صفقة ترامب: تعهدات لا يمكن تطبيقها

حجم الخط

 بقلم: تسفي برئيل


هناك شعاران إسرائيليان يرافقان العملية السياسية منذ التوقيع على اتفاق أوسلو: "الفلسطينيون لم يفوتوا أيّ فرصة لتفويت الفرص" و"لم يطرح على الفلسطينيين في أي يوم عرض أفضل من هذا العرض". هذه شعارات نمطية، ليس فقط أنها غير صحيحة، حيث إن الفلسطينيين وقّعوا على اتفاق أوسلو، واتفاق أوسلو 2 واتفاق باريس، بل هي مناسبة أيضاً بالنسبة لإسرائيل.
الآن أيضاً، عند نشر تفاصيل "صفقة القرن" (دون مشاركة الفلسطينيين) فإن الرئيس الأميركي واثق من أنها صفقة ممتازة للفلسطينيين. لذلك، هو مقتنع بأنهم سيوافقون عليها في نهاية المطاف. وفي هذه المرة "لن يفوتوا الفرصة"، حيث إنه مع ذلك معروض عليهم دولة ما. رد الفلسطينيين على الرئيس، الذي فشل في لفظ اسم المسجد الأقصى، لم يتأخر. فقد أعلنوا رفضهم المطلق للخطة، ودعوا للخروج في تظاهرات غضب.
في الوقت ذاته دعت السلطة إلى اجتماع عاجل وخاص للجامعة العربية. وحسب تقارير مختلفة، فإن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يهدد بحل السلطة الفلسطينية، والانسحاب من اتفاقات أوسلو. بالنسبة لهم هذه خطة تتبنى بالكامل طموحات إسرائيل في ضم "المناطق" وإنهاء أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
إذا كانت الخطط في السابق تحدثت عن جيوب أو كتل يهودية في دولة فلسطينية ذات حدود معترف بها تستند إلى خطوط 1967، الآن ستكون عدة جيوب فلسطينية داخل دولة إسرائيل. جيوب دون أي تواصل جغرافي مع اعتماد اقتصادي كامل على إسرائيل، ما يعني التنازل عن الحلم الوطني الفلسطيني بإقامة دولة ذات سيادة بعد عشرات السنين من النضال.
حسب الخطة، غزة والضفة ستتم إعادة ربطهما، لكن في الطريق سيتم اقتطاع عدد من السكان الفلسطينيين في الضفة ونقلهم إلى السيادة الإسرائيلية. تعرض الولايات المتحدة مليارات الدولارات كمساعدة لإعادة الإعمار والتطوير الاقتصادي. ولكن دون أي التزام واضح مع جدول زمني لتحويل هذه الأموال ودون الإشارة إلى هوية المتبرعين الذين سيقدمون هذه المليارات التي يدور الحديث عنها. هل ترامب يتوقع أن تدفع السعودية الحساب أم دولة الإمارات؟ الواضح هو، على الأقل حسب النقاشات التي جرت بالبحرين في حزيران الماضي، أن الولايات المتحدة لن تساهم ولو بدولار واحد في الخطة. ومن المثير للاهتمام أن سفراء السعودية ومصر والأردن لم يشاركوا في الاحتفال، ولم يحصلوا على الشكر من ترامب أيضاً.
خلافاً للأردن الذي عبّر بشكل صريح عن معارضته للخطة، فإن مصر والسعودية تنتظران أن يعلن الفلسطينيون عن موقفهم أولاً. ويمكن التقدير أنه في اجتماع الجامعة العربية ستسويان صفوفهما مع الخط الفلسطيني – الأردني، بشكل خاص بعد أن أوضح ترامب أنه لن يكون أي تغيير في الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، التي تطمح السعودية إلى نقلها تحت رعايتها. وإذا كان غياب هؤلاء السفراء عن الاحتفال يدل على مواقف هذه الدول، فمن المشكوك فيه أن يتحقق الإغراء الكبير الذي يعرضه ترامب على الفلسطينيين على شكل أموال طائلة تمكن "هؤلاء الناس المؤهلين من الازدهار".
الخطة أحادية الجانب هي على الأكثر صفقة بين إسرائيل وأميركا. في هذه الأثناء تسمع صرخات اليمين الاستيطاني، الذي يعارض بشكل قاطع إقامة دولة فلسطينية، بعد أربع سنوات أو أربعين سنة. ولكن أيضاً إذا حدثت المعجزة، وتبنت حكومة إسرائيلية برئاسة "الليكود" أو "أزرق أبيض" هذه الخطة، فهي ستجد نفسها دون أي شريك فلسطيني في الضفة، أو في قطاع غزة الذي تسيطر عليه "حماس"، إلى جانب صراع عميق مع الأردن سيهدد اتفاق السلام بين الدولتين.
في الوقت نفسه من شأن نشر الخطة بالضبط أن يسرّع المصالحة بين "فتح" و"حماس"، كجزء من الجهود لتنسيق النضال الداخلي والدولي ضد الخطة. الشروط التي ذكرها ترامب من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية (في حينه) موجهة بشكل مباشر ضد "حماس"، التي سيكون مطلوباً منها ليس فقط الاعتراف بدولة إسرائيل، بل نزع سلاحها. جميع أسس المقاومة المسلحة وغير المسلحة التي وجدت تعبيرها في التظاهرات على حدود القطاع، وهو الأمر الذي اعتبره ترامب ونتنياهو تحريضاً، يجب أن تتوقف.
