صفقة ترامب خطة للضم من طرف واحد: ستبكي إسرائيل في المستقبل

حجم الخط

بقلم: إيهود أولمرت*


ذكرني العرض الذي جرى في البيت الأبيض، هذا الاسبوع، بحفل عيد المساخر «البوريم»، رغم أنه بقي اكثر من شهر على هذا العيد. فقد حبس العالم بأسره أنفاسه، وعندها عرضت بفخار خطة إدارة ترامب للسلام في الشرق الأوسط وإنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
مثّل إسرائيل في هذا الحدث رئيس الوزراء، وفي الحضور جلس أناس اختيروا بعناية (غالبيتهم الساحقة يهود، غير قليل منهم يعتمرون الكيبا) للتصفيق للخطة ولمن وضعها، وبادر اليها وعرضها. كان ينقص فقط الفلسطينيون. وكأنه لا صلة لهم بكل الأمر. هذا حدث يخصّنا، معد لنا، معد للاحسان لنا، خلق في التوقيت وفي الطريقة التي نظم بها، كي يساعد رئيس وزراء إسرائيل للفرار من أزماته الشخصية – على الاقل لزمن ما – وللاحتفال مع صديقه الرئيس بالوهم بأنه يمكن إنهاء نزاع تاريخي مفعم بالمشاعر، الذكريات، الازمات، ودم الضحايا الابرياء، ولا سيما في جانبنا، ولكن غير قليل منهم في الطرف الآخر أيضا – في احتفال ألعاب نارية إعلامية وجملة من الشعارات المتآكلة والخطوات التبسيطية.
«صفقة القرن»، التي أعلنها ترامب، ليست أساسا للمفاوضات، وليست وصفة لمصالحة تاريخية، وليست مسارا يؤدي الى مفاوضات تضع الأساسات لحياة جيرة بين دولة اليهود وبين الدولة الفلسطينية. فالأساس الذي اعتمد عليه فكر الزعامة الإسرائيلية على مدى سنوات طويلة سعى للانفصال عن الفلسطينيين. الحياة في اطار اقليمي واحد هي وصفة لاحتكاك دائم، لـ «إرهاب» لا يكاد يكون هناك سبيل لمنعه ولمرارة بدورها تغذي كراهية حكمها أن تنتشر وان تتسلل الى الكثيرين.
خطة ترامب ليس فقط لا تسمح بالانفصال، بل تخلق عمليا نسيجا مدينيا من الصعب جدا الفصل فيه بين اليهود والفلسطينيين. والوهم في أن هذا النسيج لن يتغير في المستقبل لن ينجح في اختبار الجهد الذي لا يتوقف من جانب المستوطنين لتوسيع اماكن مستوطناتهم ولتصبح غير قابلة للفصل.
الخطة هي إنجاز في العلاقات العامة والدعاية السياسية الكبيرة لنتنياهو. ما كان يمكنه أن يحلم بهدية اجمل، مغلفة بغلاف جذاب اكثر، من الاحتفال الذي نظمه على شرفه الرئيس الأميركي. لقد سبق ان قلت ان نتنياهو في نظري ليس زعيما يسعى لاحلال تغيير تاريخي يضع وجود إسرائيل على أساسات مستقرة وراسخة من الاعتراف الدولي الواسع، التعاطف، المصالحة الداخلية بين سكانها اليهود وغير اليهود والحياة التي يوجد فيها أمل بالسلام مع اعدائنا التاريخيين. هو ممثل، لامع، خبير، مجرب – ولكنه ممثل. والبيت الأبيض وفر له منصة مركزية، لعلها اكثر من المنصات في برودوي، وقد استخدمها بخبرة باعثة على التقدير.
ليس صدفة أن الفلسطينيين لم يكونوا شركاء في الحدث. من اللحظة الأولى رأت إدارة ترامب فيهم ليس اكثر من ملحق هامشي لهدف جهودها المركزي. ولم تستهدف الجهود التي بذلتها الإدارة  خلق أساس جدي، حقيقي ونزيه للحوار بينهم وبين إسرائيل. نقطة منطلق الفريق الأميركي كانت ما تعكسه احتياجات إسرائيل، مثلما يمثلها قطاع كان أقلية في الجمهور الإسرائيلي، ولكنها أقلية أصبحت سائدة وحاسمة في السنوات التي تولى فيها نتنياهو رئاسة الوزراء.
