الـنـووي الإيـرانـي بـعـد اغـتـيـال سـلـيـمـانـي ..

حجم الخط

بقلم: المقدم في الاحتياط د. رفائيل أوفيك


يجب التذكير بأن إيران بدأت، في تموز 2019، خرق الصفقة النووية على عدة مراحل، بهدف الضغط على الاتحاد الأوروبي كي يعمل على تحييد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها.
شملت هذه الخروقات تخصيب اليورانيوم بما يتخطى الكمية القصوى المحددة بـ300 كيلوغرام UF6، على درجة 3.67%، التي يسمح بها الاتفاق؛ رفع درجة التخصيب إلى 4.5% - وهو ما يتخطى الدرجة المسموح بها، وهي 3.67%؛ إنتاج مخزون من المياه الثقيلة يتخطى الكميات المسموح بها وهي 130 طناً، والاحتفاظ به؛ تشغيل مراكز طرد متطورة ذات قدرة تخصيب كبيرة جداً؛ استئناف تخصيب اليورانيوم في منشأة التخصيب تحت الأرض في بوردو في بداية تشرين الثاني 2019.
بالطبع، أيّد الديمقراطيون الالتزام بمبادرة الرئيس أوباما بشأن التوصل إلى اتفاق مع طهران، وعارضوا بشدة قرار الرئيس ترامب الانسحاب من الصفقة، كما عارضوا أيضاً قراره المتعلق بقتل سليماني.
لا عجب أن تنتقد هذه الأوساط الآن الرئيس لأنه دفع، على ما يبدو، إيران إلى الانسحاب من الصفقة النووية.
صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت بإسهاب وجهة النظر هذه التي تقول": "لقد اعتقد الرئيس ترامب أن الاتفاق النووي سيئ، لأن القيود المفروضة على طهران تنتهي بعد 15 عاماً. ردّاً على الضربة الأميركية، أعلنت إيران انتهاء القيود بعد مرور أقل من 5 سنوات".
وتابعت: "وفي هذا ما يكفي لكي تخلق من جديد الأوضاع التي دفعت إسرائيل والولايات المتحدة، قبل عشر سنوات، إلى التفكير في تدمير منشآت إيران، ويقربهما مرة ثانية من إمكان نشوء نزاع علني مع طهران، منع الاتفاق حدوثه حتى الآن".
هذه الحجة عارية عن الصحة. لو لم تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ولم تجدد فرض العقوبات على إيران، لكان النظام الإسلامي في طهران عند انتهاء الصفقة النووية بعد 10 - 15 عاماً سيندفع بكامل قوته لإنتاج سلاح نووي من دون وجود قدرة دولية توقفه، ما سيقود على الأغلب إلى حرب واسعة في ضوء المخاطر التي ينطوي عليها وجود سلاح نووي إيراني على المنطقة وخارجها.
السؤال الذي يُطرح الآن هو، إلى أي حد النظام في طهران مستعد للذهاب في المجال النووي؟ حتى الآن، يبدو أنه على الرغم من الخروقات التي حدثت للصفقة النووية في السنة الأخيرة، والتنصل منها مؤخراً، لا تزال إيران تتعامل مع هذا الموضوع بحذر، وبخطوات مدروسة. وذلك لعدة أسباب هي:
- تخوّف طهران من أن يؤدي كشف عمليات أحادية تدل بشكل قاطع على أنها تبذل جهداً للتقدم نحو سلاح نووي، إلى تعرضها لهجوم من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل وتدمير بنيتها التحتية النووية، وخصوصاً منشآت تخصيب اليورانيوم في نتانز وفي فوردو.
وفعلاً الرئيس ترامب الذي يعي جيداً التهديد النووي الإيراني غرّد في أعقاب إعلان إيران إلغاء التزامها بالصفقة النووية "أبداً لن تحصل إيران على سلاح نووي".
- عدم الرغبة في التسبب بمزيد من التوترات وانهيار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي أظهر حتى الآن تعاطفاً لا بأس به مع طهران.
- التخوف من أن يمنع اقتصاد إيران الضعيف مواصلة الاستثمار في مشروع السلاح النووي.
- تجلى الحذر الإيراني أيضاً في الخطوات العسكرية إزاء الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها في العالم العربي.
وهي حتى الآن امتنعت عن مهاجمتهم من داخل أراضيها، وفضّلت تنفيذ ذلك بوساطة ميليشيات وتنظيمات عسكرية في دول عربية واقعة تحت حمايتها: "حزب الله" في لبنان، الميليشيات الموالية لإيران في العراق، والحوثيين في اليمن.
وحتى الرد المباشر على مقتل سليماني – الذي نُفّذ من أراضي إيران - كان مدروساً ومحدوداً، والهدف منه واضح، منع التصعيد.
نتيجة ذلك، امتنعت الولايات المتحدة وإسرائيل حتى الآن عن تصعيد صراعهما العسكري في مواجهة إيران، وعن مهاجمتها في داخل أراضيها، وعملا فقط ضد القوات الخاضعة لإرادتها في سورية والعراق.

عن موقع مركز "بيغن – السادات"
*خبير في التكنولوجيا النووية، وعمل محللاً كبيراً في الاستخبارات الإسرائيلية.