صفقة القرن: كارثة تنتظر سكّان القدس الفلسطينيين!

حجم الخط

بقلم: نير حسون

 

جرافة في حانوت للخزف: هكذا ظهر الفصل الذي تحدث عن القدس في خطة السلام، التي أطلقها الرئيس ترامب.

أعلن معدّو الخطة عن الحاجة إلى العمل بـ "حساسية كبيرة" في المدينة. ولكنهم بعد ذلك قاموا بالدوس بشكل فظ على مشكلات حساسة، معقدة وخطيرة، دون التعمق في التفاصيل ودون فهم بالحد الأدنى للمدينة ومع تناقضات داخلية جوهرية.

مثلا، تعلن الخطة بأن الوضع الراهن في الأماكن المقدسة سيتم الحفاظ عليه، "خاصة الوضع القائم في الحرم/ المسجد الأقصى".

ولكن في فقرة أخرى في الخطة كتب "سيسمح للجميع من كل الديانات بالصلاة في جبل الهيكل/ الحرم بصورة تحترم دينهم وتراعي أوقات الصلاة للأديان الأخرى والأعياد".

ولكن البند الأكثر أهمية في الوضع القائم "غير المكتوب" في "جبل الهيكل" هو أنه لليهود والآخرين غير المسلمين ليس هناك حق للصلاة في "جبل الهيكل".

هذا الوضع القائم صادق عليه نتنياهو في العام 2015. فما هو معنى الوضع القائم إذا كان يوجد للجميع حق للصلاة في الحرم؟

معدّو الخطة الأميركية يوافقون على الرؤية، التي بحسبها يحق لإسرائيل الاحتفاظ بجميع الأماكن المقدسة.

هذا الحق، حسب معدي الخطة الذين يعتمدون على نتنياهو، لا ينبع فقط من علاقة إسرائيل بالأماكن المقدسة، بل لكونها السلطة الوحيدة التي حافظت على حرية العبادة لجميع الديانات في القدس. لذلك، فإن استنتاج الخطة هو أن إسرائيل ستواصل الاحتفاظ بالحوض المقدس في القدس.

الخطة مرفقة بقائمة تتكون من 35 مكاناً مقدسا في المدينة، بما في ذلك مدينة داود، بركة سلوان، وكنائس كثيرة.

سيحصل الفلسطينيون على المصادقة على تشغيل المرشدين السياحيين في الأماكن المقدسة في القدس. ومقابل هذه المصادقة يجب عليهم التنازل عما اعتبر رمزاً دينياً والمركز الأهم لوطنيتهم.

حسب الخطة، تقريبا ستبقى جميع القدس في أيدي إسرائيل، باستثناء زاويتين صغيرتين وهما مخيم شعفاط للاجئين وكفر عقب. هاتان المنطقتان الموجودتان داخل حدود بلدية القدس تم فصلهما عن المدينة قبل 15 سنة بوساطة جدار الفصل. ونتيجة هذا الفصل كانت أن السلطات الإسرائيلية انسحبت تقريبا بشكل تام من هذه الأحياء، التي تحولت إلى مناطق تسودها الفوضى. في أعقاب ذلك أقيمت فيها مبانٍ ضخمة لشقق سكنية غير قانونية.

والآن يعيش فيها 120 – 140 ألف نسمة، معظمهم يحملون بطاقة الهوية الزرقاء. أي أن واحداً من كل ثلاثة فلسطينيين في القدس يعيش في هذين الجيبين اللذين سيتم إخراجهما خارج حدود المدينة حسب الخطة.

تقترح الخطة على الفلسطينيين تحويل هذين الحيين سيئي الحظ (مع أبو ديس التي تقع في شرق القدس) إلى عاصمة فلسطين. تبالغ الخطة في سخائها بشكل مفاجئ للفلسطينيين وتقول إنه يمكنهم تسمية هذه المدينة العاصمة "القدس"، أو أي اسم آخر تقرره الدولة الفلسطينية. ومن أجل التأكيد على هذا السخاء، فإن هذه الجملة تكررت مرتين في النص.

السكان في الأحياء التي تقع خلف الجدار صدموا من الإعلان عن الخطة. فمنذ زمن هم يخشون من أن تقوم إسرائيل بالتآمر من أجل فصلهم عن مدينتهم.

