الآثـار الـسـيـاسـيـة الـمـتـرتـبـة عـلـى إعـلان صـفـقـة الـقـرن

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


ينبغي أن نفهم ما الذي يوجد في «صفقة القرن» وما الذي لا يوجد فيها.
أبدأ بما يوجد فيها: هذه صفقة بين رون ديرمر، السفير في واشنطن، وجارد كوشنير، صهر ترامب والمسؤول عن ملف الشرق الاوسط في البيت الابيض. وقد حيكت الصفقة وفقا للمصالح الفورية للطرفين. أواصل بما لا يوجد فيها: لا يوجد فيها طرف ثالث. لا شريك: لا الفلسطينيين؛ لا الدول العربية السنية؛ ولا العالم الاسلامي بعمومه.
في القدس تحدثوا، أول من أمس، غير قليل عن التاريخ. لا ضرر، بالتالي، من الذكر بانه سبق أن كانت أمور كهذه: روسيا، بروسيا، والنمسا والمجر تقاسموا مع حلول نهاية القرن الثامن عشر بولندا دون ان يسألوا البولنديين. كانت هذه هي صفقة القرن خاصتهم.
خيرا أم شرا، البيان عن الصفقة، في توقيتها، وفي الآثار السياسية ايضا، هي انجاز عظيم لنتنياهو. ستقول الأيام اذا كان هذا طوق نجاته أم نعش موته.
لماذا تعد الخطوة مهمة بهذا القدر؟ أولا، تمنح ضوءا أميركيا أخضر لخطوات ضم في الضفة الغربية. يفترض بادارة ترامب ان تؤيد ليس فقط الضم في غور الأردن، بل أيضا ضم الكتل الاستيطانية والطرق المؤدية اليها من داخل الخط الأخضر. ما لا يفعله الأميركيون سيفعله ضغط وتوقعات المستوطنين. لن تبقى اي مستوطنة وأي مستوطن في الخارج.
ثانياً، ستدفن نهائيا التعهد باقامة دولة ثانية بين النهر والبحر. ليس مهما ما يقال في الخطة عن الدولة الفلسطينية: لا يمكن لاي سياسي فلسطيني ان يقنع ابناء شعبه بان يتعايشوا مع ما تقترحه عليهم الخطة. لا يمكن لأي زعيم عربي، بما في ذلك محمد بن سلمان السعودية، وبالتأكيد عبدالله الاردني والسيسي المصري، ان يؤيد الخطة علنا. السؤال الذي ينبغي أن يشغل بالنا هو ماذا سيحصل كنتيجة لنشر الخطة على الارض؟ كيف ستعمل أجهزة السلطة الفلسطينية التي تنسق اليوم مع إسرائيل؟ هل ستصمد السلطة؟ كيف سيرد الشارع الفلسطيني؟ كيف سيرد الناس في ميدان التحرير وفي مخيمات اللاجئين في الأردن؟ هل ستصمد اتفاقات السلام مع مصر والأردن؟
ثالثا، ستغير جوهريا النهج الذي كان متبعا من كل حكومات إسرائيل، من اليمين ومن اليسار. كل مبادرات السلام لإسرائيل ولدت ونشأت من خلف ظهر الولايات المتحدة. هكذا كانت خطوة مناحيم بيغن، التي أدت الى اتفاق السلام مع مصر؛ هكذا هي خطوة بيريس ورابين التي ادت الى اتفاق اوسلو؛ وهكذا هي خطوة رابين التي أدت الى اتفاق السلام مع الاردن. فلم تُدخل الادارة الأميركية الى الخطوة الا بعد ان تحطم الجليد، وكان مطلوباً مزيداً من الضغط، واحياناً مزيداً من الحوافز المالية، للوصول الى الاحتفال في ساحة البيت الابيض. هذا ليس صدفة: الأميركيون هم افضل وأهم اصدقائنا، ولكنهم لا يفهمون تفاصيل الشرق الاوسط. لا كلينتون، ولا بوش، ولا اوباما، ولا ترامب. في الشرق الاوسط لا يعرفون الا كيف يتورطون: انظر افغانستان، انظر العراق، انظر السعودية، اليمن، سورية.
