كيف يمكن أن نقول "نعم" و "لا" للرئيس ترامب في آن واحد

حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

بداية أقول بأن ليس من الضروري أن يكون كل ما تسرب ونشر عما يسمى " صفقة القرن " صحيحا ً كما أنه ليس كله غير صحيح وبالتالي فإن ما تتداوله وسائل الإعلام لا يشكل أساسا ً نهائيا ً لإصدار الأحكام النهائية القطعية ، ولعل الحكمة والحذر يقتضيان الانتظار لمعرفة التفاصيل حين إعلانها رسميا ً.

ومع ذلك فإن هناك مؤشرات تدعو للقلق مما يتم طبخه وإعداده من قبل الرئيس الأمريكي دونالد طرمب الذي يفتقر للحد الأدنى من المعرفة بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وملابسات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، والذي يتصرف على الساحة الدولية تماما ً كما يتصرف البائع المتجول.

وإذا نظرنا إلى واقع الحال فإن الرئيس طرمب الذي يواجه حملة في الكونغرس بهدف الإطاحة به ، وهي حملة لا فرصة لها بالنجاح ، يتطلع لإعادة انتخابه في نهاية هذا العام لفترة رئاسية جديدة ، وأنه يعرف بأن القوة الوحيدة التي تستطيع إبقاءه في الحكم هي تحالف اللوبي اليهودي اليميني في أمريكا مع اليمين المسيحي الافنجلستي وهما وحدهما قادران على تحقيق هدفه بالبقاء ، ولذا فهو يعمل على تحقيق هدف هذا التحالف وهو تكريس الهيمنة الاسرائيلية على منطقة الشرق الأوسط من خلال تكريس احتلال اسرائيل لما تبقى من فلسطين من خلال الإعتراف بسيادتها على أكبر جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس وإضفاء الشرعية على الاستيطان والاحتلال واستمرار جلب اليهود الى " أرض الميعاد " لتحقيق النبوءة الشيخيخية بعودة المسيح المنتظر.

وعليه فإن المراقب أكثر ميلا ً الى الاعتقاد بأن كثيرا مما نشر عن تفاصيل الصفقة وليس كله ربما يكون صحيحا ً وأن بعض ما نشر ربما يكون بالونات اختبار أو أماني لجهات اسرائيلية تحاول الضغط لجعل تلك الأماني حقيقة.

وفي غمرة ما يحدث فإن من المؤكد أن القيادة الفلسطينية تجد نفسها امام اختبار هو الأصعب منذ بدء حركة التحرر الوطني الفلسطيني الحالية والتي دخلت في مرحلة الزخم في الأشهر الأولى التي أعقبت حرب حزيران 1967 وظلت منذ ذلك الحين تعلو تارة وتهبط تارة الى أن وقعت في شرك ما يسمى ب "العملية السياسية " وقبلت ما يسمى " نبذ الارهاب " وهو المصطلح الذي أريد به نبذ والتخلي عن الكفاح المسلح واللجوء للمفاوضات من أجل التوصل الى تسوية سياسية.

القيادة الفلسطينية اليوم تقف أمام التحدي الكبير الذي تواجهه القضية وهي في أسوأ الأحوال والظروف فلسطينيا ً وعربيا ً وإقليميا ً ودوليا ً وهي ظروف معروفة للجميع لا داعي للخوض بها .

ولذا فإن أول ما يتبادر الى الذهن هو أنه في مثل هذه الظروف لا يجوز لأحد أن يزاود على أحد ولا يجوز لأحد أن يشمت بأحد فالذي يواجهنا يعصف بنا جميعا ويهدد بإلقائنا ركاما ً على الشاطيء.

التفاصيل التي تم نشرها عن خطة طرمب مجحفة جدا بالحقوق والتطلعات الوطنية الفلسطينية ومنحازة جدا ً الى الأطماع التوسعية الاسرائيلية ، ولذا فقد رأينا أن كل ما صدر عن الجانب الفلسطيني هو الرفض المطلق لهذه الصفقة.