وقد دفع الوزير زئيف الكين قدما بخطة مشابهة. وأول من أمس سمعت أصوات مستغربة لسكان في مخيم شعفاط ومنطقة كفر عقب.

وكثيرون تساءلوا، هل يجب عليهم البدء في البحث عن شقة داخل حدود القدس أو عن أي مكان آخر في إسرائيل من أجل عدم فقدانهم حقوقهم؟

يجب التذكير بأن الحديث يدور عن فلسطينيين مقدسيين انتقلوا إلى السكن هناك بسبب الضائقة السكنية في شرق القدس. العمل والمدارس وصناديق المرضى والمسجد الأقصى وأبناء عائلاتهم، كل ذلك يوجد في القدس. وإذا وضعت حدود بينهم وبين كل ذلك فستحدث كارثة.

ومن أجل تهدئة أصدقاء يوجدون هناك قمت بإرسال "قانون الأساس: القدس" لهم. وهو القانون الذي تمت المصادقة عليه بحماس في اليمين والآن يعتبر العائق القانوني الأقوى أمام تطبيق الخطة في القدس.

قانون الأساس: القدس هو البند الأكثر تحصينا في كتاب القوانين الإسرائيلي. وإذا أرادت حكومة إسرائيل حقا نقل الأحياء التي تقع خلف الجدار إلى السلطة أو إلى الدولة الفلسطينية فيجب عليها المصادقة على ذلك بأغلبية خاصة، 80 عضو كنيست، ومن خلال إجراء استفتاء. العضو في مجلس البلدية، آريه كينغ، هاجم في السابق الخطة التي تقسم القدس.
ما الذي سيحدث لـ 200 ألف فلسطيني يعيشون في شرق القدس في المناطق الموجودة داخل الجدار؟ تقترح الخطة عليهم الاختيار بين البقاء كسكان في دولة إسرائيل أو التحول إلى مواطنين في الدولة الفلسطينية (ليس من الواضح كيف سيعمل ذلك – من الذي سيقدم لهم الخدمات؟ والى أي شرطة سيخضعون؟ ولأي برلمان سيصوتون؟ وما هي الصلاحيات التي ستكون لهذا البرلمان عليهم؟) أو أن يكونوا مواطنين في دولة إسرائيل.

في هذه الأثناء تعلن إسرائيل أنه يمكنهم أن يصبحوا مواطنين، لكن هذا تصريح فارغ من المضمون.

عملية الحصول على الجنسية صعبة وطويلة إلى درجة أنها لا تعني الأغلبية العظمى من سكان شرق القدس.

ذروة انفصال الخطة عن الواقع هي البند الذي يتناول "منطقة سياحية خاصة".

حسب هذا البند، ستسمح إسرائيل للفلسطينيين بتطوير منطقة سياحية خاصة في عطروت، التي تقع في الجانب الإسرائيلي للجدار (الحدود المستقبلية حسب الخطة).

من الواضح أن من كتب ذلك لم يكن في أي يوم في عطروت، التي تتكون من منطقة صناعية قبيحة ومهملة، وفيها حاجز قلنديا ومنشأة لفصل النفايات وسور كبير من الإسمنت ومطار مهمل. فمن الذي سيرغب في زيارة هذا المكان؟

يمكن مواصلة تحليل الأمور غير المعقولة، العيوب والتناقضات التي توجد في هذه الخطة. ولكن ذلك لا يفيد. خطة سلام مستقبلية يجب أن يتم فحصها حسب معيار واحد فقط: اليوم ولد في مستشفى هداسا في جبل المشارف طفلان، إسرائيلي وفلسطيني. هل هذه الخطة ستضمن أنه بعد عشرين سنة فان هذين الشابين سيكون لديهما حقوق متساوية؟ هل سيكون لكل واحد منهما دولة؟ هل سيتمكنان من التأثير على حياتهما من خلال التصويت في صناديق الاقتراع؟ هل سيكون لهما حق متساوٍ في الحصول على الموارد وفي الفضاء وفي تقرير المصير وحق العبادة وحرية الحركة والكرامة؟ إذا كانت الإجابة عن أحد هذه الأسئلة هي لا، عندها فان الأمر لن يكون متعلقا بخطة سلام أو حل، بل بجزء من المشكلة.

عن "هآرتس"