عندما يتقمّص ترامب دور الفهلوي والكومبارس

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

عبد المجيد سويلم

الرئيس الأميركي صام وصام ولكنه رضي أن يقتصر فطوره على قشرة بصلة، كما يقول المثل الفلسطيني المعروف لدينا.
نعم إنها قشرة بصلة!
قشرة بصلة؛ لأن الرئيس ترامب بعد سنوات وشهور من "التشويق"، وبعد مراحل بكاملها من "الغموض"، أو افتعال الغموض، وبعد سنوات وشهور من ادعاء الدراسة والبحث والتمحيص، وجد نفسه يهرول وبسرعة لافتة للإعلان عن هذه الصفقة في الوقت المستقطع من مباراة الانتخابات الإسرائيلية، وقبل عدة أيام فقط من إعلان "الحَكَم" نهاية نتنياهو السياسية، وحرمانه من الحصانة التي تحولت إلى الأمل والملاذ الوحيد للهروب من تلك النهاية المدوية، من حيث طريقة السقوط، ومن حيث المصير المأساوي لرئيس وزراء حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة.
نعم لقد باع الرئيس ترامب صفقته بأبخس الأسعار، ورمى بها في سوق البضائع المستعملة، وحوّلها إلى بضاعة من النخب الثالث في الأسواق الإسرائيلية فقط لا غير.
باختصار مع نيته الإعلان عن بنود هذه الصفقة في الأيام القليلة المقبلة، أثبت الرئيس ترامب أنه فهلوي ساذج، وأنه ليس بمستوى الفهلوي الحقيقي القادر على الظهور بمظهر القادر أو المقتدر عندما تداهمه الأحداث أو تصدمه التطورات.
خوفه على نتنياهو من السقوط المدوي، كان ـ وما زال ـ يعني له من بين كل ما يعنيه أن "صفقته" ستتبخر في الهواء الطلق، وأن أحداً في إسرائيل لن يحتفل معه بالحماسة المطلوبة عند الإعلان عنها بعد أن يتوارى نتنياهو عن المشهد السياسي في إسرائيل، أو بعد أن يتوارى كامل حكم اليمين عن ذلك المشهد.
وخوفه أن يؤدي ذلك، من بين كل ما يمكن أن يؤدي إليه، إلى تصدع جبهة اليمين اليهودي المتحالف عضوياً مع اليمين الصهيوني المسيحي في الولايات المتحدة، وما يمكن أن تنطوي عليه نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة قبل نهاية هذا العام.
وخوف ترامب بل وشعوره بالرعب من تصدع جبهة اليمين في إسرائيل وفي الولايات المتحدة على حد سواء سيضع في مهب الريح كل ما اعتقد أنها "إنجازات" غير مسبوقة قام بتحقيقها في السنتين الأخيرتين على مستوى الأداء الاقتصادي فيها، وعلى مستوى ما "بناه" من ملامح جبهة عالمية لليمين المتطرف في العالم، وما يصبو إليه من توطيد لحلف دولي متغطرس ينذر بمجيء فاشية جديدة تحت مسميات جديدة من السيطرة والتحكّم والنفوذ.
وقع الرئيس ترامب في فخ فريقه "المحنّك"، وتحوّل إلى ضحية جديدة من ضحايا هذا الفريق.
فريق مؤدلج، بكامل أسلحة العدوانية والعنف والتطرف، وبكامل الاستعداد لخوض معركة بناء الحلف الجديد عالمياً، يعد العدة لمرحلة طويلة من السيطرة الهجومية المنسقة.
الرئيس ترامب ليس أكثر من فهلوي ساذج ومن كومبارس على خشبة مسرح هذا الفريق.
أزعم هنا أن أمور الإدارة الأميركية قد شهدت ما يكفي من الهزات والاستقالات والمغادرات حتى استقرت على ما استقرت عليه اليوم من وضع هو في الحقيقة جعل استقرارها في قبضة هذا الفريق، وبعد أن تم الإطباق على مقدرات هذه الإدارة في وزارتي الدفاع والخارجية بالتنسيق التام مع الخزانة الأميركية، ومع مفاتيح القطاعات الاقتصادية التي تسيّر هذه الإدارة عبر خيوط رئيسية يمسك بها هذا الفريق بالذات.
الرئيس ترامب على "قناعة" تامة بأن العرب لا يملكون خيار الوقوف ضد صفقته الفريدة، وأن العالم الإسلامي أعجز من أن ينبري لمواجهتها، وأن أوروبا حتى وإن جاهرت بالوقوف ضدها فإنها لن تخطو خطوة عملية واحدة لمجابهتها، وأن الفلسطينيين في وضع يستحيل عليهم الصمود طويلاً على الوقوف في وجهها. أما إسرائيل فكلها سترحب بهذه الصفقة، وستعمل بكل ما لديها من قوة وبطش لفرضها، وإجبار العرب على السكوت والخضوع لمقتضياتها.
التجربة التي عاشها ترامب بعد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبعد أن نقل سفارة بلاده إليها تعزز من قناعة ترامب، وتزكي وتزين له الإعلان الأرعن عن الصفقة في سوق الانتخابات الإسرائيلية.
ليس هذا فقط وإنما شعور ترامب بأنه حقق ردعاً كافياً بعد الإقدام على اغتيال سليماني، وتراجع إيران عن تهديداتها، بل والحديث المتجدد عن استعداد هذه الأخيرة للتفاوض مع الولايات المتحدة دون شروط مسبقة (من الناحية العملية) ربما يكون قد عزز من شعوره بأن طرح الصفقة بهذا التسرع، وفي إطار المعركة الانتخابية في إسرائيل ربما لم يعد مثلباً سياسياً، وأن بإمكانه أن يسوّق فهلوته على العالم بغض النظر عن رائحتها الانتخابية التي تزكم الأنوف كلها.
السيرك الإسرائيلي هائج ولا يعوّل على وضعه بهذه الصورة القائمة.
واللاعبون الإسرائيليون على المسرح لا يهمهم الصفقة بقدر ما يهمهم الانتخابات الإسرائيلية لأن الغنائم باتت في أيديهم.
والعالم يعرف أن اللاعب الحقيقي يقف خلف الباب، والعالم العربي ليست لديه القدرة على لعب دور شاهد الزور حتى ولو أراد.
وأما ترامب فهو لاعب من الدرجة الثانية، والمسرح الحقيقي لن يفتح قبل البشائر الأولى لمصير نتنياهو.
وكل ما سنشاهده من عروض على مسرح صفقة ترامب قبل ذلك هي مجرد عروض تجريبية قابلة للتعديل.
وسنرى إن كان التاريخ سيسجل أن فلسطين نفسها التي أراد ترامب أن يقزّمها وأن يقطّعها ويفصّلها على مقاس إسرائيل ستكون هي عنوان هزيمة هذا الحلف الشرس.