تقدير «أمان»: انفجارا غزة والضفة كُنسا تحت بساط المسألة الإيرانية!

حجم الخط

بقلم: تل ليف رام


بين التقديرات عن أن إيران يمكنها أن تبني قنبلة نووية في غضون نحو سنتين، وتأثير تصفية قاسم سليماني على تثبيت وجود المحور الشيعي و»حزب الله» في الشرق الأوسط، دُحرت الساحة الفلسطينية إلى هوامش التقرير عن تقدير الوضع السنوي لدى شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان». غير أن إطلاق أربعة صواريخ، هذا الأسبوع، نحو إسرائيل، بعد ثلاثة أسابيع من الهدوء، يذكرنا جميعاً بأن المشكلة الغزية بعيدة عن الانتهاء، وأنه إلى جانب مساعي التسوية، فإن إطلاق النار من القطاع من غير المتوقع أن يتوقف، ما يبقي احتمالات التصعيد في مستوى عال.      
تشبّه شعبة الاستخبارات الوضع في القطاع بشقة تسكنها أمرأة عجوز ومحافظة مع ابني أخيها. في مرحلة معينة يسيطر ابنا الأخ على الشقة، ويتصرفان فيها كما يروق لهما إلى أن يفهما أنه مع الملكية على الشقة تأتي المسؤولية. إذ توجد فواتير يجب أن تدفع، ويجب الاهتمام بصيانة الشقة أيضاً. الأخ الأكبر يحاول لجم أخيه الأصغر، ولكنه يخشى من أنه كلما مر الوقت يصبح مشابهاً لعمته العجوز، وهذا ما لا يمكن أن يسمح به لنفسه حقاً.
في هذا المثال العمة العجوز هي السلطة الفلسطينية، الأخ الأكبر هو «حماس» والأصغر هو «الجهاد الإسلامي». «حماس» معنية بالتسوية، ولكن مقابلها لن تخاطر في أن يشتبه بها كمتعاونة مع إسرائيل. ومثلما لم توقف بهاء أبو العطا عن إطلاق النار على إسرائيل، رغم أنه مس بمصالحها أيضاً، ليس في نية قيادة «حماس» أن توقف دائرة الأشخاص المقربين من نشيط «الإرهاب» من «الجهاد الإسلامي»، ممن يواصلون تنفيذ قسم كبير من نار الصواريخ.
وحسب تقدير شعبة الاستخبارات، تتمسك «حماس» بفكرة التسوية، ولكنها ستواصل تعريف نفسها كمنظمة مقاومة. من المعقول الافتراض أنها في الأشهر القريبة المقبلة ستتراجع بضع خطوات إلى الوراء، حتى بثمن تصعيد غير كبير. في إسرائيل يعتقدون أن «حماس» ستلجم «الجهاد الإسلامي» بشكل جزئي فقط، بحيث يمكن الافتراض بأن تتواصل نار الصواريخ من القطاع في الأشهر القادمة. في نهاية المطاف سيكون من الصعب جداً في مثل هذا الواقع الوصول إلى استقرار أمني.
في اختيار إسرائيل السير في مسار التسوية يوجد منطق عظيم. فعلى خلفية عودة البرنامج النووي إلى جدول الأعمال، وبين التهديدات التي تأتي من الشمال وبين تلك من الجنوب، فإن سلم الأولويات واضح. فالخطوات الاقتصادية التي اتخذت في السنة الأخيرة تجاه القطاع تشير إلى تحسُّن الميل، ومن الصواب مواصلة تعميقها. ولا يزال، منذ الحملة الأخيرة في القطاع والتي بادر فيها الجيش الإسرائيلي إلى خطوة بدء مفاجئة وتحكم بوتيرة الأحداث، يبدو أن الجيش يعود إلى نمط العمل ذاته، وبموجبه فإن الطرف الذي يطلق الصواريخ ليس فقط لا يصاب بأذى، بل يأخذ كل الصندوق. «الجهاد» اليوم يقود الخط حيال إسرائيل وعلى الطريق يطالب بثمن من «حماس»، التي يوجد له معها أيضاً حساب طويل. تستهدف غارات سلاح الجو أهداف «حماس» فقط. وهي تتسبب بضرر اقتصادي كبير للمنظمة، التي فقدت وسائل قتال وإنتاج مميزة ويصعب عليها تعويضها. ورغم ذلك فإن طريقة العمل لا تؤدي إلى التغيير المطلوب ولا تدفع «حماس» لأن تستخدم كل قوتها ضد من يطلق الصواريخ. فالنهج غير المباشر التي تتخذه إسرائيل، في المطالبة بالمسؤولية السلطوية من «حماس» يؤدي إلى نتائج جزئية فقط.
بعد حملة «الحزام الأسود» في تشرين الثاني، والتي في أثنائها صفي أبو العطا، ادعت إسرائيل أن الردع تجاه «حماس» ازداد، وأن «الجهاد الإسلامي» يوجد في أزمة عميقة، وأنه أُزيل عائق كبير في الطريق إلى تسوية محتملة معنية «حماس» بها. وادعى مسؤولون في القيادة السياسية والعسكرية أن الوضع وفّر لإسرائيل أيضاً فرصة لخلق معادلة رد جديدة في القطاع: من جهة تصعيد الجهود والجاهزية لخطوات مدنية واقتصادية مهمة، ومن جهة أخرى ضرب من يطلق الصواريخ نحو إسرائيل وليس فقط أهداف بنى تحتية تابعة لـ «حماس».
إن تنفيذ مثل هذه الخطوات بالتوازي يتطلب إدارة مخاطر وتوجيهاً حساساً من القيادة السياسية والعسكرية لأجل عدم الوصول إلى تصعيد في الجنوب يؤدي إلى حرب، وبالتأكيد حين لا يكون لها غاية سياسية واضحة. ولكن إلى جانب ذلك فإن إسرائيل مطالبة بأن تتأكد ألا تكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبت في الماضي، وضمن أمور أخرى في الفجوة بين الأقوال والأفعال في الميدان.

