ترحيل قرى المثلث !

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


عمل جارد كوشنير، صهر ومستشار دونالد ترامب، ثلاث سنوات على خطته. والنتيجة، اذا كان ممكنا الحديث بصدق، مخيبة للآمال بعض الشيء. فالكراس، 181 صفحة في لونين، يذكر بنشرة دعائية لبرج شقق جديد في منهاتن. كلمة «Great» المحببة جدا إلى ترامب، تتكرر المرة تلو الأخرى. ما ينقص في الجوهر تغطيه العناوين المتفائلة والرسومات النقية. فهل يشتري أحد ما شقة في برج كوشنير؟ ليس أحداً يعيش هنا، بين النهر والبحر.
كان مشوقاً أن نتابع الاختلاف في ردود فعل الأميركيين، الإسرائيليين، والفلسطينيين على الخطة. نقطة انطلاقة الإسرائيليين كانت ان هذه تلاعبات: اذا كان نتنياهو يؤيد، فهذا دليل على ان هذه مناورة. فنتنياهو لم يوافق حقا على إقامة دولة فلسطينية؛ وهو لم يتخلَ حقا عن 70 في المئة من المناطق ج؛ وهو لا يقصد استئناف المفاوضات. قبل خطاب بار ايلان، الذي تبنى حل الدولتين، اتصل نتنياهو بنواب من «الليكود» ممن عارضوا إقامة دولة فلسطينية. وشرح لهم بأن هذا اضطرار: كان أوباما دخل قبل شهر الى البيت الأبيض، ونحن ملزمون بإعطائه شيئا ما، وبعد ذلك نتدبر الأمور.
إن فقدان مصداقية نتنياهو هو أحد ذخائره. فالمصداقية هي أصفاد على اقدام السياسي: فهي ملزمة؛ وهي مكبلة. وفقدانها حرية، تحرر، والاحتيال هو قوة. في الشبكات الاجتماعية نُشرت، هذا الأسبوع، خريطتان: خريطة الضفة حسب رابين؛ وخريطة الضفة حسب كوشنير ونتنياهو. الخريطتان متشابهتان. فوق خريطة رابين كتب: رابين خائن؛ فوق خريطة كوشنير: بيبي عبقري. المقارنة فوتت الفارق: رابين قصد، ولهذا أسموه خائنا. نتنياهو لم يقصد، وعليه فهو عبقري.
الاحتفال في الغرفة الشرقية، قاعة الاحتفالات في البيت الأبيض، أثارت انطباع الإسرائيليين أكثر بكثير من الخطة. فنحن جوعى للحب، والحب كان في القاعة بكميات تجارية. الإسرائيليون يحبون حب ترامب: فهم مقتنعون بان نتنياهو جلب لهم هذا، أعد لهم هذا. بيبي هو أمازون.
من المشوق على نحو خاص رد فعل قادة مجالس المستوطنين، ورجال «الليكود»، على الخطة. المجمل لا يهمهم. تهمهم الغنيمة: فهم يطلبون أخذ ما يحتاجونه ويتركون خلفهم ما يتبقى. رد فعل مختلف سجل في الحزب على يمين «الليكود». هناك يرون في الخطة فرصة للتميز عن نتنياهو، وأخذ الأصوات منه في صناديق الاقتراع.
غانتس بحث عن حيلته. لقاؤه المنفصل مع ترامب كان ابداعاً لحظياً، غرق في الحدث الكبير الذي أنتج لنتنياهو في الغداة. يعتقد ليبرمان أن غانتس أخطأ؛ لانعدام التجربة. يقول ليبرمان: «عندما يعمل أربعة طباخين في المطبخ، يحترق الطعام».
أما بيان غانتس بانه سيطرح خطة ترامب كلها على الكنيست للتصويت عليها، فهو حيلة أخرى، تجسد فقط مصاعب «أزرق أبيض»، في الاتحاد حول شيء ما ليس نتنياهو. والخطر الذي يقف أمامه غانتس يذكر بالمنافسة بين كوكا كولا وبيبسي: المشروبان يعرضان تركيبة شبه متماثلة، ولكن كوكا كولا أكثر أصالة.
عقد في تل ابيب، هذا الأسبوع، المؤتمر السنوي لمعهد بحوث الأمن. غير قليل من الأميركيين، الذين ينشغلون بشؤون الشرق الأوسط، جاؤوا الى هنا. تحدثت مع بعضهم. موقفهم الاولي من الخطة كان جديا: في دوائرهم يتعاطون مع الأوراق بجدية. ما سمعوه من كبار رجالات جهاز الامن الإسرائيلي، ممن في البزات وممن بدونها، غيّر بؤرة خطابهم. فقد انتقلوا من عالم الاقوال الى عالم الأفعال، من المستقبل اللامع، الافتراضي، الذي تعد به الخطة للدولة الفلسطينية، الى قلق حقيقي، فوري، على وجود اتفاق السلام مع الأردن.

