تـطـبـيـع الـعـلاقـات مـع الـسـودان.. بـحـذر شـديــد

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



«أبلغتُ رئيس الحكومة عن لقائي مع بنيامين نتنياهو قبل 48 ساعة»، هكذا دافع رئيس مجلس السيادة المؤقت في السودان وزعيم الدولة، الجنرال عبد الفتاح البرهان. وأطلق البرهان هذه الأقوال رداً على العاصفة السياسية التي ثارت في السودان في أعقاب اللقاء بينه وبين رئيس الحكومة، نتنياهو. فيصل محمد صالح، المتحدث بلسان الحكومة، عرض رواية أخرى لمجريات الأحداث. وحسب قوله «لم يتم إعطاء أي بلاغ مسبق لرئيس الحكومة أو الحكومة عن سفر البرهان إلى أوغندا. أو عن اللقاء المتوقع مع رئيس الحكومة الإسرائيلي».
يبدو أن غضب أعضاء الحكومة المؤقتة في السودان من مجرد اللقاء مع المسؤول الإسرائيلي جاء بسبب أن البرهان تجاوز صلاحياته كرئيس للمجلس السيادي، وأضر بأسس الدستور المؤقت، وقام بهذه الخطوة دون التشاور مع الحكومة وأخذ الإذن منها. هذا نقاش ممتع يبرهن على صراع القوى السياسية، التي تحاول بناء الديمقراطية الجديدة في السودان: تأسيس وتحديد صلاحيات الجهات الحاكمة، وتقييد قوة الجيش وقوة ممثليه في المجلس، ووضع مضمون لصلاحيات الممثلية المدنية، سواء في المجلس أو الحكومة.
وليس في صالحها أن إسرائيل تحولت إلى حالة للدراسة لهذا الصراع السياسي. رئيس حزب المعارضة «الأمة»، الصادق المهدي، يسمي العلاقات مع إسرائيل «خطاً أحمر» يجب عدم تجاوزه، في حين أن رئيس المجلس السيادي، البرهان، يطرح أفضليات تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
منذ نيسان الماضي، عندما تم عزل عمر البشير من منصبه، الذي سيطر على الدولة منذ العام 1989، تم تعليق آمال كبيرة على أداء المؤسسات المؤقتة التي تم تشكيلها في السودان، لا سيما على قدرتها على تحقيق شرعية دولية ستضخ الأموال المطلوبة لإعادة إعمار الدولة، التي تعتبر من الدول الأكثر فقراً في العالم. شرح البرهان لقادة الجيش (الذين حرص على إبلاغهم عن اللقاء المرتقب مع نتنياهو، ورئيس الحكومة المدني، عبد الله حمدوك، بعد اللقاء) المكاسب الكثيرة التي يمكن للقاء الزعيمين أن يحققها للسودان. وقد أوضح بأنه إزاء الانتقاد بأن السودان يمكن أن يظهر كخائن للقضية الفلسطينية، فإن الفائدة العملية أكبر من الأضرار. كما أن «الفلسطينيين أنفسهم يعترفون بإسرائيل». هذه الفائدة، كما يعتقد محللون سياسيون في السودان، ينشرون في وسائل الإعلام المراقبة جداً في الدولة، تكمن في قدرة إسرائيل على التأثير على الإدارة الأميركية من أجل رفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. وطالما أن السودان يوجد ضمن هذه القائمة فهو لا يستطيع الحصول على المساعدات المالية من مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو البنوك، وبيقين ليس من الإدارة الأميركية.

