في خطابه ليلة امس امام القيادة الفلسطينية لم يخرج عباس عن ابجدياته وعن برنامجه الذي عمل به منذ السنوات الاولى من السبعينات وطبقه فعليا ً بعد رحيل ياسر عرفات ، لم تكن ابجدياته في خطابه امام القيادة الفلسطينية وان حملت في بعض كلماتها نوع من استجلاب العواطف الا انه استطاع ان يمرر كثير من المفاهيم التي تحافظ على برنامج اثبتت التجربة والاحداث فشله بل كان التاريخ مرارا عبر هذه السنوات يسجل انجازات لمشروع الاحتلال وبالتحديد لرؤية اسرائيل الامنية والجيوسياسية والاقتصادية على ارض فلسطين ، مازال الرئيس متمسك بالشرعية الدولية وبقرارات الشرعية الدولية التي تجاوزها ترامب واستقبلها نتنياهو بكل سرور ، لا نريد ان ندخل هنا في دوافع اعلان صفقة ترامب ما قبل الانتخابات الاسرائيلية الا ان الرجلين في موقف حرج بالنسبة للمؤسسات القضائية سواء الامريكية او الاسرائيلية ، على العموم لا نريد هنا ان نتعمق كثيرا في منهج عباس الذي هو واضح وضوح الشمس ولن تنجب مواقفه شيئا جديدا يمكن ان يعدل المسارات او يعيد الفعالية والقوة للخيار الوطني والبرنامج الوطني الذي اقرته المجالس الوطنية رغم اجحاف تلك المجالس وتنازلها كثيرا عن الرؤية الوطنية للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني منذ البدايات ومنذ اوائل السبعينات ، ولكن هذا ما حدث وهي بالضرورة مسارات اجبارية اخضعوا الشعب الفلسطيني لها وبالتالي علينا ان نتلقى جميع الاطروحات الدولية والاقليمية التي بنيت على تلك المواقف والتي اساسها 242 وما بعده .
ولكن سنتحدث الان عن قضية المعارضة الفلسطينية وكلمات ( لا لا لا ) لصفقة القرن وسنسقط صفقة القرن حقيقة لا افهم هؤلاء هم يضحكون على انفسهم ام يضحكون على الشعب ام هي عملية استحمار لهذا الشعب الذي مهدوا لاستحماره بسيل من الفساد والثقافة الممنهجة لقبول واقع فاسد وواقع فاشل وواقع انتج فقر وبطالة واعتقالات وملاحقة ذوي الفكر والرأي ، كل تلك العوامل تجعلنا نقف بدهشة للذين يرفضون صفقة القرن وما جاء في تلك الصفقة وكان اعلان ترامب امس اتى مفاجاة عليهم فتدافعوا للاجتماعات واللقاءات والاتصالات الهاتفية وللاسف كثير منها ايضا كان مع شخصيات اسرائيلية من تحت الطاولة بغير ماهو معلن من اجتماعات للقيادة الفلسطينية للبحث في ردود الفعل او ما يجب فله لاسقاط تلك الصفقة .
كيف يمكن ان تسقط تلك الصفقة ؟ اهي اتية على اجنحة من الخارج لكي تنصبوا مدافعكم وصواريخكم وكلماتكم الفارغة لتتصدوا لها جوا او برا ً او بحرا ، ام ان صفقة القرن لم تكن مفاجاة وتم الحديث عنها من اكثر من عامين لو كانت هناك رؤية واضحة ومواقف صادقة لانعكس ذلك على البرنامج وعلى علاقة تلك القيادة بالشعب وكانت هناك مراجعات واستقالات للفاشلين وكان هناك تجديد للنظام السياسي الفلسطيني بشخصياته وابجدياته ، ولكن صفقة القرن اذا نظرت يمينا ً وشمالا ً وشرقا وغربا ً فهي تعيش بينكم وفي انفاسكم وفي مصالحكم وفي حياتكم ورغباتكم التي عملتم على ان تحققوها عبر مسارات منذ عقود .
