رأت دراسة جديدة لمركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ أنّه يوجد عدّة أسباب للإعلان عن استقالة عباس، فإلى جانب سنّه المتقدم (81 عامًا) فإنّه يفقد أساس شرعية سلطته الشعبية، إذ أنّه فعلًا لا ينجح في تحسين مستوى رفاه حياة السكان الفلسطينيين بشكل حقيقيّ، وكذلك الكفاح الشعبي السياسي الذي يتبناه، فهو لا يجذب الشعب ولا يقنعه، عباس، ومثل بقية مسؤولي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، مُقيّد بأصفاد بقاء السلطة الفلسطينية، مستقبلهم الاقتصادي والسياسي مرتبط بكونه جزء من هذه المنظومات، هذا الارتباط هو سبب كافٍ لمنع هؤلاء المسؤولين من المبادرة بحلّ السلطة. في الوقت عينه، تابعت، فإنّ الفساد والمحسوبية في صفوف السلطة تعتبر سرًا مفشيًا، والإحباط الشعبي بهذا الشأن يُعبّر عنه الفلسطينيون في استطلاعات الرأي العام.
بالإضافة إلى ذلك، عباس يشعر بأنّ المجتمع الدولي يفقد اهتمامه بالصراع الإسرائيليّ الفلسطيني، ويخشى من تراجع واشنطن عن كل الجهود لتحريك العملية السياسية ثانية، وذلك بسبب حسابات أمريكية داخلية مرتبطة هذه الأيام بالرغبة في منع رفع مستوى التوتر في العلاقات مع إسرائيل من بين الكثير من الأمور، على خلفية المصادقة على الصفقة النووية مع إيران، ومع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، بهذا المعنى، لفتت الدراسة، يُمكن رؤية استقالة عباس إيماءً للمجتمع الدولي وتحذيرًا من التراجع عن المساعدة في حل القضية الفلسطينية، وربما حتى تهديدًا رمزيًا بشأن الفوضى التي من شأنها أنْ تنتشر على الساحة الفلسطينية باختفائه عن مشهدها.
في المقابل، فإنّ عباس يُتابع التطورّات على الساحة الغزية، ويقظ للتقارير حول المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحماس، والتي ستقود ربما إلى اتفاقية هدنة أوْ تهدئة مقابل إعمار القطاع، جوهر التقارير، وخصوصًا فيما إذا كانت الاتصالات بين إسرائيل وحماس ستنتهي بتفاهمات بشأن الإعمار والتهدئة الأمنية طويلة الأمد، ستقوي الشرعية غير الرسمية التي تتمتع بها سلطة حماس في القطاع، لذلك، حتى وإنْ كان الحوار بين إسرائيل وحماس غير شامل ولا عملي، فإنّه ما يزال يُمكن أنْ يُعزز مكانة حماس في عيون الشعب الفلسطيني، وأنْ يسحق فرصة المصالحة بينها وبين فتح وإعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وكذلك يشكل حافزًا لحماس لمواصلة مساعي التخريب ضد السلطة في الضفة الغربية أيضًا.
وإلى ذلك كلّه، أكّدت الدراسة، يجب إضافة المصاعب التي واجهت عباس في مواجهته مع أعضاء اللجنة التنفيذية، ومن بينهم ياسر عبد ربه، والذين شخصّهم على أنّهم يحفرون تحت مركزه وصلاحياته، ويؤيدون المنافسين والخصوم.
وأشارت الدراسة إلى أنّ التطورات الأخيرة في السلطة ومنظمة التحرير، سواءً كانت سياسية أصيلة أوْ حيلة مفترضة دبلوماسية، فإنّها تشهد على وجود أزمة عميقة على الساحة الفلسطينية، ناتجة عن خطوات انحلال وفقدان مستمر لشرعية القيادة الفلسطينية، إسرائيل ليس بإمكانها التنصل من الأزمة، رغم أنّه لن يكون من الصواب من جانبها محاولة التدخل فيها بشكل مباشر، أيّ تدّخل إسرائيلي في الأزمة أوْ في محاولات حلها من شأنه أنْ يكون مشكلة رئيسية، إذ بالفعل محاولة التأثير فيما يجري على الساحة الفلسطينية سيُثير معارضة فلسطينية، وقد يزيد من حدة التوتر في ميدان الصراع. وأكثر من ذلك، تابعت الدراسة، فإنّ إشارة إسرائيل إلى زعيم فلسطيني مُفضّل من قبلها ستُضعف شرعيته وشرعية الأجهزة التي يسعى لتأسيسها وقيادتها، وسيما إثارة معارضة لجهودها في تجديد المحادثات السياسية مع إسرائيل في حال اختارت فعل ذلك.
وفي الواقع، أكّدت الدراسة، إسرائيل واقعة في فخ ما بين علاقاتها بالسلطة الفلسطينية وبين سياستها فيما يتعلق بقطاع غزة، الحاجة إلى إعمار القطاع، والتي هي حاجة إستراتيجيّة وإنسانيّة، تستدعي الحديث إلى حماس، غير أنّ التقدم في الحوار مع حماس من شأنه أنْ يُضعف مكانة السلطة على خلفية “لعبة محصلة الصفر” القائمة بين المعسكرين الفلسطينيين المتخاصمين، قالت الدراسة.
وتابعت، بناءً على ما تقدّم المطلوب من إسرائيل المُناورة بين التوترات ومعطيات العمل، ونصح وإلى جانب الجهد المبذول في إعمار قطاع غزة، أنْ تبادر إسرائيل بخطوات كبيرة في يهودا لضفة الغربية،تشمل من بين ما تشمله زيادة عدد المسموح لهم العمل في إسرائيل، وتحسين ظروف وطرق العمل في الحواجز المركزية بين الضفة وإسرائيل، وتليين السياسة فيما يخص تطوير المناطق على الأراضي الفلسطينية المصنفة (B)، والاستعداد كذلك لتخصيص مناطق محددة في الأراضي المصنفة (C) وإعدادها لدواعي التطوير الصناعي والبنى التحتية.
كما لفتت إلى أنّ الفجوة بين إسرائيل والفلسطينيين فيما يتعلق بنقطة الانطلاق لتجدد المفاوضات ما تزال واسعة عميقة، ناهيك عن مشروع التسوية الذي كان مقبولًا لدى الطرفين، بالإضافة إلى الفجوات في المواقف، والتي تجعل من الصعب على إسرائيل وعلى سلطة منظمة التحرير العودة إلى المفاوضات، من المفترض في حال حدوث تغييرات هيكلية وظيفية في منظمة التحرير والسلطة، فإنّ الجانب الفلسطينيّ سيكون مهتمًا لفترة زمنية لا بأس بها بالسياسة الداخلية عن التوجه للتفكير والعمل الذي سيُسهم في تجدد المفاوضات، ومعنى هذه الأمور أنّ الأزمة القيادية على الساحة الفلسطينية، بالإضافة إلى بقية العوامل، تُحدد مصير الطريق المسدود الذي آلت إليه العملية السياسية.
وعلى كل حال، خلُصت الدراسة إلى القول، ورغم الاحتمال الضئيل لتفكك السلطة الفلسطينية أوْ تدهورها إلى حدّ الفوضى غير المسيطر عليها، فسيكون الأصّح من جهة إسرائيل أنْ تستعد لحالة تضطر فيها إلى اتخاذ خطوات أحادية ومن دون تنسيق مع قوات الأمن الفلسطينية بهدف تقليص المخاطر والحفاظ على المصالح الحيوية، ودومًا يجب أنْ توجد خطة مدرجة لمواجهة تحقق هذا السيناريو.