مؤتمر قبول
من دون القروض والهبات، سيجد السودان صعوبة في دفع ديونه بشكل فوري، التي تبلغ أكثر من ملياري دولار، وبالتأكيد لن يستطيع البدء في التخطيط لتسديد دينه الوطني الذي يبلغ نحو 60 مليار دولار. وهو سيجد صعوبة في التغلب على التضخم الذي يصل إلى 60 في المئة، وتقليص نسبة البطالة الكبيرة.
أظهر البنك الدولي في الحقيقة استعداده لمساعدة السودان بإشراف وتوجيه على إقامة بنية تحتية مالية مناسبة تشمل التشريع في مجال البنوك وإعادة إنشاء البنك المركزي والموازنة بين الحاجة إلى مساعدة الطبقات الضعيفة التي تشمل معظم شرائح السكان وبين المطالبة بإجراء إصلاحات على الدعم الحكومي الذي يسبب عجز الدولة بأكثر من 9 في المئة من الناتج المحلي الخام. ولكن التوجيه والنصيحة الجيدة غير كافية من دون ضخ ثابت للمساعدات الخارجية. هذا التدفق لن يكون طالما أن السودان يعتبر دولة داعمة للإرهاب.
الولايات المتحدة، التي رفعت في العام 2017 معظم قيودها التجارية على السودان، لا تسارع إلى منح الحكومة المؤقتة مفتاح الجيب العالمية. الإدارة الأميركية تريد أن تكون على يقين من أن استبدال السلطة والمؤسسات المؤقتة سينشئ نظاماً ثابتاً وديمقراطياً يؤيد الغرب، بالأساس نظام يواصل المسار المناهض لإيران الذي تبناه الرئيس المعزول البشير.
وبناء على ذلك، عندما يتحدث البرهان ونتنياهو عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان فيفضل الفحص عن أي سودان يدور الحديث: العصيان المدني الذي أدى إلى عزل البشير لم يهدأ بعد، حتى لو هدأت التظاهرات الكبيرة التي حدثت في كانون الأول 2018 واستمرت حتى منتصف 2019، وبعد القمع الدموي للمتظاهرين في حزيران الماضي الذي قتل فيه 100 شخص بنار قوات «وحدة التدخل السريع» توصل الجيش وممثلو المنظمات المدنية والمنظمة تحت منظمة عليا ضعيفة باسم «قوة الحرية والتغيير»، إلى اتفاق على تقسيم السيطرة في الدولة.
في إطار الاتفاق تقرر إنشاء مجلس سيادة مؤقت من 11 عضواً. خمسة من رجال الجيش، على رأسهم البرهان، وخمسة مدنيين ومدني يتم تعيينه بموافقة الطرفين. هذا المجلس شكل حكومة برئاسة عبد الله حمدوك، من شأنها أن تستمر لمدة 39 شهراً من يوم تشكيلها في آب الماضي. وخلال 21 شهراً يقف البرهان على رأس المجلس، وفي الـ 18 شهراً المقبلة سيترأس هذا المجلس شخص مدني. في نهاية الفترة وقبيل العام 2023 سيتم إجراء انتخابات حرة، لن يستطيع أعضاء المجلس ترشيح أنفسهم فيها.
كما يبدو أن هذه البنية تضمن فترة هادئة تمكن من تقدم الدولة وإجراء إصلاحات اقتصادية وصياغة دستور دائم. ولكن كلمة المفتاح هي «كما يبدو». لا توجد للجيش أي نية للتنازل عن قوته السياسية، ولا يوجد أي يقين بأن استبدال القيادة في مجلس السيادة سيتحقق بجدية. ومفهوم «الجيش» لا يوضح بنية القوة الحقيقية، حيث إنه في عهد عمر البشير تم اعتبار قيادة الجيش عاملاً تآمرياً كان دائماً تحت عين الرئيس اليقظة، الذي خشي من انقلاب عسكري ضده.