وأجازف بالقول بأننا نقف اليوم في موقف هو أشبه ما يكون بموقف أسلافنا عام 1947 عند صدور قرار التقسيم 181 والذي رفضناه لأنه كان مجحفا ً بحقوقنا إذ أعطانا أقل من نصف الأرض رغم أننا كنا نملك 93% منها وكنا نحن ثلثي السكان وأعطى اليهود أكثر من نصفها وهم ثلت السكان ولا يملكون إلا النزر اليسير منها.

اليوم وبنظرة الى الوراء ، يمكن أن نقول بأننا أخطأنا حين رفضنا قرار التقسيم لعام 1947 فهل يمكن أن يأتي يوم في المستقبل يمكن أن نقول فيه بأننا أخطأنا حين لم نقبل خطة طرمب ؟

أنا لا أقول ذلك لأنني لا أقبل صفقة طرمب كما هي ولا أقبلها لشعبي ، ولكنني أعتقد في نفس الوقت أن علينا أن نتعامل معها بحنكة سياسية لكي لا يُسجل علينا أننا برفضها المطلق ساهمنا في تمريرها.

الحنكة السياسية التي أتحدث عنها هي كيف يمكن أن نقول نعم ولا في نفس الوقت ، وكيف نفشل هذه الصفقة دون أن يتم اتهامنا بأننا أفشلناها وأعطينا المبرر للعالم أن يتخلى عنا ويتملص من مسؤولياته.

لا شك بأن في صفقة طرمب نقاط ايجابية يجب البناء عليها مثل الإقرار بمبدأ إقامة الدولة الفلسطينية وهو المبدأ الذي يرفضه الإسرائيليون من المركز وكل من هو الى يمين المركز.

فاليمين الإسرائيلي ممثلا ً بالليكود وشريحة كبيرة من كحول لفان وكل الأحزاب اليمينية المتطرفة الأخرى أمثال البيت اليهودي واليمين الجديد وعوتسماه يهوديت يرفضون مبدأ إقامة دولة فلسطينية ويريدون تكريس وجود إسرائيل الكبرى من نهر الأردن الى البحر المتوسط. وهم إذ يرفضون الدولة الفلسطينية لا يريدون الدخول في مواجهة مع الرئيس طرمب وينتظرون أن يقوم الفلسطينيون بإنقاذهم من هذا المأزق بأن يكون الفلسطينيون هم رأس الحربة في رفض الصفقة وعندها يخرج الإسرائيليون ليرقصوا في الشوارع فرحين بها تماما ً كما فعلوا عند صدور قرار التقسيم عام 1947.

وأنا أدعو القيادة الفلسطينية الى عدم إعطاء هذه الهدية للإسرائيليين وأن يكون الرد الفلسطينين بأننا ..." نرحب بالعناصر الإيجابية التي تضمنتها خطة الرئيس طرمب وندعو الأمم المتحدة والدول الكبرى بما فيها أمريكا الى عقد مؤتمر للسلام لتطوير خطة طرمب ومعالجة السلبيات التي تتضمنها من خلال مفاوضات جادة وعلى أسس قرارات الشرعية الدولية".

وبذلك لا نكون قد اتهمنا بالسلبية والرفض ، ونكون قد أبقينا الباب مفتوحا ً أمام الشرعية الدولية لتحمل مسؤولياتها تجاه الأمن والاستقرار الدولي لأن التنكر للحقوق الفلسطينية وحشر الفلسطينيين في الزاوية لن يؤدي إلا الى اندلاع العنف والمقاومة لأننا لن نقبل الاستسلام أو الخنوع لذل الاحتلال وغطرسة العنصرية مهما بلغت عنجهيتها. ونحن على استعداد للتعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق الأمن والاستقرار القائم على العدل.