كان مارتن اينديك مبعوث الرئيس اوباما لمسيرة السلام في عامي 2013 – 2014. قبل ذلك خدم مرتين كسفير للولايات المتحدة في إسرائيل. قبل اسبوعين نشر مقالاً شاملاً، نادراً في صراحته، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، اقترح فيه على إدارة ترامب سحب يديها من مسيرة السلام. وقال: «نحن غير قادرين على اتخاذ سياسة ثابتة في الشرق الأوسط. ثمة سبب وجيه لذلك، سبب يصعب على الكثيرين في المؤسسة السياسية الأميركية قبوله، وأنا منهم: الشرق الاوسط لم يعد يشكل مصلحة حيوية لأميركا. والتحدي هو تبني الاستنتاجات الناتجة عن ذلك».
وهو يهاجم ترامب، الذي لم تولد خطواته المتضاربة في العراق، في سورية، وفي السعودية إلا الضرر، ولكنه يهاجم ايضاً الرئيس الذي عمل تحت إمرته، براك اوباما. مثل ترامب، اوباما أيضا تحدث عن انهاء التدخل الأميركي ولكنه فعل العكس؛ تعهد، ولم يفِ بتعهداته.
في الماضي، كان للولايات المتحدة هدفان واضحان: ضمان ضخ النفط من الخليج باسعار معقولة وضمان وجود إسرائيل. ولكن الاقتصاد الأميركي لم يعد متعلقاً بالوقود المستورد. وبالنسبة لإسرائيل، لم يعد وجودها موضع شك. يمكنها أن تدافع عن نفسها. التهديدات من ايران على إسرائيل مقلقة، ولكن إسرائيل، مع سلاح ذري خاص بها، يمكنها أن تبيد ايران، وليس العكس.
«يصعب علي أن اعترف بذلك، ولكن حل الدولتين ليس مصلحة أميركية حيوية. هذه مصلحة إسرائيلية حيوية اذا كانت إسرائيل تريد ان تواصل كونها يهودية وديمقراطية، ولكنها ليست مصلحة أميركية. حان الوقت لوقف المهزلة في عرض خطط سلام أميركية يرفضها أحد الطرفين أو كلاهما».
اذا كان واضحاً مسبقاً أن خطة ترامب لا يمكنها أن تؤدي الى اتفاق فلماذا طبخها ترامب ونتنياهو، هما ورجالهما؟ الجواب ينقلنا من المسار الدبلوماسي الى المسار السياسي الداخلي. يسعى ترامب إلى ان يصرف الانتباه عن محاكمة العزل التي تدار ضده في مجلس الشيوخ. فخطة السلام هي نبأ ايجابي. وبخلاف الخطط السابقة ليس في خطته شيء يثير معارضة لدى الافنجيليين، الذين يحتاج الى دعمهم. وهي لا تنطوي على التزام عسكري، بل ولا تكلف مالاً – المال الذي سيعرض فيها، اذا ما عرض، سيرفض الفلسطينيون قبوله. الاوروبيون سيسدون أنوفهم، ولكن ليس للأوروبيين أسنان: في أقصى الاحوال سيزعجون إسرائيل قليلاً. وهذه مشكلة الإسرائيليين، وليست مشكلة ترامب.
من الواضح أكثر لماذا يريد نتنياهو الصفقة. الأحداث في واشنطن ستصرف الانتباه عن المداولات في الكنيست عن رفع حصانته. وبسرور عظيم سيضم اليه غانتس: في واشنطن نتنياهو هو فاتمن وغانتس في أقصى الأحوال روبين. هذا سيكون احتفال ترامب ونتنياهو. اذا سار غانتس في أعقابهما سيحرج ويخسر الأصوات؛ اذا سار ضدهما سيحرج ويخسر الأصوات. ان سير «أزرق أبيض» يمينا سيبدو كانجرار، مثل الاعتراف بالهزيمة. غانتس كان يجيد العمل لو قال: آسف، عملي في هذه اللحظة هو هنا، في الكنيست. سأسافر الى واشنطن عندما أُنتخب رئيسا للوزراء. وهو يكرر الخطأ ذاته الذي ارتكبه حين سافر الى مؤتمر «ايباك».
صفقة ترامب تشبه صفقات اخرى يعقدها نتنياهو في الطريق الى الحصانة، في الطريق الى الانتخابات. هي جيدة لنتنياهو. ليس مؤكدا أنها جيدة لإسرائيل.

عن «يديعوت»