تدخل سريع
من أجل تحييد قوة الجيش قام البشير بإنشاء «وحدة التدخل السريع» كقوة مدربة وناجعة ومسلحة بشكل جيد حتى أكثر من الجيش الوطني الذي شكل بالنسبة له دعامة لقمع قوات متآمرة وإدارة عمليات خاصة. وقد ترأس هذه القوة محمد حمدان دكالو، المعروف بلقب «حميدتي»، وهو قائد غير مثقف، بدأ مسيرته المهنية كتاجر للجمال ورئيس عصابة لحماية القوافل التي ترافق التجار. تقدم حميدتي بسرعة في صفوف القيادة في القوة الجديدة بفضل سيطرته على مناجم الذهب في الدولة وعلى طرق تهريب السلاح والمخدرات وسلع أخرى.
حميدتي، الذي كان عضواً في المجلس العسكري الذي استولى على السلطة بعد عزل البشير، انسحب من مجلس السيادة المؤقت لأنه لم يتم تعيينه رئيساً له. والآن هو يترأس قوة تشمل 30 ألف مقاتل، تهدد شرعية هذا المجلس. وإضافة إلى العداء بين حميدتي والبرهان، تعمل في السودان مليشيات محلية تواصل الصراعات العنيفة ضد الجيش. وجهود التوصل إلى اتفاق تعاون معها فشلت حتى الآن. وهذه المليشيات تعمل في الأساس في أربع محافظات يطالب سكانها بتوزيع عادل للميزانية والتمثيل في السلطة. وهم يعتبرون مجلس السيادة سلطة للنخب الحضرية التي تتنكر للضواحي القروية الفقيرة.
المعارضة المدنية أيضاً غير متجانسة. التنظيم الرئيس والمهم الذي أدار التظاهرات في السنة الماضية هو «اتحاد أصحاب المهن»، وهو تنظيم يتشكل من ممثلي أحزاب وأكاديميين ورؤساء جمعيات مدنية. وهو الجسم الذي أدار المفاوضات مع المجلس العسكري الذي استولى على الحكم. الاتحاد، الذي تأسس في العام 2014، عانى من الانقسام الداخلي، ومؤخراً انسحبت منه عدة تنظيمات فضلت إقامة تحالف مع حزب الأمة الوطني.
التيارات الدينية، لا سيما «الإخوان المسلمين»، التي الكثير منها حزب المؤتمر الوطني برئاسة حسن الترابي، يوجد لها طموحات خاصة. ورغم أن الحزب تم إبعاده وقمعه من قبل البشير (الذي كان هو نفسه عضواً كبيراً فيه إلى حين تنازعه مع الترابي)، إلا أنه توجد له مصادر تمويل كبيرة وشبكة تجنيد واسعة يمكن أن تخدمه بشكل جيد عندما سيتم إجراء الانتخابات. تعززه وفوزه في الانتخابات يمكن أن يهددا قدرة النظام الجديد في السودان على تلبية «معيار تأييد الغرب» الذي تضعه الولايات المتحدة كشرط لرفع السودان من قائمة الدول التي تؤيد الإرهاب.
من المشكوك فيه أن يتمكن السودان في حينه من الاعتماد على المساعدات والاستثمارات التي وعدته بها السعودية ودولة الإمارات التي تبلغ 12 مليار دولار. هذه الدول التي سارعت إلى منح النظام العسكري مساعدة مالية بمبلغ 3 مليارات دولار، وقبل ذلك منحة بلغت 2.2 مليار دولار، عن دور السودان في الحرب باليمن، تعتبر مجلس السيادة، وبالأساس الجيش، ليس عائقاً أمام نفوذ إيران في المنطقة فقط بل أيضاً كابحاً أمام تعاظم قوة الإسلام الأصولي.
السعودية ودولة الإمارات إضافة إلى مصر تعتبر حركة «الإخوان المسلمين» منظمة إرهابية، لذلك من غير المتوقع أن توافق على تقديم مساعدة لحكومة يكون فيها حزب المؤتمر شريكاً رئيسياً. هذه الدول ستفضل استمرار سيطرة الجيش وتولي برهان منصبه، الذي كان قائداً لقوات السودان في اليمن قبل تعيينه مفتشاً عاماً للجيش، على نظام ديمقراطي يمكن أن يكون إسلامياً بطبيعته.

لا توجد ضريبة على الكلام
رئيس الحكومة نتنياهو ربما يمكنه التفاخر بقدرته على نسج علاقات مع قادة عرب ليس في إطار علاقات دبلوماسية. ولكن التطبيع مع السودان هو رفع لافتة انتخابية حتى قبل أن يكون واضحاً من هو الشريك في حفل الزفاف. رسمياً، السودان ما زال دولة تؤيد الإرهاب. والتطبيع معه يشبه الإعلان عن نية تطبيع العلاقات مع إيران أو مع كوريا الشمالية. ولكن حتى لو نجحت إسرائيل في إقناع الإدارة الأميركية بشطب السودان من قائمة الدول المؤيدة للإرهاب، فإن عدم اليقين بشأن القيادة الثابتة في الدولة يمكن أن يضع إسرائيل في مركز العاصفة السياسية التي لن تسمح بمأسسة التطبيع، أو حتى تبعد أكثر احتمال نجاحه.
يظهر السودان كدولة لها إمكانية كامنة لإعادة الإعمار. انفصاله عن إيران وتقاربه من السعودية ودولة الإمارات، يضمه إلى دائرة دول الهامش التي أصبحت لا تعتبر إسرائيل عدوة. ومكانه الجغرافي على شواطئ البحر الأحمر يمنحه أهمية إستراتيجية كبيرة، وتبعيته الاقتصادية للغرب يمكن أن تضمن مصالح إسرائيل. من هنا فإن نسيج العلاقات الغض يجب تعزيزه بحذر شديد. تطبيع فعلي مع السودان يعتبر ذخراً له قيمة يمكن أن يتحطم إذا تحول إلى شعار انتخابي.

 عن «هآرتس»