صفقة القرن موجودة الان وطبقت اي بنسبة 80 % منها طبق ، طبق بالنسبة للقدس وطبق بالنسبة لغور الاردن والغور الشمالي وفي الخليل وفي المستوطنات الكبرى وطبق ايضا ً في القرارات التي اصابت وكالة الغوث للاجئين ، وطبقت ايضا ً امنيا بدعم الاجهزة الامنية فقط وطبقت ايضا ً كخطوات عملية بوساطات اقليمية في غزة عبر مسارات التهدئة بالمشاريع المنفذة والموعود تنفيذها من ميناء ومطار وتوسعات ومنطقة صناعية ومستشفى امريكي امني يجثم في شمال غزة .
اذا ماهو الذي لم يطبق في صفقة القرن ؟ غزة بها مؤسسات سيادية تعمل باقل من دولة ولكن تمارس على الارض مؤسسات دولة ، وفي الضفة الغربية تجمعات سكنية تديرها ما يسمى سلطة ومرجعيتها الادارة المدنية الاسرائيلية .
اذا لم يبقى من صفقة القرن عمليا الا عملية التوطين للاجئين الفلسطينيين وفتح باب الشيكات المالية للمستفيدين انظمة وشركات ومقاولين لهم اسست تلك الصفقة ، اذاماهو الذي لم يطبق في الصفقة التي تعارضونها الان ؟ هو فقط الشق المالي الذي يمكن ان يضع محددات سلوك وقيادة فلسطينيا واقليميا ً .
اريد ان اعود للتاريخ مرة اخرى حينما قررت نابلس عصيانا مدنيا في اضراب 36 وهو اطول اضراب في العالم كان يمكن ان يجلي الانتداب البريطاني وعجزت بريطانيا عن مواجهته وتمت المواجهة بوساطة عربية وحقيقة كما انضحك علينا الان انضحك على ابائنا وافشل الاضراب قبل الحصاد وكما افشلت الانتفاضة الاولى قبل الحصاد ، ولكن اريد ان اذكر ايضا عندما وجه الحاج امين الحسيني انذار لبريطانيا اذا لم توقف الهجرة اليهودية فانها ستتعرض لمقاومة في فلسطين ..تراجعت بريطانيا وبالتالي اصدرت الكتاب الابيض المعروف بالدولة على ارض فلسطين ، وايضا بوساطة عربية تم اجهاظ حركة الحاج امين الحسيني ، وهنا اريد ان اذكر ايضا هناك من خانوا العهد والقسم والتاريخ يعيد نفسه مثل النشاشيبي ومن حوله وكتائب السلام والتمسك بالشرعيات وبدون الرجوع لتوثيق عمل مقاوم على الارض ، اي بمنعى " استحلاب عواطف الجماهير " ولكن ( الضحك على الذقون هو سيد الموقف ايضا ) .
يبدو ان قيادتنا الفلسطينية تعيش بمعزل عن العالم ، فبمجرد ان تسقط طائرة يستقيل رئيس او وزير ، وربما لو احد المسؤولين في اوروبا مول سيارته على حساب الدولة يقدم للقضاء ويستقيل وهناك احداث كثيرة من هذا النوع ، عندما يستقل رئيس وزراء المترو " امنت فعدلت فنمت يا عمر " ولكن هيهات من تلك القيادة التي زجت الشعب الفلسطيني الى جرف من الصعب الخروج منه ومازالت تتشدق بما كان وتتمسك ببرنامج بالي عفى عليه الزمن وفقط لاستمرار وجودها ومصالحها ومكتسباتها ولو على حساب الشعب ، فكان يجب على تلك القيادة ان تتخذ عدة خطوات منذ سنتين وليس الان في امتجاج عواطف الشعب وهنا اريد ان اذكر في احد خطابات نصر الله اوضح عن اتصال الامريكان معه حين قالوا له قل ما شئت بحقنا وبحق اسرائيل عبر الفضائيات وعبر استدرار عواطف شعبك ولكن على الارض لنا مطالب تقنين سلاحك بحيث لا يتكون من الاسلحة الثقيلة وشمال نهر الليطاني وخذ ما تريد من اموال ، واعتقد ان هذا السلوك الامريكي مازال قائما مع قيادتنا التي تقول لشعبها لا لصفقة القرن وتعجز عن صنع اي معادلة حقيقية لمواجهة هذه الصفقة ، فكان يجب على تلك القيادة منذ اكثر من عام ان تتخذ عدة خطوات ضرورية لمواجهة تلك الصفقة وقبل تنفيذها على الارض والتعامل بجدية مع كل القرارات التي فرضت في القدس والغور وغزة ، القرارات هي ولكن اريد ان اذكر بوثيقة عباس يوسي بيلين حول العاصمة الفلسطينية في القدس ابو ديس شعفاط ابو غنيم واحدة منهم والتي كانت مرجعية لفريق كوشنير ترامب .
