الحل في غزة: ليس الاقتصاد، يا غبي!

حجم الخط

بقلم: يهودا فاكمان *


قبل بضعة أيام بُشرنا بمنح تسهيلات اقتصادية لغزة، هذه المرة على شكل تصاريح لعدد اكبر من التجار للدخول والخروج من والى القطاع. وفي اليوم ذاته، جاء عن قيادة المنطقة الجنوبية أن "التسوية" تجري كما ينبغي. مصادر في غزة، هكذا قيل، أفادت بأن البالونات المتفجرة التي سقطت في سديروت، وبالذات في الوقت الذي كانت فيه "التسهيلات"، هي رد من جانب اولئك الذين في غزة ممن هم غير راضين عن وتيرة تقدم "التسوية". ظاهرا تفسير كامل لوضع عديم المنطق. مرت بضعة ايام اخرى، وانظروا العجب، فقد أصبحت طريقة عمل "المارقين" طريقة عمل المنظمة التي تجري معها إسرائيل مباحثات "التسوية". وافادت وسائل الاعلام بأن "حماس" تعتزم تشديد أعمالها ضد إسرائيل لأن "التسوية" لا تجري بما يرضيها.
"الارهاب" لا يسكت لدفع رشوة اقتصادية. في العام 1923 هزئ جابوتنسكي في مقالته "الحائط الحديدي" من اولئك الذين عندنا ممن يعتقدون بأنه يمكن ارضاء معارضة العرب للصهيونية في امتيازات اقتصادية: "طالما كان لدى العرب ذرة أمل للتخلص منا، فإنهم لن يبيعوا أملهم هذا – لا لقاء كلام حلو ولا لقاء اي شريحة خبز بالقشدة".
في 1987 بعد 64 سنة من "الحائط الحديدي"، نشبت الانتفاضة الاولى. وقد نشبت بالذات حين كان عشرات آلاف الغزيين ينالون رزقهم في إسرائيل، ولم يقيد عبور البضائع، وكان الوضع الاقتصادي جيدا بما لا يقاس مع الوضع الذي ساد قبل السيطرة الإسرائيلية. وفي العام 2000 نشبت الانتفاضة الثانية. وها هم، بالذات عندما تحرروا من السيطرة الإسرائيلية واتيح لهم توجيه جهودهم الى الداخل، شرع الفلسطينيون بهجوم "ارهابي اجرامي" ضد إسرائيل.
ان جملة البحوث التي حللت دوافع "الارهاب" في إسرائيل وفي العالم كله على مدى التاريخ، تؤكد الفرضية الاساس لجابوتنسكي: لا توجد أي صلة بين الوضع الاقتصادي الشخصي وبين اختيار "الارهاب" كطريق لتحقيق ايديولوجيا ما. دولة إسرائيل ما كانت لتقوم لو كان العناد الذي تميز به مؤسسوها على مدى الزمن بالفكرة الصهيونية مشروطا برفاههم الاقتصادي.
اولئك الذين من بيننا ممن اهملوا قسما مهما من ايديولوجيتهم التأسيسية، وكل ما يريدونه هو ان يسيروا في قناة الحياة الطيبة، يشرحون وفقا للمنطق ذاته سلوك الطرف الآخر. هذا هو الدافع للفكرة الإسرائيلية التي تعتقد بأن نقل المال القطري الى غزة واعطاء التسهيلات الاقتصادية لسكانها سيقللان من تعلقهم بـ"حماس" وكذا ايضا الرغبة الشعبية لتحقيق ايديولوجيا المنظمة. هذا تذاكٍ عسكري إسرائيلي من النوع المعروف، كنتاج مباشر للتفكير الدارج في الثقافة الغربية العلمانية. اما عمليا، فإن الامتيازات الاقتصادية تصبح المرة تلو الاخرة رافعة للابتزازات والتهديدات، الموجهة باسلحة ضد من آمن بنجاعتها.
من يعتقد أن الحل السحري لمشكلة غزة يكمن في تحسين شروط حياة الغزيين، يتجاهل قوة الايديولوجيا والتعليم، اللذين يخلقان شبانا، سواء كانوا جوعى أم شبعى، مستعدين لأن يضحوا انطلاقا من الامل في تحقيق مثال اعلى وليس انطلاقا من يأس من وضعهم. ان القيادة الإسرائيلية تكذب على نفسها وعلى مواطنيها. فالضعف، الخداع الذاتي، الاماني، وبالاساس التجاهل لدروس الماضي تسمح لـ"منظمة الجريمة" المسماة "حماس" بالنجاح في سلوكها الابتزازي تجاه إسرائيل، ما يدفع ثمنه سكان الجنوب منذ سنوات عديدة. انه ليس الاقتصاد، يا غبي.

عن "إسرائيل اليوم"

* عقيد احتياط، مرشد في العقيدة القتالية في الجيش الإسرائيلي.