الترحيل الى صناديق الاقتراع
عشية نشر الخطة ادعى النائب أحمد الطيبي من «القائمة المشتركة» بأن فيها ذكراً لترحيل بلدات عربية في إسرائيل. وقد كان محقاً. الصفحة 13 في الخطة تستحق القراءة، وهي تكشف اكثر مما قصده الكُتّاب.
«تبادل الأراضي يتضمن أراضي مأهولة وأراضي غير مأهولة»، تقول الخطة، وتنتقل الى البحث في البلدات العربية في المثلث، «تجمعات سكانية مثل كفر قرع، عرعرة، باقة الغربية، ام الفحم، قلنسوة، الطيبة، كفر قاسم، الطيرة، كفر برا، جلجوليا، هذه التجمعات السكانية التي تعرف نفسها بأنها فلسطينية، كان يفترض بها ان تنتقل الى سيطرة اردنية في اتفاقات الهدنة في العام 1949. ولكن في نهاية المطاف بقيت في ايدي إسرائيل. تطرح الخطة إمكانية أن يعاد ترسيم حدود إسرائيل بتوافق الطرفين بحيث تكون قرى المثلث جزءاً من الدولة الفلسطينية».
سطحياً، هذه فقرة غريبة، غير قانونية على نحو ظاهر: سكان وادي عاره والمثلث، على أطراف بيتح تكفا، 200 ألف نسمة، هم مواطنو إسرائيل. لم يسألهم أحد إذا كانوا يريدون الانتقال الى دولة أخرى. وحسب الخطة، فان أحداً لن يسأل. أما المستوطنون اليهود، فانهم سيسألونهم؛ وسيتجاوزون العرب. مصيرهم يتقرر من فوق، في مفاوضات بين حكومة إسرائيل والفلسطينيين.
يمكن الافتراض بأن هذه الفقرة غرسها رجال نتنياهو. معظم الخطة مبنية على صياغات عرضها نتنياهو في مناسبات مختلفة، ابتداء من الكتاب الذي كتبه «مكان تحت الشمس». والسؤال هو لماذا غرست الفقرة؟ سبب واحد، واجب، هو تقييد ليبرمان: فنقل المثلث الى فلسطين هو فكرة يروج هو لها منذ سنين. وبالفعل، يرى ليبرمان حاجة للإعلان عن تأييده للخطة.
الطيبي مقتنع بان نتنياهو غرس الفقرة كي يجتذب الى «الليكود» ناخبي ليبرمان. ربما، من المعقول أكثر أن يحصل العكس: فالتهديد المبطن بالترحيل سيجلب الى صناديق الاقتراع ناخبين من الوسط العربي، من مصوتي «القائمة المشتركة». هذا حصل في الانتخابات السابقة، بفضل الحملة المصورة لـ «الليكود»، وحسب ردود الفعل الأولية، وهذا كفيل بأن يحصل مرة أخرى. ليس للعرب في المثلث أي نية للتخلي عن مواطنتهم الإسرائيلية. وهم سيصوتون بجموعهم.
ان ثقة الوسط العربي بالمواطنة الإسرائيلية هي بشرى مفرحة. لستُ واثقا ان هذه كانت نية نتنياهو.