ماكان يجب فعله سابقا :-
1 – تنفيذ قرارات المركزي وسحب الاعتراف باسرائيل والرجوع عن قرارات عام 1988 ووقف التنسيق الامني وتجميد اتفاقية باريس .
2 – اذا لم تستطع القيادة تنفيذ البند الاول كان يجب عليها الاستقالة عبر مجلس وطني والقاء عبئ المرحلة على الشعب ليختار ما يريد من قيادات قادرة على المواجهة .
3 – انهاء مشكلة فتح الداخلية بعقد مؤتمر حركي يضم كل الفتحاويين ولان الخلاف كان على فلسطين ومن هو يبتعد عن فلسطين ، اما الان فهذا اللقاء او المؤتمر سيكون هو من مع فلسطين وبكل تيارات حركة فتح التيار الاصلاحي وتيار الكفاح المسلح وكتائب شهداء الاقصى وفتح الانتفاضة ، كل هؤلاء فتحاويين يجب ان يعودوا للاطر الفتحاوية لتعود حركة فتح حركة تحرر وطني تواجه المرحلة وخطورتها .
اما اليوم فقد كان هو يوم الحقيقة ، هو يوم اثبتت فيه القيادة انها ليست جديرة بقيادة هذا الشعب لصمتها طوال عامين على هذه الصفقة التي يتبجح عباس بانه قال لا منذ عامين ولكن ماذا فعل على الارض ؟ هل الغى عقوباته على غزة هل اعاد وحدة حركة فتح وكوادرها للاطار ؟ وهل انهى قرارات الفصل ؟ وهل تراجع عن كل القرارت التي اصابت غزة فتحاوييها وغير فتحاوييها ؟ طبعا لا حتى في خطابه الاخير لم يتراجع ولم يشعر باي تانيب عن ما فعله طوال السنين السابقة ، ولذلك اكرر مرة اخرى ربما او كان هناك ضميرا وطنيا ولو بالحد الادنى لاشتعلت شوارع الضفة الغربية حتى ولو بالمقاومة السلمية فلماذا لم يعلن اضراب مثل اضراب ابريل 36 التي كانت نابلس طليعته وعم كل فلسطين ليهز اركان الانتداب ، فمثل هذا الاضراب سيهز اركان الاحتلال وبالتاكيد لن يجد الاحتلال الا ان يخلي الضفة الغربية ويفك حصار غزة ، يجب ان تراجعوا ما حققه اضراب 36 حينما استطاع تهديد مطارات الانتداب والسكة الحديد وقطع الطرق وتكوين اللجان الشعبية في القرى والمدن الفلسطينية حيث حوصر الاحتلال البريطاني فهل لكم من التاريخ عبرة ايها الفاشلون ؟ الشعب الفلسطيني جاهز للتضحية وجاهز ان يقدم ابنائه كما قدمهم في اضراب 36 وما بعدها وجاهز ان يقدم كما يقدمه اطفال الضفة الغربية الان ومناضليها وغزة جاهزة ان تدفع بابنائها ايضا والتي تدفعهم كل يوم سواء في العدوان المستمر على غزة او في مسيرات العودة التي لم تحقق اي انجاز سياسي سوى بعض المشاريع الضيقة التي تصنف الان بانها فرض امر واقع من بنود صفقة القرن ... اعذروني لقد تحدثت بالحقيقة والصراحة ومن يريد ان يستشيط غضبا فليستشيط ومن يريد ان يواجه الواقع فله كل احترام .