جيش التحرير و«سجن عدرا»

غسان زقطان
حجم الخط

 

ليس واضحا بعد دقة الأخبار القادمة من ريف دمشق والتي تتحدث عن مقتل عدد كبير من مجندي جيش التحرير الفلسطيني في سورية.

الألوية الثلاثة التي يتكون منها هذا الجيش، حطين، القادسية، أجنادين، التي من المفترض أن تخضع، على نحو ما، لقرار قيادة المنظمة بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده، وهو ما لم يحدث في أية مرحلة منذ تأسيسه، إذ انيطت قيادته بحزب البعث بجناحيه العراقي والسوري، ما دفع هذا الجيش للانشقاق أكثر من مرة، عامي 1976 اثر دخول القوات السورية إلى لبنان وحصارها لمنظمة التحرير، والعام 1983 اثر حصار القوات السورية وحلفائها لطرابلس ومخيمي نهر البارد والبداوي، بحيث بدا أن ضباط وجنود الجيش مضطرون للانشقاق كلما حاولوا الدفاع عن منظمة التحرير، الذين هم جيشها، والوقوف إلى جانب شعبهم.
المجندون الذين تتكون منهم الألوية الثلاثة والكتائب التابعة لها في سورية، يجري جمعهم من مخيمات سورية تحت نفس شروط التجنيد المتبعة في الجيش السوري، وتدريبهم وتسليحهم قبل فرزهم لكتائب ومراتب جيش التحرير. 
في أرشيف هذه الألوية الكثير من المجد والإنجازات القتالية المشهودة والموثقة، سواء خلال معارك حرب تشرين حيث تولت وأنجزت واحدة من ألمع المعارك وهي عملية الإنزال الشهيرة بالحوامات في جبهة الجولان، تل فرس، الإنزال على مرصد جبل الشيخ وتحريره كاملا بعد تطهيره من الجيش الاسرائيلي، أو خلال حرب الاستنزاف على جبهة الجولان، أو الدور المهم الذي أدته قطعات من هذه الألوية خلال حصار بيروت.
الأخبار الواردة من ريف دمشق ومحيط سجن دمشق المركزي المعروف بـ "سجن عدرا" الشهير، تشير إلى أن عشرات من هؤلاء المجندين قد قتلوا خلال المواجهات بين "جيش الإسلام" الذي يقوده "زهران علوش" المقرب من تركيا والإخوان المسلمين وبعض الميليشيات الاسلامية من جهة، وبين جيش النظام وكتائب من جيش التحرير الفلسطيني من جهة ثانية.
يتسع سجن عدرا لحوالى 2600 سجين ويضم 14 قسما،  ولكن التقارير تتحدث عن حوالى الـ 5000 آلاف سجين، وهناك تقارير تصل بالرقم إلى العشرة آلاف، وبينهم عدد كبير من السجناء السياسيين المعارضين، أو المشكوك بمعارضتهم للنظام في سورية، كما يضم سجنا خاصا للنساء، تشير آخر الأنباء إلى أن التلال المحيطة بالسجن والقسم الخاص بالنساء منه قد أصبح تحت سيطرة جيش علوش.
ثمة تاريخ مجيد ومشرف لهذا الجيش وهؤلاء الجنود بدأ منذ تأسيس أول كتائبه على يد الرئيس العراقي السابق عبد الكريم قاسم في العام 1961، وامتد بعد تأسيسه عربيا العام 1964 في مناطق تواجد الشعب الفلسطيني، الأردن، سورية، مصر وقطاع غزة، دون أن يشمل لبنان رغم وجود العديد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على طول وعرض البلاد.
هذا التاريخ يدفع للتساؤل بألم عميق حول كيف انتهى الأمر بزج هؤلاء الفتية في المقتلة السورية إلى جانب النظام،  ودفاعهم المكلف عن أحد أسوأ رموز الاضطهاد والقهر في سورية، "سجن عدرا"، وموتهم المجاني على أسيجته وتحت جدرانه.