القدس الثالثة
توجد ثلاثة أنواع من القدس: القدس الغربية، القدس الأردنية، والقدس الحالية. من ليس ضالعاً بالخرائط، قد يتشوش. بعد النصر في «الأيام الستة» قررت حكومة أشكول ضم شرقي القدس. ولم تكتفِ بالمنطقة البلدية للقدس الأردنية: ثلاثة جنرالات – رحبعام زئيفي، شلومو لاهط، وحاييم هرتسوغ، كلفوا بأن يرسموا للمدينة خطوطا جديدة.
وهكذا انتفخت القدس شرقا، نحو الصحراء، وشمالا، نحو رام الله. أحياء، قرى، ومخيمات لاجئين لم تكن لها صلة بالقدس، ضمت اليها. كان هذا قراراً غبياً من ناحية ديمغرافية، اقتصادية، وسياسية. واحتدمت المشكلة بعد الانتفاضة الثانية. أقامت الحكومة على طول مسار المطار في قلنديا سور الفصل، وتركت القرى ومخيمات اللاجئين في الشمال خلف السور. البلدية لا تدخل الى هذه القرى؛ ووضع الخدمات فيها صادم. على الرغم من ذلك، ليس لأحد الشجاعة لنقلها رسمياً الى السلطة.
قالت خطة كلينتون: الأحياء العربية للفلسطينيين؛ والأحياء اليهودية لإسرائيل. خطة كوشنير تقول: كل ما هو داخل السور لإسرائيل؛ القليل الذي خارج السور لفلسطين. والفلسطينيون يفترض بهم أن يقرروا عاصمتهم في كفر عقب أو في ضاحية البريد، في أبو ديس، أو في العيزرية، وأن يسموها القدس. أفكار مشابهة طرحت في الماضي، ولم تنجح.
كما هو متوقع، وكما هو مخطط، رد الفعل الفلسطيني على الخطة كان رفضا تاماً. هذا ما يعرف الفلسطينيون عمله، منذ 1947. وهكذا يبدون. صائب عريقات، المسؤول عن المفاوضات في السلطة، قال، هذا الأسبوع، ان الادعاء ليس صحيحا. اسألوا باراك وأولمرت، أضاف. نسي أن عرفات لم يعطِ رداً لباراك في كامب ديفيد (الرد كان انتفاضة) ولم يعطِ أبو مازن رداً لاولمرت حتى اليوم.
يمكن أن نفهم لماذا يرفضون خطة كوشنير (ترامب لا يوقع الا على القسم الاقتصادي في الخطة): كوشنير يطلب منهم شروطاً مسبقة لا يمكنهم أن يستوفوها؛ يعطيهم خريطة مقسمة ومنمرة بجيوب يهودية؛ ويمنح لدولتهم صلاحيات أقل من صلاحيات رود آيلند، ولاية صغيرة في الولايات المتحدة.
لن يخرج السلام من الخطة. كل واحد يفهم هذا، ربما باستثناء جاريد كوشنير. السؤال هو ما الذي سيخرج حقا؟ نتنياهو وعد رؤساء مجالس المستوطنين بضم فوري لغور الأردن والكتل الاستيطانية. وعندها رفع الملك عبدالله الهاتف، وربما أيضا ولي العهد السعودي، وتوقف كل شيء. انتهت مرحلة الاحتفالات؛ بدأت مرحلة الفحص. وفي الأفق تطل الاحتجاجات. ما يحصل في كانون الثاني يبقى في كانون الثاني: من المشكوك فيه أن يؤثر على ما سيحصل في 2 آذار.

عن «يديعوت»