نهاية حلّ الدولتين وبداية مرحلة الضمّ

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


نتنياهو محق: هذا حقاً مساء تاريخي. فالخطة التي تحمل اسم ترامب تنهي فصلاً وتبدأ فصلاً جديداً في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. حل الدولتين، الذي تحكم بالخطاب الدولي منذ 1993، يفقد مع الخطة ما تبقى له من صلة. دولة واحدة ستحكم بين النهر والبحر، برعاية أميركا. هذه ليست خطة سلام: هذه خطة ضم. أما إذا كان هذا جيداً لإسرائيل أم سيئ لها فهذا منوط بمن تسألون.
كانت لدينا خطط ومخططات أميركية بوفرة، منذ خطة الرئيس ريغان في العام 1982. كل هذه المبادرات أثارت ضجيجاً كبيراً في حينه وتبددت. وعلى الرغم من ذلك، فإنها خلّفت وراءها توقعات جعلت تحقيق الاتفاق صعباً.
أما خطة ترامب فتفعل أكثر من هذا: تعطي حكومة نتنياهو إسناداً لسلسلة خطوات من طرف واحد، ابتداء من الأحد المقبل. في المرحلة الأولى ستضم الكتل الاستيطانية وغور الأردن، وفي المرحلة الثانية ستضم المستوطنات المنعزلة والطرق المؤدية إليها.
على الأرض لن يحصل شيء. فاليوم أيضاً ينطبق القانون الإسرائيلي على سكان المستوطنات. وستتقرر الحقائق على الأرض بعد ذلك: فهي ستخلق بالضرورة واقع منظومتين قانونيتين لفئتين سكانيتين في ذات قطعة الأرض – واحدة مسيطرة، والثانية خاضعة للاحتلال. بتعبير آخر، دولة أبارتهايد.
ينبغي البحث في الخطة الأميركية دون صلة بلوائح الاتهام ضد نتنياهو، كما ينبغي البحث في لوائح الاتهام دون صلة بالخطة. صحيح أن هناك صلة، سواء بالتوقيت أم بالمضمون، ولكن المسألتين مهمتان بما يكفي للبحث فيهما كل على انفراد.
لعله من الأفضل التركيز على نصف الكأس المليء. فالخطاب الذي ألقاه ترامب، أول من أمس، كان الخطاب الأكثر تعاطفاً مع إسرائيل من رئيس أميركي. أما الخطة المفصلة فتفعل أكثر ما تستطيع كي تلبي الاحتياجات الأمنية لإسرائيل وللمستوطنين في الضفة. فقد حقق نتنياهو من محادثيه الأميركيين ما لم يتمكن أسلافه من تحقيقه: الاعتراف بسيادة إسرائيل في شرق القدس حتى جدار الفصل، وكذا الاعتراف بالسيطرة الأمنية على كل الضفة، وكذا تبادل الأراضي على أساس غير متساو، وبالأساس: سلسلة شروط مسبقة لا يمكن لأي قيادة فلسطينية أن تقبل بها. أما الدولة الفلسطينية المستقلة التي يتحدث عنها ترامب فبائسة أكثر من أندورا، ومنقسمة أكثر من جزر العذراء.
إنجاز نتنياهو، بالمساعدة المتحمسة من كوشنر وفريدمان، هو في نظري هدية غم: فهو يؤدي إلى نهاية الدولة اليهودية – الديمقراطية، وإلى نهاية الصهيونية. ولكن يمكنني أن أفهم فرح أولئك الذين يعتقدون خلاف ذلك. برأيهم، الإنجاز عظيم. فهم يؤمنون حقاً بأن ترامب هو الصديق الأكبر لإسرائيل في البيت الأبيض، وهم يؤمنون حقاً بأن نتنياهو هو المسيح.
لقد كانت إسرائيل منذ قيامها مسألة سياسية داخلية في أميركا، ليست مسألة في السياسة الخارجية. كلما تعاظم نفوذ يهود الولايات المتحدة تعاظم الالتزام بإسرائيل. ولكن في السنوات الأخيرة طرأ تغيير: انتقل الالتزام من اليهود إلى الافنجيليين. ترامب بحاجة إليهم، إلى أموالهم، إلى تواجدهم في مهرجاناته وإلى مشاركتهم في الانتخابات. اليهود معقدون: فهم في غالبيتهم الساحقة يمقتون ترامب ويبتعدون عن إسرائيل. وخطابا ترامب ونتنياهو كانا موجهين إلى آذان الافنجيليين. كانت هذه هي مساهمة نتنياهو المتواضعة في انتخابات ترامب.
كان التوقيت هو المساهمة غير المتواضعة من ترامب في انتخابات نتنياهو. لا أدري كم من الأصوات أضاف نتنياهو لنفسه، أول من أمس، هذا إذا أضاف. ولكن نية ترامب، التدخل في الانتخابات هنا، واضحة تماماً. وحقيقة أن محاكمة عزله، التي تجري الآن في مجلس الشيوخ، حيث يتهمونه بمحاولة تجنيد دولة أجنبية ضد خصم سياسي، لا تمنعه من تكرار المناورة: نتنياهو يساعده، وهو سيساعد نتنياهو. هو ليس الرئيس الأميركي الأول الذي يعمل هكذا مع إسرائيل، وليس الأخير. سبق أن قلنا: إسرائيل هي سياسة أميركية داخلية.
كل شيء يدخل في هذا المرق، بما فيها لوائح الاتهام. لو لم تكن لوائح الاتهام، لكان من المشكوك فيه أن تكون خطة ترامب أبصرت النور، وبالتأكيد ليس في هذا التوقيت. لو لم يخدع نتنياهو الجهاز القضائي على طول الطريق، لكان مشكوكاً فيه أن يسارع المستشار بهذه السرعة. "هو مهووس"، اتهم نتنياهو مندلبليت. أما المهووس فهو نتنياهو. لا يمكن عدم التأثر بتمسكه بالمهمة.
عند الحاجة، سيأخذ الطائرة التي تمول من ضرائبنا، فيطير كل الطريق من واشنطن إلى موسكو ويأخذ فيها شابة تسمى نوعاما يسخار. الكثير من الأمور الغريبة يفعلها رؤساء الدول في الطريق إلى الانتخابات، ولكن يخيل لي أن هذه هي المرة الأولى التي تحظى فيها مجرمة مدانة، وإن كانت بجريمة خفيفة، بأن تطير بالمجان في طائرة رئيس الوزراء. يوجد بعض الأبرياء الذين كانوا سيفرحون بالصعود إلى الطائرة، ولكن الأبرياء لا يساوون كثيراً في صناديق الاقتراع.

عن "يديعوت"