خطة ترامب هي خطة لضم من طرف واحد لكل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ولضم غور الأردن، ولعلها أيضا تضع الأساس لتحرير دولة إسرائيل من أجزاء معينة من «المناطق» تشكل اليوم جزءا منها ولكنها مأهولة بالمواطنين العرب.
لضمان ألا تجري مفاوضات حقيقية بين إسرائيل وبين الفلسطينيين أرفقت بالخطة سلسلة من المطالبات بتنازلات فلسطينية هي شروط مسبقة، مثل نزع سلاح منظمة «حماس» «الإرهابية» وتصفيتها، ووقف الدفعات لعائلات «المخربين»، وتغيير إلزامي في مضمون كتبهم التعليمية، التي فيها نصوص لا تطاق تقترب من اللاسامية، وبالأساس اعتراف فلسطيني بطولة إسرائيل كدولة يهودية. كل هذه المطالب يجب أن تكون جزءا من اتفاق السلام، عندما يوقع. ولكن الافتراض بانه يمكن اشتراط وجود المفاوضات باعلانات مسبقة هو زرع لغم يفجر كل فرصة للمفاوضات في المستقبل.
إذا قرر رئيس الوزراء اتخاذ خطوات من طرف واحد كهذه فانه ليس فقط سيصفي فرص المفاوضات، بل سيساهم في خلق جبهة عربية موحدة تضم دولاً مثل الأردن ومصر ودولا سنية معتدلة تتطلع للوصول الى علاقات سلام رسمي مع إسرائيل. هذه الجبهة ستكون رأس حربة في صراع دولي ضد إسرائيل، ستنضم اليه دول كثيرة، وبينها دول صديقة بوضوح لإسرائيل – في أوروبا أيضا.
ولكن كل هذه جزء من الأضرار التي يمكن أن تجلبها «خطة القرن» التي أعلنها ترامب.
الواقع الذي سينشأ سيجعل دولة إسرائيل دولة يوجد فيها نوعان من السكان: مواطنون (وبالأساس يهود)، يتمتعون بكل الامتيازات الممكنة التي تمنحها الدولة لرعاياها؛ والفلسطينيون، الذين يعيشون داخل «المناطق» التي تسيطر عليها الدولة، بلا حقوق، بلا حرية حركة، بلا حرية اختيار، بلا مكانة تضمن لهم ولابنائهم حياة قيمة وكرامة مستقلة.
يمكن بالطبع ان نستخدم المفاهيم المعروفة جيدا في الخطاب الدولي لنشرح كيف ستبدو دولة إسرائيل وكيف سيتعاطون معها في الأسرة الدولية، ولكني أتخلى عن استخدامها. فهي مفهومة من تلقاء ذاتها.
لا شك أن خطة ترامب هي ثورية. ثورية بالمعنى السيئ، الضار والخطير للكلمة. فهي من شأنها أن تشوش فهم الواقع الداخلي الذي نعيش فيه، أنماط السلوك المرغوب فيها في العلاقات بين مواطني الدولة وبالاساس ما هو مسموح به ومحظور في العلاقات بين دولة إسرائيل ومن يعيشون داخلها ولكنهم لا يستحقون التمتع بالحقوق الاساس، التي غيابها من شأنه أن يجر الكثيرين منهم الى مقاومة عنيفة ووحشية تجاه انفسهم وتجاهنا.
دولة إسرائيل اليهودية، الديمقراطية، المتسامحة، المتصالحة والمحترمة لنفسها ولغيرها ستكف عن الوجود. وهي ستصبح جيبا احتلاليا، استغلاليا واستعباديا لأناس لا يريدون ان يكونوا جزءا منها، وفي نهاية المطاف ستكف عن أن تكون أيضا دولة ديمقراطية تجاه مواطنيها أنفسهم. لأنه عندما يبدأ الانزلاق في منحدر التمييز والقمع يكون صعبا جدا تقييد حدود الانزلاق، ونهايته الدمار الذاتي.
الثلاثاء الماضي، جرى احتفال كبير في واشنطن. نال ترامب بضع لحظات من الرحمة في الفوضى الشخصية والعامة التي يعيشها في هذه الأيام. وأتمنى له من كل القلب أن ينجو منها. كما أن نتنياهو هو الآخر اجترف تصفيقا وهتافات تمجيد من جمهور متعاطف اختير بعناية. غير أن حكم هذه الحفلة أن تنتهي ببكاء عظيم. أخشى أن يكون هذا البكاء بكاءنا.

عن «معاريف»
*رئيس الوزراء السابق.