ألعاب التاج
كما أن تقدير شعبة الاستخبارات لما يجري في «يهودا» و»السامرة» بقي في ظل العناوين الكبرى عن إيران. ففي الخلاصة السنوية سجل انخفاض في حجم «الإرهاب» من الضفة، ولكن العمليات عادت لتكون أكثر تعقيداً وذكاء. رغم الهدوء النسبي لا تزال هناك إخطارات بأن الاستقرار الأمني سيتلقى ضربة ذات مغزى في اليوم الذي لا يكون فيه أبو مازن على كرسي الرئاسة.
في وضع من القطيعة التامة بين رام الله والقدس ومعركة سياسية دولية تخوضها السلطة ضد إسرائيل، بقي موقف أبو مازن مستقراً، وعملياً يتواصل التنسيق الأمني، رغم المصاعب وضعف مكانة السلطة في الشارع الفلسطيني، مثلما يجد الأمر تعبيره في استطلاعات مختلفة.
مع أن أبو مازن أعلم الجميع بأنه من السابق لأوانه تأبينه، ولكن في الجيش الإسرائيلي يرون منذ الآن كيف يمكن لصراعات الخلافة أن تؤثر على الوضع الأمني في الميدان.
إن العنف الذي سيتصاعد في الشارع الفلسطيني سيكون موجها أيضاً تجاه إسرائيل. في الفترات التي تصاعد فيها «الإرهاب» من «يهودا» و»السامرة»، كان عدد المواطنين ورجال قوات الأمن الذين أصيبوا وقتلوا كبيراً وفاق عدد المصابين في كل الساحات الأخرى التي يتصدى لها الجيش الإسرائيلي.
مع كل نواقص أبو مازن، لا يزال جهاز الأمن يعتبر ورقة مهمة. ولكن ساعة الرمل آخذة في النفاد، كما يفهم من التقدير الاستخباري. وهذا الإخطار الإستراتيجي موجود في إسرائيل منذ سنين، ولكنه لم يترجم إلى خطة عمل. على المستوى العسكري كان يفترض أن يكون هناك استعداد مناسب، ويفترض أن تنفذ تدريبات للقوات المناسبة، وفي المستوى السياسي كان يفترض بقادة الدولة أن يقرروا كيف سيتصرفون. ولكن بلا حوار مع السلطة الفلسطينية، فإنهم في إسرائيل يتجاهلون الواقع القريب تماماً. في ظل عدم وجود حل سياسي منظور للعيان، من المهم أكثر للطرفين ألا يعملا شيئاً، وأن ينتظرا تغير وضع الأمور. في هذه اللحظة، حسب التقديرات، من غير المتوقع أن يتغير إلى الإيجاب.
لم تكن مسألة العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والمفاوضات السياسية جزءاً من الخطاب حول الانتخابات الأخيرة، ومن غير المتوقع أيضاً أن ترافق حملة الانتخابات المقبلة. هذا ليس موضوعاً ذا منفعة سياسية، وذلك أساس للحزبين الكبيرين. وفي السنوات الأخيرة تجذر الفهم بأنه من دون حل سياسي يمكن إدارة النزاع، ولكن تقدير شعبة الاستخبارات يطرح إمكانية أخرى هي أنه في السنوات المقبلة سيكون النزاع هو الذي يديرنا وليس العكس.

 عن «معاريف»