حول أهمية التعليم بعد التحاقها بجامعة القدس المفتوحة:
"تعلمت كيفية التعامل مع الناس، أنا مصممة على تعليم بناتي، فالشهادة في يد الفتاة سلاح، فعندما تتزوج باكراً دون تعليم؛ تتعرَّض للإهانة والعيش في ذل".
وتعتمد (أسماء)، في قصة (أشطر من حنان عشراوي)، على نفسها، بالرغم من حرمانها من التعليم، إثر زواجها المبكر. تعلمت درساً بعد أن فقدت ابنتيها، في الفترة الأولى لزواجها، لانعدام الوعي الصحي لديها.
امتهنت الخياطة، ثم ساعدها أولادها، بالعمل بعد الدراسة، لتأمين مصروف العائلة، خاصة بعد سفر زوجها إلى اميركا، وتطليقها على الورق، كي يتزوج أخرى هناك. "كنت أتمنى أن أكمل تعليمي؛ كان حملت شهادة، وكان صرت أشطر من حنان عشراوي".
*****
بعد صدور القرار بقانون؛ يحدِّد سنّ الزواج في فلسطين؛ تبرز أهمية متابعة تطبيق القرار، وأهمية إلغاء بند الاستثناءات، حتى لا يبقى الباب مفتوحاً للالتفاف على تنفيذ القانون.
نحتاج إلى الخروج من حيز القبيلة إلى حيز القانون.
نحتاج إلى تكوين عائلات متماسكة، ومتعلمة، قادرة على المساهمة الفاعلة في تحرير الوطن وبناء الإنسان.