العالم يُسلم بالضم الإسرائيلي

العالم يُسلم بالضم الإسرائيلي
حجم الخط

ترجمة - وكالة خبر

بقلم: يوسي ميلمان

في الـ 52.5 سنة، التي مرت منذ حرب "الايام الستة" ضمت إسرائيل مرتين مناطق فلسطينية. واذا لم يحدث أي شيء استثنائي فنحن في الطريق الى الضم الثالث، الأكبر منها جميعا، نحو 1900 كم مربع. الضم الأول، الذي جاء بعد فترة قصيرة على حرب حزيران 1967، كان 70 كم مربعا في شرقي القدس. وفي العام 1981 ضمت إسرائيل هضبة الجولان التي مساحتها 1800 كم مربعا.

الضم الاول والضم الثاني والضم الثالث الذي هو على الطريق، حدثت وكأنها عرض وبصورة مرتجلة ودون اعدادات مسبقة، ودون فهم عمق مغزاها وتداعياتها، ومن خلال خلافات في جهاز الامن. لقد كانت نتيجة مباشرة لنزوات القادة.

ضم شرقي القدس في 28 حزيران 1967 نبع من ثورة للمشاعر على خلفية الهيجان الذي جرّ اجزاء واسعة من الجمهور الإسرائيلي في اعقاب الحرب واحتلال "المناطق". الصحافي عوزي بنزيمان، الذي ألف كتاب "القدس – مدينة بدون سور" (من منشورات تشوكين، 1973) كتب بأن القرار لم ينبع من حاجة وجودية، أو من حاجة أمنية واضحة، بل نبع بالأساس "من دوافع عاطفية ومن حسابات شخصية مع التاريخ الذي كان لعدد من الأشخاص في قمة القيادة الإسرائيلية".

الاشخاص الثلاثة الرئيسيون، الذين كانت لهم حسابات، هم الوزير يغئال الون، والوزير مناحيم بيغن، والوزير موشيه ديان. معظم هؤلاء الوزراء أيدوا الفكرة. والقلائل، منهم وزير الداخلية موشيه حاييم شبيرا (المفدال)، عارضوا. ورئيس الحكومة، ليفي اشكول، الذي اظهر خلال حياته السياسية الحذر والاعتدال، خضع لمن يؤيدون الضم و"روح العصر".

ايضا ضم هضبة الجولان وفرض قانون السيادة فيها، كما تسمى عمليات الضم، حدث بشكل متسرع، اذا لم يكن متهورا، وكان بدافع الحالة النفسية. في صباح 14 كانون الاول 1981 عقد بيغن جلسة خاصة للحكومة في منزله. وبيغن، الذي كان يمر بتغير في حالته النفسية، مكث في منزله منذ كسرت ساقه في 26 تشرين الثاني، وتم اجراء عملية له في المستشفى. في هذه الجلسة الخاصة اقترح على الحكومة المصادقة على مشروع القانون فورا. صادقت الحكومة بالاغلبية، رغم أن عددا من وزراء اليمين المعتدل (الجزء الليبرالي في "الليكود") تحفظوا على التعجل أو على القرار نفسه. وفي اليوم التالي، حضر بيغن الى الكنيست على كرسي متحرك. وبشكل متسرع صادقت الكنيست في يوم واحد على قرار الضم بالقراءات الثلاث.

الضم الثالث، الذي هو في الطريق، يذكر بالضمين السابقين. فقد جاء بدوافع شخصية لرئيس الحكومة. لقد كان لبنيامين نتنياهو 11 سنة من اجل القيام بعملية ضم الغور والمستوطنات. وفي كل مفترق طرق تردد وامتنع. الآن فقط، من شدة يأسه وعند فشله في الحملتين الانتخابيتين وتم تقديم لائحة اتهام ضده، تذكر بأن يستخدم ما يعتبر حسب رأيه سلاح يوم القيامة الذي يمكن أن ينقذه من مأزقه.
هناك قاسم مشترك بين عمليات الضم الثلاث. يوجد اجماع سياسي على عمليات الضم. في العام 1967 كانت اغلبية ساحقة لقرار ضم شرقي القدس. واليسار الصهيوني صوت مع، وهذا ما فعله حتى عضو الكنيست، أوري افنيري، الذي ركب موجة الانتصار. وفقط الحزبان الشيوعيان ماكي وركاح عارضا ذلك.

في العام 1981 كانت هناك ايضا اغلبية ساحقة في الكنيست أيدت فكرة ضم الجولان. كتلة المعراخ (العمل ومبام) التي قادت المعارضة، غابت عن التصويت. فهي لم تعارض القانون لاسباب مبدئية أو ايديولوجية، بل بسبب اجراءات اجازة قانون مهم جدا في عملية سريعة وغير مسبوقة.

الآن ايضا، باستثناء اليسار الصهيوني الآخذ في التلاشي، والقائمة المشتركة، توجد موافقة جارفة على خطة ترامب. "ازرق ابيض" برئاسة غانتس يؤيدها. والمعارضة الوحيدة هي على توقيت بنيامين نتنياهو ومحاولته الساخرة لاجازة القانون بشكل متسرع قبل الانتخابات، على أمل أن يساعده ذلك في مواصلة البقاء في بلفور. يأمل "ازرق ابيض" أن يشكل الحكومة القادمة بعد شهر تقريبا وأن يقود عملية الضم.

ربما الاهم من كل ذلك هو أن سياسة الضم القانوني أو الضم الزاحف، التي استمرت منذ العام 1967، حظيت دائما بدعم مباشر أو غير مباشر من معظم الادارات الأميركية. وقد دفعت ضريبة كلامية بسبب معارضتها للاعتراف بضم القدس، لكنها سلمت بذلك. ادارة الرئيس رونالد ريغان عاقبت إسرائيل على ضم هضبة الجولان، حيث أوقفت مذكرة التفاهمات الاستراتيجية بين الدولتين، وجمدت طلبات إسرائيل بتزويدها بالطائرات. وبعد فترة ألغت الولايات المتحدة هذا التأخير والتجميد وعادت العلاقات إلى مسارها.

ايضا المجتمع الدولي، ومن ضمنه العالم العربي، سلم مع مرور الزمن بسياسة الاحتلال والضم الإسرائيلية. وقد اتخذت الدول العربية قرارات تدين إسرائيل وقامت بخطوات احتجاجية، هنا وهناك، وفي نهاية المطاف سلمت بذلك. مصر والأردن وقعتا على اتفاقات سلام مع إسرائيل واقامتا علاقات دبلوماسية. وفي السنوات الاخيرة تقترب دول الخليج والسعودية من إسرائيل وتبتعد عن الفلسطينيين.

الاستنتاج المؤسف هو أنه عندما يكون اتفاق وطني واسع فإن الولايات المتحدة والعالم يؤيدون أو يتغاضون. ومعظم الدول العربية تسلم بضم مناطق. يبدو ايضا أن فرض القانون الإسرائيلي في المستوطنات وفي غور الأردن سيتحول آجلا أم عاجلا الى حقيقة منتهية.

وما سيحدث في حينه لإسرائيل والحلم الصهيوني – إقامة دولة واحدة لكل مواطنيها، ترحيل أو نظام "ابرتهايد" عنصري – هو مسألة اخرى، زعماء إسرائيل في الائتلاف والمعارضة يتصرفون وكأنها لا تمسهم ولا تمس أولادهم أو أحفادهم.

عن "هآرتس"