هذه شروط غير ممكنة وغير مقبولة، ليس فقط من قبل "حماس"، بل أيضاً من قبل عباس. في إطار الخطة مطلوب منه الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ووقف دفع الأموال لعائلات "الإرهابيين"، وهو الموضوع الذي اضطر نتنياهو إلى التنازل عنه من أجل منع الانهيار الاقتصادي في الضفة. إذا وحدت "حماس" و"فتح" جهودهما من أجل بناء سور محصن ضد الخطة، فإن الرد المشترك يمكن أن يرتكز إلى قاسم مشترك "متطرف" بين المنظمتين.
موضوع اللاجئين الفلسطينيين يضع عائقاً كبيراً أمام الخطة. ومثلما أوضح نتنياهو، فإنه لن يعود أي لاجئ فلسطيني إلى المناطق التي توجد تحت سيادة إسرائيل، داخل الخط الأخضر أو المناطق التي سيتم ضمها إليها. أي أنه في حالة تمكن اللاجئون من العودة فإنه يمكنهم الاستقرار في الضفة وفي القطاع أو في دول عربية أخرى. من هذا بالضبط يخاف الأردن، المرشح لاستيعاب مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي سيحطم التوازن الهش والدقيق الذي يهدد، الآن، هويته الوطنية. وليس من الواضح، بالمناسبة، هل يستطيع اللاجئون العودة، حتى إلى الضفة، قبل إقامة الدولة الفلسطينية المعترف بها، وطالما أن إسرائيل تسيطر على المعابر الحدودية على نهر الأردن.
تعد الخطة بتواصل جغرافي للدولة الفلسطينية. وألمح نتنياهو إلى اختراعات صيغت من أجل تحقيق ذلك. تصعب رؤية كيف سيكون بالإمكان حل التناقضات بين سيادة إسرائيلية في جميع المستوطنات والبؤر الاستيطانية (لن يتم إخلاء أي يهودي أو فلسطيني من بيته)، التي ستقتضي فضاء دفاعياً عنها وبين إيجاد تواصل جغرافي بين الأراضي الفلسطينية.
ألغى ترامب في خطته سريان مفعول القانون الدولي في "المناطق". وهذه إحدى الساحات الأساسية التي سيتوجه إليها الفلسطينيون من أجل مواجهة الخطة. إسرائيل، التي تفاجأت بقرار محكمة الجنايات الدولية التحقيق في القضايا التي اعتبرت جرائم حرب، يمكن أن تجد نفسها أمام هيئة قضائية دولية سارية المفعول لا تتبنى جموح ترامب، ويمكن أن تطالب بفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل إذا قامت بتطبيق الإذن بالضم الذي أعطي لها من البيت الأبيض. إن وسم منتجات المستوطنات سيكون في حينه فقط فقرة في نظام كامل من العقوبات.
الفلسطينيون لا يتحدثون فقط عن احتمال حل السلطة، بل أيضاً إلغاء اتفاقات أوسلو ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل ونقل المسؤولية عن الإدارة اليومية لشؤون "المناطق" الفلسطينية إلى إسرائيل. المعضلة في هذه المسألة هي أكبر من أن تحتمل. قال عباس في السابق: إن إقامة السلطة الفلسطينية هي أحد الإنجازات الكبرى للشعب الفلسطيني.
السلطة الفلسطينية هي أيضاً الجهة المعترف بها، والتي تُعتبر الدول المانحة مستعدة لأن تضخ لها الأموال، يوجد لها مكانة معترف بها في المؤسسات الدولية، ومؤسسات الأمم المتحدة، وهي لديها سفارات في دول كثيرة بأرجاء العالم. حلها يعني التنازل عن كل ذلك وفقدان أجهزة السيطرة. حل السلطة والانسحاب من اتفاقات أوسلو، ومنها اتفاق التجارة والتنسيق الأمني، سيمنح إسرائيل الشرعية للسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني بشكل كامل. وفي المقابل، هذا القرار سيضع إسرائيل في وضع يكون عليها فيه تمويل جميع النشاطات المدنية في "المناطق"، وبناء أجهزة إدارة جديدة والعودة إلى احتلال مباشر على المستوى الجزئي.
الجزء الأكثر واقعية في خطة ترامب وفي الأقوال التي قالها هو أن الأمر يتعلق بحلم، مثل حلم يوم القيامة أو حلم إحياء العظام. الـ 81 صفحة التي خصصت لهذا الحلم ربما تشمل أدق التفاصيل الممتعة والأصلية، لكن خطة، بالأحرى "صفقة"، سيكون هذا تعريفاً بعيداً جداً لهذه الوثيقة.

عن "هآرتس"